رأي العقد الأول من القرن العشرين نشأة جمعيات تمثيلية عديدة كانت لها محاولات في تكييف المسرحيات القديمة ، وكلها عبارة عن أوبرات غنائية ، وجلها تتمشي مع روح العصر الجديد ومقتضياته ، ولكنها كانت محاولة فاشلة لأن الغناء في الأوبرا هو كل شئ واستبداله بالكلمات العادية حرم المسرحية من كل معني . وبلغ الحال احيانا إلى الاستغناء عن تدوين المسرحية بالكلية وترك الممثل يتصرف كيف يشاء بعد اطلاعه على ملخص الدور الذي عليه ان يلعبه ، فأدى ذلك إلى فصل المسرحية عن الأدب .
وهنا ظهر الكتاب في حالة تردد عند مفترق الطرق ، وانقسم الرأي بينهم : رأي البعض التمسك بالمسرح التقليدي قائلين إن الغناء ومناظر المسرح الرمزية في الأوبرا الصينية تنفرد بالطرافة في العالم كله ، والثاني يحتم التجديد التام مدعيا أن الغناء لا يمكن أن يعبر عن الشعور المعقد الذي يحسه الرجل العصري . وإن نظام الطبقات يتكرر ذكره في الأوبرا القديمة . لم يكن فشل الفكرة على أي حال من غير منفعة . فقد تعلمت الصين انها لكي تشيد الدراما على أساس متين لا بد لها من كتاب مسرحيين . وقد كان التعليم المسرحي في تلك الفترة في طريق التقدم بالفعل ، وألحق قسم المسرح بكلية الفنون في بيكنج عام ١٩٢٥ ، وانتشر ظهور النساء على المسرح بدلا من قيام الرجال بدور النساء .
لكن فات المسرح في تلك المرحلة نقطة هامة ، فكل الهيئات المسرحية الجديدة ، لم يكن افرادها يتخذون المسرح كحرفة يرتزقون منها ولكن كفن وهواية ، وبهذا حرم المسرح من قدرته على الترويح والتسلية ، ومن ثم أعرض عنه الجمهور . وحدث في عام ١٩٢١ أن قدم المخرج والكاتب المسرحي الشهير وانج تشوشج هسيه مسرحية غريبة قدم لها بدعاية واسعة ولكنها فشلت مع هذا ، فراح
المخرج في اليوم التالي يحلل المتفرجين هكذا :
قصر بعضهم عن فهم ما كان يدور على المسرح ، بينما أدرك البعض الآخر ، ولكنهم وجدوا القصة تنقصها الحوادث المثيرة . وقد كان بين المتفرجين من رفضوا ان يقبلوا شخصية البطلة المتطرفة ، وامتعض اخرون اسماعهم عبارات جديدة مثل المساواة بين الجنسين تتردد ا كثر من مرة أما لهؤلاء الذين شاهدوا الرواية من قبل تمثل على مسارح أوروبا فقد كان التمثيل مخيبا للظن من غير شك !
ثم وقع اكتساح اليابان لنشوريا في عام ١٩٣١ فأحدث انتعاشا ملحوظا في حركة التمثيل . إذ لما اشتدت رقابة الحكومة على كل دعاية ضد اليابان عبر الصينيون عن وطنيتهم تحت ثوب من التخفي ، وأخرج مسرح الهواة بشنغهاى في تلك الفترة عددا من الروايات الناجحة مثل المفتش لجوجول والزوبعة لاستر ونسلى وروميو وجولييت ، والتحق بذلك المسرح عدد ممن درسوا فن الإخراج والمناظر المسرحية في معاهد أوربا وكان لهم مجهود موفق . ولكن التقدم الجوهري الحقيقي حدث في تأليف المسرحية نفسها ، وكان تساويو استاذ الأدب إلى جانب هوايته التمثيل ممن وصلوا إلي الذروة في هذا المضمار ، فكانت تخصص لرواياته التي تجمع بين حرفة المسرح والفن الأدبى مئات الحفلات ، وقد أثبت تساو في رواياته كيف أن الكاتب يستطيع ان يستفيد من الحضارة الأوربية دون ان يصبح اوربيا هو نفسه
ولما أعلنت الحرب اليابانية عام ١٩٣٧ جاء المسرح ليؤدي دوره كمذياع للدعاية وصارت الفرق الملحقة بوزارة الاستعلامات تنتقل على مسارح القتال واحيانا خلف خطوط العدو لكي تبعث في الشعب اليقظة والنشاط . ولذا خمد التأليف والتجارب المتعلقة بالمسرح إلى حين .
