الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 949الرجوع إلى "الرسالة"

الولايات المتحدة الأمريكية

Share

-1-

" لم تتفق السماء والأرض على تهيئة مكان لكني الإنسان خير من هذا المكان » .

جون سمیث ؛ مؤسس مستعمرة فرجينيا ١٦٠٧

إننا لتؤمن بداعة هذه الحقائق : وهى أن الناس جميعا خلقوا سواسية وأن خالقهم وهبهم حقوقا معينة لا تقبل التحويل منها الحياة والحرية والسعي لتحقيق السعادة . وثيقة إعلان الاستقلال. ولية ١٢٢٦

ثالثة دول ثلاث تتحكم في السياسة الدولية في عصرنا الحاضر.. ومصير الحضارة القائمة ومستقبل العالم أمانة في أعناقها .. وعلى هذه الدول الثلاث وهى بريطانيا وروسيا والولايات المتحدة تقع تبعة ما يصيب الإنسانية والإنسان من خير أو ضر

وهي أرض الحرية.. وكانت عند كشفها وما تزال ملجأ المذبين والمضطهدين من أهل أوربا، وقد حرص الشعب الأمريكي أشد الحرص على توكيد حريته ، وعلى تحقيق سعادته ، وأعلن ذلك في صراحة تامة في وثيقة إعلان استقلاله ١٧٧٦

وهي دولة فتية وأمة غنية تمتاز بعظم ثروتها الزراعية والمعدنية والصناعية ، وتشغل مساحة واسعة تمتد من الأطلسى شرقا إلى المحيط الهادى غربا، وتزيد مساحتها على عشرة أمثال مساحة القطر المصرى، وهي أكبر من أستراليا وأصفر قليلا من أوربا .. وأما عدد سكانها فيزيد على ١٢٠ مليون نسمة منهم نحو ١٢ مليونا من الزنوج يسكنون في الولايات الجنوبية

وتتكون هذه الدولة من عدة ولايات ، كان عددها في أول الأمر وعند إعلان الاستقلال ثلاث عشرة ولاية ، ويبلغ عددها الآن ثمانيا وأربعين ولاية ، وقد اتحدت هذه الولايات مع بعضها اتحادا فدرائيا وكونت جمهورية الولايات المتحدة

و تحتفظ كل ولاية إلى الآن باستقلالها ، فلكل منها حكومتها وبرلمانها وقوانينها وتشترك الولايات جميعا في الحكومة المركزية التي تشرف على المسائل العامة التي تهم الولايات جميعا ، مثل الدفاع والسياسة الخارجية والتجارة الخارجية ، وسنتناول هذا الموضوع بالتفصيل فيما بعد

ويتحدث الناس من هذه الدولة فيقولون (أمريكا) ولكن هذه التسمية ليست صحيحة ، فإن الولايات المتحدة ليست إلا ثالثة دول ثلاث تحتل القارة الأمريكية الشمالية . أما الدولتان الأخريان فهما كندا والمكسيك . ولكن الولايات المتحدة أعظم الدول الثلاث شأنا وأقواها آرا.. ومن هنا أطلق عليها وأمريكا ، وهو من باب إطلاق اسم الكل على الجزء لما لهذا الجزء من أثر وخطار

عالم جديد

ظل سكان الدنيا القديمة يجهلون أن هناك أرضا واسمة. لم تكتشف بعد حتى نهاية القرن الخامس عشر الميلادي . وكان كشف القارة الأمريكية مفاجئا : ذلك أن البرتغاليين عملوا كل جهودهم للوصول إلى الهند من طريق رأس الرجاء الصالح آثار هذا النجاح ثائرة إسبانيا، فأرادت أن تصل إلى الهند أيضا . هنا تقدم كرستوف كولمبس وهو يحار إيطالى يعرض على ملك إسبانيا وملكتها القيام بتحقيق الفكرة عن طريق السير غربا فوافقا وزوده الملك فرديناند والملكة إيزابلا بحاجته من الرجال والمؤن والسفن . وبدأ كولمبس رحلته في أغسطس سنة ١٤٩٢ واجتاز المحيط الأطلنطى أو ( بحر العالمات ، كما كان يسمى . وطالت رحلته وثار عليه بجارته ، ولكنه استمهلهم فأمهلوه ، ووصل كوليس إلى جزائر الهند الغربية وقد اعتقد خطأ أنه وصل إلى جزائر الهند الشرقية والمنذ . ولم يعرف كولميس أنه قد وصل إلى قارة جديدة هي أمريكا

وأما الرجل الذى أثبت أن كولبس لم يصل إلى جزار الهند الشرقية وإنما وصل إلى قارة جديدة كانت مجهولة ، فهو أمر يجو فسبوتش وإليه تنسب قارة أمريكا .. وأما كوليس فإن اسمه لم

يطالق إلا على جمهورية كولبيا بأمريكا الجنوبية وعلى ولاية كوابيا البريطانية بكندا في أمريكا الشمالية

وبعد كشف القارة هرع إليها كثير من المهاجرين من أهل أوربا من إسبانيا والبرتغال وإنجلترا وفرنسا وهولندا، وأصبحت هذه القارة مقصد المضطهدين والمعذبين من أهل أوربا والطامعين في الإثراء وجمع المال ، وكثرت بها المستعمرات

