الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 681الرجوع إلى "الثقافة"

النشاط الثقافى فى أسبوع

Share

معرض جماعة الفن الحديث :

هذا هو المعرض الرابع لجماعة الفن الحديث ، أقامته الجماعة بصالة متحف الفن الحديث تحت رعاية محمد بك حسن مدير عام الفنون الجميلة ، والمعروف أن محمد بك حسن رجل معتدل فى موقفه من مذاهب الفن المعاصرة والقديمة ، وقد درسها دراسة العالم قبل أن يدرسها دراسة الفنان ، وأذكر أنه صاحب المذهب المجمع ، وهو جمع بين الاتجاهات الفنية المعتدلة القريبة من طبيعة الفن سواء فى القديم والحديث .

ثمانية من أعضاء جماعة الفن الحديث عرضوا أكثر من أربعين لوحة ، وسأقف بك قليلا مع كل من الفنانين الثمانية

أما جاذبية سرى فتدلك لوحاتها على أنها دارسة وفاهمة ولكنها أحيانا تعلو وأخرى يخونها التوفيق . فى لوحتها للمدرسة ( صورة نصفية ) أداء يدل على تمكن ، ووضوح فى الفكرة والتعبير يدل على أصالة ، وقد استغلت الخطوط المنكسرة فى تنسيق الشعر ، إكمالا لمسحة الهندام التى تبدو على المدرسة ، وقد كان فى احتضان الكتاب وإسناده إلى القلب ، وفى ملامح الوجه تعبير قوى عن الإخلاص فى العمل وحب الدرس . أما الظلان الجانبيان ( البروفيل ) ففى استقامة الرقبة والشعر والجسم ، وفى استقامة النظرات دلالة واضحة على الاستقامة بوجه عام ، وهكذا نرى المعانى قد ظفرت بالتعبير الموحى أكثر من اعتمادها على الخطوط المشخصة تشخيصاً حقيقياً دقيقاً .

أما سميرة عبد الرازق فلعلها قد تخصصت فى دراسة اللون الأحمر ، وللون الأحمر دلالة معينة معروفة ، ولكن الفنانة قد استطاعت أن تستغله دون أن يبدو ناشزاً ، ولن تفوتك لوحة لها لم تتمتع بالقدر الأوفر من هذا اللون ، وإذا كان من الفنانين الثمانية من أخذ بالمذهب التكعبى Cubism فى لوحاته فلم يكن فيهم أكثر هضما وتمثيلً لهذا المذهب من الفنانة سميرة بخاصة فى لوحتيها ( صيادو السمك ) و ( الغسالة ) . أما لوحات الصوف الثلاث ( حديقة النزهة ) و ( خيامية ) و ( طريق ) فلم تكن تقصد منها إلى نوع معين من أساليب التعبير أكثر من وضع صحيح للطبيعة كما هى ، ولكن بترك المجال للخيال فى اختيار الألوان وخلق جو من الانسجام بينهما رغم أنها فى الحقيقة ( أي فى الطبيعة ) لا تكون هكذا ، هو مزج للحقيقة بالخيال ، أصدق من الحقيقة وأعجب من الخيال .

أما الفنانة صفية أمين ففنها قريب المنال جداً ، بمعنى أن الفكرة عندها لا تدل على العمق ، ولعل أصدق شاهد على هذا هو أنها مالت إلى الموضوعات لا إلى الفكرة . والفرق بين الموضوع والفكرة هو أن الاحساس فى الأول يتلقى من الخارج إلى الداخل وفى حالة الفكرة ينبع الإحساس من الداخل - أى من داخل نفس الفنان - أو على الأقل لا يكون الموضوع الخارجى الموحى موجوداً وملموساً . والفنانة فى لوحتيها ( مهاجر وكفر عبده ) و ( عمال ) تمثل هذه الفكرة . وإنك لتحس بفقر الألوان عندما تقف أمام لوحاتها ، اللهم إلا لوحة ( عمال ) . وأقصد بفقر الألوان قلة الحيرة بمزجها واختيارها وتوزيعها . وإنك لتجد كل ما تتصور وما لا تتصور من الألوان جميعاً محتشدة فى لوحتها ( فى الحديقة ) احتشاداً لا ائتلاف فيه ، بحيث نجد اللون قد احتل مكاناً محدداً واضحاً بجانب أخيه ، وإن كان التنافر بينهما على أشده . ثم تبحث عن الفكرة أو الشعور فيعيك البحث دون جدوى ، ولست تستطيع آخر الأمر أن تردها إلى إحائية ناجحة ، أو واقعية صادقة .