أما في أدب المقال فان الكاتب الصيني يحس ارتياحا كبيرا ، ويضع المؤلف كتاب المقال في فئتين : المتعبد الذي يكون له المقال كالأزميل في يد المثال ، هو قوي العاطفة ، لا يفتأ يعبر عما يخالج نفسه ، تسيل عاطفته لذكرى كوخ من
الغاب كان يسكنه في قديم الزمان ، أو يندب موت عصفور كان يدخل السرور إلي نفسه . الموضوع بسيط ، ذكريات شخصية غالبا ، ولكن الكتابة تتسم بنغم وموسيقي ، وفيها التعبير عن خلاصة الحنين الطبيعي في الإنسان وغير المتعبد نجد الفارس المتجول الذي يكون المقال في يده كالسيف يصيب به عدوه على القرب ، والرمح إذا ما كان العدو على البعد . وكما لابد ان تتوفر الجودة للازميل ، فلا بد للسيف من ان يكون حادا ، هو سلاح لا بد ان يصيب شيئا ، نقد اجتماعي أو سياسي أو أدبي .
ويقف لوزدين ككاتب الصين الأول في أدب المقال : وقد خلف بعد موته اربعة عشر مجلدا منها ، ولم يكن الكاتب ليرمي إلي تخليد تلك الأعمال التي تتناول في أكثرها أحداث الساعة ، بل كان يري ضرورة مهاجمة كل الأشخاص والأشياء التي يعتقد سقمها وسخافتها في أول عهد الجمهورية ، وينقد الكتاب الذين يصورون صورا جميلة في وسط الظلام ، هؤلاء الذين لا يملكون قوة يواجهون بها المجتمع القائم " ، ويطلب منهم الشجاعة ليضحكوا ويبكوا ، وأن يلعنوا وأن يضربوا ويحتقر التنميق والزخرفة قائلا : " في هذه الساعة والزوابع تعصف في الخارج والذئاب والنمور تزأر في طلب حياتنا ، من يستطيع ان يكون في حالة تمكنه من تقدير قرط من المرجان او سوار من الزمرد . حتى ولو كان الشعب في حاجة إلى ان يغذي روحه من الأشياء الجميلة فانه يرغب أولا أن يري بيته مقاما علي أساس متين ليواجه الزوبعة " .
يشيع أدب المقال في الوقت الحاضر أكثر من أي وقت مضي ، فالحرب لا تمكن الكاتب من الانعكاف على رواية تحتاج إلى هدوء وخيال ، ولا القاريء الذي لا يجد الوقت الكافي ، وكلهم يعودون من خطوط القتال الأمامية أكثر جرأة على مواجهة الحقيقة . إن الحرب تزيد في صلابة ارواحهم وفي توثيق علاقتهم بالأرض وبالشعب .
كان جليا ان الشئ الذي ايقظ التفكير في الصين هو
احتكا كها بمفكري القرن التاسع عشر من الغربيين ، كما أيقظت وطنيتها المعاهدات الجائرة التي فرضت عليها ، وقد كانت الترجمة من الأعمال الجوهرية في نواحي الأدب لجهل عامة الشعب باللغات الاجنبية ، والأدب الروسي كان بنوع خاص منبعا رئيسيا في إلهام كتاب الصين ، مثل روايات تولستوي ، بوجهة النظر الأخلاقية فيها ومآسي الحياة العائلية التي تتناولها
ولكن الترجمة حتى سنة ١٩٣٢ كانت تتم عرضا دون خطة منظمة ، وكانت معلومات الصين عن التاريخ الأدبي في العالم ناقصة ، فوضعت اخيرا خطتان اخذت إحداهما في ترجمة روايات توماس هاردي مثل نابس سليلة دريرفيل وعودة الوطني وروايات جوزيف كونراد واعمال شكسبير . والخطة الأخرى ترمي إلى ترجمة منتخبات من الأدب العالمي مثل أنا كارنينا وروايات نيتشه وجوجول ودوستوفسكى وشارلوت يرونتيه .
وفي النهاية يختتم المؤلف بقوله :
لم تحقق الحرب لليابان تلك المنافع العظمي التي كانت ترمي اليها ، ولكنها كانت ضربة قاصمة للنشاط الادبي في الصين عامة ، فقاذفات القنابل من بلاد " الشمس المشرقة " احرقت آخر نسخة من شكسبير في مكتبة إحدي الكليات ، وصعوبة الحصول على الورق اوقف النشر عند حد ، والغارات المستمرة على المدن التى لا تملك الدفاع عن نفسها لا يكاد يعين على ترجمة الفصول الهادئة من الروايات .
لقد سخرت الحرب من كل شئ ، ولكنها جعلتنا ندرك في نفس الوقت حاجة الامم إلى التفاهم . لم يعد في استطاعة الصين أن تفهم الانجليز من خلال روبنسن كروزو أو الملك لير ، كما لم يعد للانجليز أن يأملوا في فهم الصين التي تتحرك بقوة عن طريق الانكباب على دراسة شعرائها الذين ماتوا من زمن طويل . إني اختتم هذا المختصر بصوت احتجاج خافت وبأمل حار .