على أن السكان الجدد لم يلبثوا بعد أن استقروا أن نزموا إلى الاستقلال ، وقد كانت الولايات المتحدة أسبق هذه المستعمرات جميعا إلى الاستقلال إذ حققت استقلالها فى ١٧٧٦ واعترفت به الدول ۱۸۸۳

عالم أفضل

ظلت الولايات الأمريكية تنتهج سياسة العزلة فإن شعبها قد آثر أن يحتفظ بحريته وأن يبتعد من مشاكل العالم القديم المعقدة ، ولكنها في خلال الحرب العالمية الأولى وجدت أن اضطراب العالم القديم سيؤدى حتما إلى اضطراب شؤونها الاقتصادية ويشل حركتها التجارية والصناعية، ولذلك اضطرت أن تخرج على مبدأ الحياد الأمريكي وأن تساهم في إعادة السلام إلى العالم القديم، ودخلت الحرب في جانب الخلفاء ( بريطانيا وفرنسا وحلفاء هما ) وانتهى الأمر بإنتصار الحلفاء وخذلان ألمانيا

ولما قامت الحرب العالمية الثانية ١٩٣٩ وقفت الولايات المتحدة الأمريكية بجانب إنجلترا وروسيا للقضاء على الخطار الألماني.. وفعلا وفقت هذه الدول وحلفاؤها في القضاء على هتلر. وتحتل قوات إنجلترا وروسيا والولايات المتحدة وفرنسا الأراضى الألمانية منذ ١٩٤٥ حتى الآن

ولا يستطيع أحد أن ينكر فضل الولايات الأمريكية على إنجلترا.. فيرجالها و تادها كسبت إنجلترا الحربين العالميتين الأولى والثانية

وليس يعنينا نحن الشرقيين مدى ما قدمته وتقدمه الولايات المتحدة الأمريكية من مساعدات لإنجلترا أو لغيرها.. وإنما يعنينا أن نعرف حقيقة شعورها بالنسبة لنا ومدى استعدادها الخدمة

قضايانا وهى قضايا الحق والعدل والحرية ، وكذالك يجب أن تعرف الشعب الأمريكي بعشا كانا وقضايانا حتى يتخذ لنفسه سياسة تقوم على الحق والعدل. ذلك أن الشعب الأمريكي يؤمن بالحرية أشد الإيمان ولا يرضى بها بديلا ، وتاريخ أمريكا ينطاق بهذا

وقد وصف ترومان رئيس جمهورية الولايات المتحدة عند توقيعه ميثاق هيئة الأمم المتحدة في ٢٥ يونيه ١٩٤٥ مركز أمريكا في العالم الحديث بأنها ( بناء متين يمكننا أن نقيم عليه عالما أفضل » . وبدأت أمريكا تشترك في توجيه السياسة الدولية اشتراكاتهدف به إلى سيادة الديمقراطية ومقاومة المانيان والدكة نورية والقضاء على أشد أعداء الإنسان : الجوع والشقاء واليأس

لكن أمريكا تنكبت الطريق ولم يصادفها التوفيق في حل أول مشكلة نشأت في الشرق الأوسط عقب انتهاء الحرب ١٩٤٥ وهي مشكلة فلسطين وقيام إسرائيل ؛ ذلك أن قيام إسرائيل وطرد العرب من أوطانهم وديارهم جريمة لا تنكر وأتم عظيم.. ولا نستطيع نحن الشرقيين أن نبرى أمريكا من أنها لم تساعد إنجلترا والصهيونيين فيما ارتكبوه من أتم وجريمة وخزى وعار

وأنا أحب أن أثبت هنا أن المطاف الأمريكي على اللاجئين يقابل بالشكر من ناحية العرب والشرقيين .. ولكني أرى أن أمريكا قد لوثت تاريخها بوقوفها في جانب الإنجليز والصهيونيين في مأساة فلسطين

أيها الأمريكان

أنهم قوم تقدسون الحرية ونحترمون إرادة الشعوب وقد أمان رئيسكم ترومان في ٢٠ يناير ١٩٤٩ في بيانه إلى الكونجرس أن السياسة الاستعمارية القديمة التي مؤداها الاستغلال من أجل الربح فقط ليس لها حل في سياستنا . وكل ما نبقيه هو التعامل الديمقراطى المادل .... وبمساعدة الأعضاء الأقل حظا على مساعدة أنفسهم يمكن فقط أن تحيا الأسرة الإنسانية حياة لائقة وراضية.. تلك الحياة التى هى من حق كل الناس . والديمقراطية وحدها هي التي تستطيع أن تمد شعوب العالم بالقوة والحيوية التي تحركهم

إلى العمل المنتصر لا ضد العاناة من البشر وحدهم.. بل أيضا ضد أعدائهم الأقدمين : الجوع والشفاء واليأس ؟!

أيها الأمريكان:

نحن قوم نطالب بالحرية وأنتم قوم تقدسون الحرية. فاحذروا أن يجركم الثعبان البريطاني إلى مالا نحب وما لا ترضون فتصبحوا على ما فعلتم نادمين

اشترك في نشرتنا البريدية