قلنا يعالج الباحث القانونى فى مصر موضوع البحث الدستورى ، وقلبا يتناول الانظمة النيابية فى العالم باى درس أو بحث . وإذا استئذنا بضع مذكرات موجزة يضعها أساتذة القانون لطلبتهم . فاننا نرى هذا الميدان خلوا من أفلام الباحثين .
وأخيرا يطالعنا الأستاذ حسن صادق بكتابه " نظرات تاريخية دستورية " ويشمل هذا الكتاب ثلاثة بحوث مستفيضة لثلاثة من الدساتير للعالم الهامة التي تكونت بعد الحرب العظمى وهى : الدستور الألمانى , والنمسوى , والتشيكوسلوفاكى .
مهد الأستاذ لكتابه بمقدمة قصيرة , أوضح فيها كيف جاهدت مصر فى سبيل دستورها على يد زعيميها , وبين فيها كيف كان لزاما على المصرى أن يعرف ماله من حقوق وما عليه من واجبات ،وأشار فيها إلى ان الغرض من كتابه هو المساهمة فى تربية الشعب تربية دستورية صادقة .
ثم بدأ الكاتب بدراسة الدستور الألمانى دراسة دقيقة , فتكلم أولا عن الوجهة التاريخية فى ذلك الدستور منذ أن سنه بسمارك فى ابريل سنة ١٨٧١ فخلص ذلك الشعب الذى رصف فى قيود الرجعية زمنا طويلا , والذى آده الظلم وأضلته الآلام من نير الظلم ووطأة الاضطهاد , وعلمه كيف يحكم نفسه بنفسه , وكيف يصبح سيدا لا مسودا , وكانت المانيا إلى قبل الحرب مكونة من دويلات صغيرة,
وكانت السيادة فى دولة الريخ ممثلة فى مجلسين الأول وهو البندسرات ويتكون من مندوبى أمراء الدول . والثاني الريخستاج وينتخب من الشعب . ثم الإمبراطور وهو الرئيس الأعلى للدولة .
واستمر الحكم على هذا النظام إلى ان شبت ثورة سنة ١٩١٨. وأخذ الشعب يعمل بجد وعزم حتى سن لنفسه دستورا ، يذهب فى الديموقراطية إلى ابعد حد وانشآ سلطانا نيابيا يعبر عن سلطته حق التعبير ، وجعل نفسه الحاكم العام فى كل خلاف يقع بين عناصر الدولة ، وبذلك جعل الشعب الحكومة تستمد منه سلطانها وتدين له بمناصها إن شاء أسقطها ، وإذا شاء أبقاها ، وفى ذلك اطمئنان الشعب .
تم انتقل الكاتب إلى الكلام عن الدستور النمسوى فبين كيف تخلص ذلك الشعب بعد جهاد طريل من أغلال الامبراطورية النمسوبة التى قيدته زمنا طويلا . فما أشرق عام ١٩١٨ حتى هب الشعب يطالب بحقوقه . فسن لنفسه دستورأ ووضع السلطة كلها فى يد المجلس الوطنى , و هذا المجلس له حرية مطلقة فى تحديد انعقاده وتأجيله ولا يمكن لرئيس الدولة أو الوزارة التدخل فى ذلك . وفى
اثناء الحل والعطلة تقوم مقامه لجنة تراقب أعمال الحكومة .. واذا خالف الرئيس أو الوزارة قواعد الدستور حوكموا أمام المحكمة الدستورية والدستور النمسوى منظور فيه إلى الدستور الألمانى ومقتبس منه فى بعض أجزائه .
أما الشعب التشيكوسلوفاكي الذى نزلت به ضروب الظلم وصنوف الارهاق ايام الامبراطورية النمساوية فانه انتهز فرصة انهزامها سنة ١٩١٨، فاعلن استقلاله , وسن لنفسه دستورا مقتبسا من دساتير العالم الاخرى . ونص فيه على وجوب دوام الحياة النيابة وذلك بتاليف لجنة من ٢٤ عضوا ستة عشر من الشيوخ وثمانية من النواب , تزاول عمل البرلمان فى عطلته وذلك لضمان وجود السلطة التشريعية حتى لا تستأثر السلطة التنفيذية بالأمر
ومما يلاحظ فى الكتاب أن الدساتير الثلاثة التي اختارها الاستاذ متشابهة إلى حد ما , ويشمل ذلك التشابه ايضا نظام الحكم فى هذه الدول الثلاث ( الحكم الجمهورى ) فلو أن الكاتب الفاضل اختار لنا صورا مختلفة من الدساتير العريقة الأخرى التى تمكن للشعب أن يفيد من تجاربها الدستورية لجاء الكتاب جامعا شاملا
والكتاب - فى دقة آرائه وبحوثه - بمجهود موفق نشكره للاستاذ : وقدوة طيبة نرجو ان نجد فى مصر من يقتدى بها , وثمرة تبشر باهتمام الكتاب بالناحية الدستورية , ومساهمتهم فى تربية هذا الشعب تربية دستورية صادقة
