انها لحيرة التطلع الى المجهول او توترات العناية بالمعرفة تلك التي تذكي تعطش المستفسرين عن علية البوادر السلوكية الشاذة ؛ او سببية الاعراض القهرية التى تقتحم الحياة النفسية فى مناسبات معينة او فى غير مناسبة ، والتى ينجر للفرد منها اصرعة تختلف فى تعددها مثلما تختلف وتتفاوت فى شدتها وديمومتها فمن هذه الصراعات ما يؤدى بصاحبه الى احدى الحالات الذهانية Psyehoses التي يفتقد فيها السلوك كل صبغة شعورية بحيث يصبح الفرد فاقد الاستبصار Insight بحالته الشاذة ، ويكون غالبا تحت طائلة الدفع Impulse الغريزى فى تصوراته ومحاوراته مع نفسه او مع اى جليس يجاذبه اطراف الحديث ، كما يكون احيانا فاقد الشعور بالزمان والمكان او منقطع الصلة بالماضى او بجزء منه الى آخر الاعتبارات والخصائص المميزة للذهان باشكاله المتنوعة . ومن هذه الصراعات ايضا ما يؤول بصاحبه الى احدى الحلالات العصابية Nevroses وهى الحالات التى يبتلى فيها المرء باختلال فى توازن القوى النفسية الامر الذى ينجم عنه اعراض الخوف Phobies والقلق Anxity ، واعراض الحواز القهرى فى عديدت تشكله ومتنوع ألوانه Obssessions ففى مثل هذه الحالات يكون المريض واعيا شاعرا بخطل وتنكب ما هو فيه من سلوك وتصرف ولعله يتساءل فى دهشة وتحرق عن الداعى والهدف لتلك التصرفات او الفلتات والاعراض بصفة عامة ، انه يتلبس بالموقف ثم لا يلبث حتى يكتشف شذوذه فتراه ينحى على نفسه باللائمة موجها لها عنيف اللوم ومواجها لها ببليغ القسوة ، يود فى حرص ان لو لم تكن تلك القوة القهرية التى اقحمته في العرض او التى اقحمت العرض المرضى في حياته الشعورية الامر الذى يتم على حين فجأة ويتم بمناسبة ظاهرة او خفية والامر الذي يعقبه آخر الامر تبرم بالوضع ، او مخاوف من المجهول ، او شعور بالخطيئة والذنب او حتى مجرد استغراب من
الهاجس القهرى او الفلتة اللسانية او البادرة السلوكية التى تتم على الرغم من ارادة المصاب بالعصاب القهرى او الوسواسى Obssessional Neuvroses مثلا هذا المرض النفسي يعد فى ميادين علم النفس الباتولوجى من اكثر الامراض النفسية انتشارا بين الناس بل ويوجد عند الاسوياء منهم فى اوضاع معينة او عند مثولهم فى مواقف بعينها ، ويتمثل فى اعراض المبالغة فى الحرص والتدقيق ، او فى كثرة التحرج ازاء المواقف البسيطة ، او فى كثرة التحسس والتخوف من اتفه الاشياء . او فى المبالغة فى التزام شرائط النظافة . او حتى فى اعراض سلوكية عقلية مثل الشطط فى التعقل او فى التنسك والتبتل الى آخر هذه المبالغات ...
هذه هي اعراض العصاب الحوازى ، والآن لنستعرض وجهة مدرسة التحليل النفسي فى فهمها لهذا المرض ، فمن الوجهة العيادية او الصورة الاكلينيكية للمرض تتلخص فى ان الاعراض تكون شعورية وغير ارادية فى نفس الوقت ، وانها قهرية بحيث لا يمكن درؤها ، وينظر اليها كاشياء غريبة او مرضية ، ويلاحظ صاحبها انها شديدة ومتكررة ومصحوب حدوثها بميل للمبالغة وتكون غالبا غير مقترنة بالهلاوس التى تصاحب انواعا اخرى من الاعصبة - هذا هو ملخص الصورة العيادية التى تعتبر الاساس المرجعى للفهم الاكلينيكى للحواز Obsession .
