الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 8الرجوع إلى "الفكر"

النقد الأدبى فى أمريكا اليوم ، ٤- ايفور ونسترزYvor Winters

Share

هذا ناقد جاد مدقققق ، شديد على مخالفية ، غير منسجم مع اهل مذهبه ، فى آرائه غموض واضطراب وشىء من التناقض ، وهو مع ذلك يعد من كبار النقاد فى امريكا اليوم . يدعو " ونترز " الى القيم المطلقة في الأدب ، ويقاوم النسبية فى الحكم والتقدير ، فمادا يعنى بالقيم المطلقة ؟ يقول ان القيم المطاقة هي قيم اخلاقية ، فماذا يريد بالقيم الاخلاقية ؟ هنا نجد الغموض والاضطراب والتناقض . هل يريد ان يقرر ان القيم الاخلاقية هي قيم جمالية ؟ نعم ولا . وعند التطبيق ؟ كيف يحكم على الابيات الآتية مثلا :

تمتع بها ما ساعفتك ولا تكن            جزوعا اذا بانت فسوف تبين

وان هي أعطتك الليان فانها                لغيرك من طلابها ستلين

وان حلفت لا ينقض الدهر عهدها       فليس لمخضوب البنان يمين

قد يعتبرها قليلة القيمة لان العنصر الاخلاقي فيها ضعيف وقد يعتبرها  ذات قيمة كبيرة لان قبحها الاخلاقى ينبه الى جمال ضدها ، وقد يقبلها او يرفضها لاسباب اخرى .. ويرى " ونترز " ان الرومانتيكية تعبر عن العواطف بدون ان تحاول فهمها وضبطها ، ويقول ان المحتوى المنطقى اذا ضبط كما ينبغى كان أدبا قيما ، فكيف تراه يحكم على هذه القطعة :

لو كان يدرى الابن أية غصة                    يتجرع الابوان عند فراقه

أم تهيج بوحده حيرانة                            وأب يسح الدمع من آماقه

يتجرعان لبينه غصص الردى                     ويبوح ما كتماه من اشواقه

لرئي لام سل من احشائها                        وبكى لشيخ هام في آفاقه

ولبدل الخلق الابى يعطفه                          وجزاهما بالعذب من اخلاقه

هل فهم الشاعر عواطفه هنا وضبطها ؟ هل القطعة رومانتكية ؟ اذا كانت كذلك فهل نقصت قيمتها الفنية ؟ وقول الآخر :

الله جارك ان دمعى جاري               يا موحش الاوطان والاوطار

لما سكنت من التراب حديقة            فاضت عليك العين بالانهار

شتان ما حالي وحالك . انت في        غرف الجنان ، ومهجتى في النار

خف النجا بك يا بنس الى السرى      فسبقتني وثقلت بالاوزار

العاطفة هنا مفهومة مضبوطة وكذلك المحتوى المنطقى فهل تعتبر الابيات  لذلك من الشعر العالي ؟

يقول " ونترز " ان معايير النقد ليست مقاييس وموازين وانما هى الشعور بان الكلام صواب لا خلل فيه ، تام لا يحتاج الى زيادة ، فهل يتوفر الشرطان فى هذا البيت :

اذا سكتوا رأيت لهم جمالا                     وان نطقوا سمت لهم عقولا

وهل هو لذلك من الادب القيم ؟

" ونترز " معجب بالشعر التقليدى ويرى ان قواعده تساعد على الفهم والتذوق . وضع هذين البيتين هكذا :

لا يبعد الله إخوانا لنا ذهبوا                         اقناهم حدثان الدهر والابد

نمدهم كل يوم من بقيتنا                             ولا يعود الينا منهم احد

هو عنده خير من وضعهما هكذا : لا يبعد الله .... ؟  اخوانا ... لنا ... ذهبوا ! افناهم ...  حدثان الدهر - والابد الخ

ويعترف بأن القيم الادبية لا يمكن قياسها قياسا مضبوطا ، ولكنه يرى ان الاجماع على استحسان انتاج كبار الادباء يدل على ان قياس القيم الادبية قياسا تقريبا هو امر ممكن .

الخلاصة ان نظريات " ونتزز"  وخصوصا محاولته تطبيق تلك النظريات على بعض نماذج الادب ، مما يثير مسائل كثيرة من هذا النوع : هل النقد الادبى ممكن ؟ هل يقاس الجمال ؟ ما قيمة الاجماع فى المسائل الفنية ؟  اذا كان الامر مرده الى الفهم الصحيح والذوق السليم فما معنى الاشتغال

بالنظريات الادبية والمذاهب الفنية ؟ هل يمكن اتخاذ " ذوق العصر" مقياسا ؟ نعم . ولكن الى حد محدود ، لان اذواق العصور مختلفة تتمازج وتتداخل . منا من يقرأ شعر نزار قبانى كما يقرأ شعر شوقي ويقرأ كتب احسان عبد القدوس كما يقرأ كتب المنفلوطى . على انها كلها من الادب العصرى ، بل منا من يرجع بذوقه الى عصور الانحطاط فيعتبر قصيدة ابن نباتة فى رثاء ابنه من اجود الشعر العربى ويعجب خصوصا بقوله :

يسيل أحمر دمعي                           لما تذكرت خدك

وقوله :

اصبحت في الحزن وحدي                   اذ كنت فى الحسن وحدك

اشترك في نشرتنا البريدية