رواية الذبائح
كانت رواية غادة الكاميليا خيراً وبركة على المسرح المصرى وبسببها اتجهت الأنظار إلى فرقة رمسيس، وارتفع قدرها وكبر شأنها، فازداد النشاط فيها وعظم الإنتاج.
ولا نتعرض للعدد الوفير من الروايات التى أخرجتها، فإن هذا ليس سبيلنا، وإنما يكفى أن نضع أمام نظر القارئ أسماء بعض هذه الروايات:
غادة الكاميليا، المجنون، كرسى الاعتراف، الاستعباد، الذبائح، ناتاشا، الجبار، راسبوتين، توسكا، الصحراء، فيدورا، انتقام المهراجا، القضية المشهورة، ملك الحديد، النسر الصغير، الولدان الشريدان، الذهب، فى سبيل التاج، عطيل، يوليوس قيصر، المائدة الخضراء، جاك الصغير، الشرك، البرنس جان، نيرون، لوكاندة الأنس، حانة مكسيم، الرئيسة، القبلة القاتلة، الفريسة. . .
وليست هذه الروايات إلا قليلاً من كثير أخرجته الفرقة فى أعوامها الأولى التى نالت فيها نجاحاً منقطع النظير فى تاريخ المسرح المصرى
وكما كانت (غادة الكاميليا) سبباً من أسباب اهتمام الجمهور بالمسرح كذلك كانت رواية (الذبائح) ، بيد أنه كان لهذه أثر يخالف تلك، ونتائج خطيرة غيرت من اتجاه سير النهضة وقلبتها رأساً على عقب.
لم تكن الذبائح رواية عادية، بل كانت حدثاً فى تاريخ التأليف المسرحى، فاللغة التى كتبت بها غريبة كل الغرابة، هى لغة عامية صيغت فى ألفاظ ومعانٍ عربية، أو دخلت عليها ألفاظ ومعان أرقى من مستواها اللفظى ولهجتها الشاذة، وهى بعد ذلك ذات رنين عجيب، أحياناً تراها كأنها نوح النائحات، وأحياناً تسمعها كأنها شدو الحمائم، وأحياناً أخرى تنظرها فكأنها حكم وأمثال للحكيم سليمان أو لغيره من الحكماء، ثم لا ترى بعد هذا أنك فى جو تعرفه، ولا تشعر أنك فى حياة ألفتها، بل أنت فى دنيا غريبة وحياة غريبة، وبين أشخاص غرباء، وكأنهم خارجون من القبور، أو آتون من بعيد حيث الظلام الدامس يعم الأرجاء، والغموض والإبهام يلابس الأشياء. هم مخلوقات آدميون فى الظاهر لكنهم ليسوا من أهل هذه الدنيا. لعلهم من سكان المريخ، ولعلهم من سكان غير المريخ من هذه العوالم التى تجرى فى نظامها الرائع مع أرضنا سيدة هذه العوالم بلا منازع.
فلم يكن غريباً أن يكون لهؤلاء الأشخاص أثر فى الجمهور، ولم يكن غريباً أن يفتتن بهذه الرواية الناس، وأن يترنم بعضهم بألفاظها الغريبة فى منتدياتهم، حتى فى الطرقات كان البعض ينادى أمينة رزق وفتوح نشاطى بطلى الرواية بتلك اللهجة الغريبة التى تقرع الأسماع.
وكما أثرت الذبائح فى عقول الجمهور، كذلك أثرت فى عقول أصحاب المسرح وسادة النهضة فيه، وبدأ يوسف وهبى ينسج على منوالها، فكتب (الصحراء) ، بيد أنه حاول إخفاء الحقيقة فكتبها بلغة عربية ليدخل فى روع الناس أنه غير مقلد على حين أن كل شيء فيها قد نم عن تأثر صاحبها بالذبائح وأسلوبها ولهجتها وما فيها من بكاء وعويل. (للكلام بقية)