هذا من الناحية الوصفية الشكلية اما من الناحية التحليلية للمرض فقد سجلت بحوث كثيرة ونظريات تتقارب او تتباعد فى تعليلها لحدوث هذه الاعراض الحوازية فهذا Janet انتهى من دراسته للعصاب الحوازى بالنظرية الاتية : " كل قوة تعجز عن ايجاد اى ظاهرة نفسية فى مستوى عال فنتيجة للتراجع من المجال الشعورى ونتيجة للاخفاق الحاصل من عدم تخفيض التوتر يمكن ان لا تضمحل تلك القوة كلية بل تبقى فى سعيها لتحقيق ظاهرة فى مستوى منخفض ، وهنا يحدث حينئذ بعض الانحرافات Derivations او بمعنى آخر تصرف تلك القوة فى احداث ظواهر اخرى غير مفيدة وغير متوقعة . "
هذا مجمل نظرية Janet اما فرويد فانه بامكاننا ان نستوحى نظريته في الحواز فى مقولاته عن طريقة علاجه فلنستمع اليه فى هذه الجملة : " انه من السهل علينا ان نفهم لماذا وكيف تعمل او تؤثر الطريقة النفسية العلاجية التى افترضتها ، فهى تحذف الاثر المقلق للتصورات الذهنية بما تقدمه من وسيلة الى الوجدان المرتبط بهذه التصورات ، وذلك طبعا عن طريق الكلام ، هذا الوجدان كان قد وقع خنقه فعلا
او وقع حبسه وطريقتنا تحدث ارتباطا بين العلة ومعلولها بايجاد او احداث مستدعيات فى الحالة الشعورية العيادية " . من هنا نرى فرويد Freud يعتقد ان التصورات المؤلمة للحوازيين منفصلة عن الحالة الوجدانية بواسطة ميكانزم الدفاع ( وهو أسلوب وقائى ) غير ان هذه الحالة الوجدانية تبقى في نشاطها النفسي عكس ما يحدث بالفعل في حالات الهستيريا ، ولكن عندما تتحرر هذه الحالة الوجدانية Affect فانها تتحول او يقع نقلها الى تصورات أخرى غير مؤلمة ونتيجة لهذا الترابط المختل تصبح تلك التصورات حوازية - وهكذا تتم اعراض العصاب الوسواسى وفقا لالية الابدال . هذا ويمكن اجمال نظرية فرويد في العصاب الوسواسى فى ثلاث نقاط .
١ ) التصورات او الافكار الحوازية : أ هى تعنى في الاصل اما رجوع التهديدات التى وقع ابعادها عن مجال الشعور والمرتبطة غالبا برغبة جامحة في التنفيذ - ب -واما انها تعنى التحول الثانوى لهذه التهديدات ( اما بواسطة التعويض او الازاحة او القلب ) الى نقيضها ولنأخذ على سبيل المثال لهذا المعنى الحواز النظري وهو الخاص بكل الفكر المجردة والمثالية التى تعقب عملية ابعاد الاحوزة الحسية .
٢) الحالات الوجدانية الحوازية : فى الحالات السابقة يقع تحديد الانتباه بمحتوى الذكريات المكبوتة التى تعترض مجرى الحياة النفسية والمصحوبة غالبا
بشئ من القلق الجزئى ، اما فى الحالة الثانية فالحالة الوجدانية الحقيقية المرتبطة بالتهديد سابقا تفرض على المجال الشعورى الحالى نمط الحالة الوجدانية القوية والواضحة التى تتمشى معها كما وكيفا - وهذا ما يعلل حالات الاحساس المبالغ فيه للحياء والخجل او الحصر الاجتماعى او حتى التحريات والتدقيقات الدينية وكذلك حالة الخوف من ان يكون الشخص مراقبا او محقوقا او مهددا
٣ ) الى جانب هذه الحالات السابقة المتصلة بالميكانزم الاولي للدفاع والتى تستلزم شيئا من التصادم مع هذا الميكانزم نجد العصاب الحوازي مصحوبا بمجموعة من الاعراض المتالية التى تصدر عن اصل جد مختلف - وهنا تكون المسألة متعلقة بما يعرف بالافعال القهرية actions impulsives او كما يصطلح عليها بكلمة impulses فالدفعات او impulses تتجاوب مع الميكانزم الثانوي للدفاع فهى عموما عبارة عن اساليب ووسائل دفاعية او وقائية تعمل فى الاصل او اساسا كمعززات للدفاع ضد الفكر الحوازية وذلك يتم باعانة " الانا " على ان يقف ويتحصن ضد رجوعها . وهكذا بصورة آلية يقع نقل وتحويل الفعل الحوازى وفقا لهذه الشروط الثانوية للدفاع مثل : الجزاء الديني او التكفير ، او حتى التندم والتحسر على ما يؤنب الشخص من افعال اعقبت فى نفسه شيئا من الخوف والتهديد ( مثل حالة الردة والتنسك وكذلك التصوف ( وايضا الشروط والاحتياطات التى تتبع ضد الخيانة والعصيان والاتهام فهي كلها تهدف الى السيطرة على كل فكرة حوازية بواسطة التفكير المنطقي ونشاطه المنتظم ، او بواسطة الاستناد العلى مثل حواز التفكير وحواز ما وراء الطبيعة والحواز النظرى وحواز الامتحان وحواز الشك الى اخر انواع الاحوزة ويذكر آخر ما يذكر من الشروط الثانوية للدفاع الوقاية عن طريق الكحول المؤدية بالتالي الى التعطش والادمان المرضى
هذا موجز نظرية فرويد فى هذا المرض النفسى اما في ما يخص وسائله العلاجية له وطريقته العملية فى الحد من شوكته وتطبيبه فهذا ما لا يمكن الوقوف عليه الا عند عرضنا لحالة مصاب وقع علاجه فى احدى العيادات النفسية فبالاطلاع على سير العلاج وتدرجه يمكننا فى يسر ان نمكن القارىء من صورة حية لاهمية العلاج النفسي وخطورته فى قمع هذه الاوبئة الفتاكة بالصحة النفسية للانسان وبالطبع مثل هذا العرض متعذر لانه يخرج عن نطاق هذا المقال .