أما الفنان صلاح يسرى فيتضح الاتجاه السوريالى عنده خاصة فى لوحتيه ( الإنسان ) و ( بيت محمد افندى ) . فأنت

تري هذا البيت فنسأل نفسك : لماذا هو بيت محمد افندي وليس بيت إبراهيم أفندي ؛ ذلك أن ابراهيم أفندي قد يكون فكرة في نفسك كما أن محمد أفندي فكرة في نفس الفنان وتبقى اللوحة في الحالتين هي هي دون تغيير ؛ فليس للبيت ذاته صلة بشخص اسمه محمد او آخر اسمه إبراهيم ، وإن كان مظهره هو مظهر بيوت الطبقة الوسطى التى يعيش فيها محمد أفندي وابراهيم أفندي وعلي افندي . . الخ وتتضح بجانب الاتجاه السوربالي عنده طريقة التقسيم بالخطوط المتكسرة غالبا والمنحنية في القليل . وقد تمثل ذلك بوضوح ونجاح في لوحته ) الشعب ( و ) الحاوي ( .

وأما الفنان عبد الفتاح البيلى فأصدق مثل على التمثل الطيب للمذهبين السوريالى والتكعبى . وفى ألوانه طابع الهدوء . ولعل مرجع ذلك إلى تمكنه من اللون وغناه فيه . وجميع لوحاته تشهد بذلك ، بخاصة لوحته ( قوت اليوم ) ؛ فالعناصر فيها معبرة فى قوة ... كان قوت اليوم هو السمكة ، سيغتذى منها الرجل وزوجه فى مأواهما تحت تلك الشجرة الكبيرة . كانت السمكة حصيلة مجهود الرجل فى اليوم ، ومنها سيقتات وستقتات زوجه ليدر ثدياها لبناً للطفل الرضيع . أما اللون الأزرق فقد أضفى على الصورة جو الحزن . ولعله أن يكون الحزن الذى أحس به الفنان فأبى إلا أن يظلل اللوحة بشعوره .

وأما الفنان محمد عويس فإنه وإن كان قد لجأ فى بعض لوحاته ( أخبار القتال ) إلى الموضوع فإنه كان أكثر توفيقاً فى استخدام الألوان وتوزيع الشعور فى أشخاصه ، بحيث يجعلك تحس بحيوية الموضوع ، ولعل نجاحه فى هذا اللون لا يقل عن نجاحه فى لوحتيه السورياليتين ( ماسح الأحذية ) و ( أم ) .

وأما الفنان نبيه عثمان فيفشل دائماً فى رسم الأطفال ، وسورياليته لا تغفر له هذا . وتستطيع أن تسمى لوحته ( طفلة ) أو لوحته ( طفل ) جدة أو جد . فى اللوحتين تعبير لاشك ، ولكن لا علاقة له مطلقاً بالطفولة ، ولعل أحسن لوحاته لوحة ( طبيعة صامتة ) .

وأخيراً يأتى دور الفنان وليم إسحق ؛ وكان أحق بالتقديم إذا كان فى التقديم معنى الأهمية . فهو لا يتبنى المذهب السوريالى كما لا يتبع المذهب التكعيبى ، وإنما هو أقرب

إلى طبيعة أستاذه محمد بك حسن ، يشعرك برسوخ قدمه فى فنه واعتزازه ؛ طابعه الصدق فى الأداء والاعتماد على الضوء والظل اللونى ، دون تحديد للخطوط والملامح ، مع هدوء الألوان وتناسبها ، ولوحته ( الدرس ) مثال على ذلك ؛ فصدق الأداء والتعبير واضح فى علامات الرضوخ والاستسلام والطاعة فى متلقية الدرس ، وفى وضع الكتاب مفتوحاً على حجرها ، وفى جلستها المستقيمة ، وعلى العموم فالعناصر دائما متناسقة ، وكذلك الألوان ، وموزعة توزيعاً مريحاً على جميع أجزاء اللوحة دون اضطرار إلى الزحمة مطلقاً .

هذه لمحات عن هذا المعرض ، ولعل كل من شاهده يوافقنى على أن فى مصر فنانين .

اشترك في نشرتنا البريدية