اطلعنا على المقال المنشور في العدد ٩٤٩ الصادر في ١٠ سبتمبر الجاري تحت عنوان (الولايات المتحدة الأمريكية) للأستاذ أبو الفتوح عطيفة وقد آلمني أن يتضمن دعاية سافرة لدولة استعمارية لم تترك فرصة إلا انتهزتها للتنكيل بالعرب وإذلال المسلمين، فقد جاء في هذا المقال بالحرف الواحد: (أن الشعب الأمريكي يؤمن بالحرية أشد الإيمان، ولا يرضى بها بديلاً وتاريخ أمريكا ينطق بهذا) (وأن العطف الأمريكي على اللاجئين يقابل بالشكر من ناحية العرب والشرقيين) وأن أمريكا بعد توقيع ميثاق هيئة الأمم المتحدة في ٢٥ يونيو سنة ١٩٤٥ بدأت تشترك في توجيه السياسة اشتراكاً تهدف به إلى سيادة الديموقراطية ومقاومة الطغيان والدكتاتورية والقضاء على أشد أعداء الإنسان: - الجوع، الشقاء، اليأس.
ولا يخفف من سوء وقع هذه الدعاية في نفوس الوطنيين هذه الفقرات البسيطة التي ضمنها الكاتب عتاباً رقيقاً لموقف أمريكا من فلسطين العربية. . فإن الدعاية التي قام بها الكاتب
للأمريكان من الوضوح لدرجة لا تخفى على السذج. . بل إنني أؤكد أن الجرائد الاستعمارية التي تتقاضى أجراً من السفارة الأمريكية لا يمكنها أن تفكر في استخدام مثل هذا الأسلوب للدعاية.
ولما كنت معتقداً أن الرسالة الغراء لا تستكتب سوى الأحرار من الكتاب الذين يساهمون معها في أداء الدور العظيم الذي قامت ولا تزال تقوم به في بعث الروح الثقافية والوطنية لا في مصر وحدها بل في البلاد العربية والإسلامية - أقول لما كنت معتقداً ذلك - فقد رجحت أن كاتب المقال قد تورط فيه ولم يقدر الأثر السيئ الذي نجم عنه.
وإنني أرجو أن تنشروا هذه الكلمة لا باسم حرية الرأي فحسب ولكن لكي يتأكد آلاف القراء الذي شاركوني دون شك شعوري بالاستياء من هذا المقال أن (الرسالة) الحبيبة إلى قلوبهم لا يمكن أن تتخذ منبراً للدعاية الأمريكية الاستعمارية كما أطمع أن يعاود الأستاذ أبو الفتوح عطيفة النظر فيما كتبه وأن يراعي في مقالاته المقبلة عن الولايات المتحدة الأمريكية أن هذه الدولة هي أشد الدول استنكاراً للحرية وعدواناً عليها.
ففي الولايات الجنوبية ١٢ مليوناً من الزنوج لا يسمح لهم بالتساوي مع مواطنيهم في التمتع بحقوقهم العامة والخاصة لا لشيء إلا لاختلاف لون بشرتهم، وهو سبب يدل على الجهل الذي يغرق فيه الأمريكان، والتعصب الذي يتنافى مع الحرية المقول بأنهم من أنصارها، وهذه الدولة هي وحدها التي أعانت اليهود بسلاحها وأموالها ونفوذها فمكنتهم من السيطرة على فلسطين، وتشريد الألوف من أبنائها، فما أشبه الأستاذ أبو الفتوح وهو يسجل شكر العرب للأمريكان لعطفهم على اللاجئين، ما أشبه بهذا الذي يسجل شكر القتيل لقاتله والسجين لسجانه.
إن أمريكا اليوم هي العدو الأكبر الذي يريد أن يرث إنجلترا في سيطرتها على الشرق الأوسط، فما أحرانا بالهجوم عليها ، والتشهير بها، والتكتل ضدها، بدلاً من التورط في إزجاء شكر لها لا تستحقه ومدح لا تستأهله.
