الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 399الرجوع إلى "الرسالة"

بعد انتهاء مناقشات رسائل الأستاذية

Share

في يوم الاثنين الماضي انتهت المناقشات العلنية لرسائل    (الأستاذية)  الأزهرية المقدمة في هذا العام. وقد رأيت بهذه  المناسبة أن أدلي ببعض الملاحظات بشأن هذه الدرجة العلمية  التي لا أشك في أن الأزهر يفتتح بها في حياته الدراسية الحافلة  عهداً جديداً سيكون ذا أثر بعيد في توجيه نشاطه العلمي توجيهاً  صحيحاً.

وقبل أن أدلي بهذه الملاحظات، أود أن أنوَّه بظاهرتين  جديرتين بالتسجيل، تجلتا بوضوح أثناء المحاضرات العامة  والمناقشات العلنية:

الأولى: أن الأزهريين قد خطوا خطوة موفقة في التقريب  بين طريقتهم الخاصة في التعمق في النقاش والبحث والتحليل  اللفظي، والطريقة الحديثة في العرض المنظم والابتكار، بما جعل

جمهور المستمعين يدرك أن الطريقين تتكاملان ولا غنى عن  الاستعانة بهما معاً في الدراسات الأزهرية في العصر الحاضر.

الظاهرة الثانية: وجود مدرستين علميتين في الأزهر:  المدرسة القديمة التي تتشبث بما خلف السلف من تراث علمي تقف  بنشاطها عند حد تفهمه وتفهم أحكام الشريعة والعلوم المتصلة بها  في نطاقه؛ والمدرسة الحديثة التي ترى أن السير على منهاج أولئك  الأئمة الأمجاد يقتضي بذل المجهود الشخصي المستقل لأداء رسالة  العصر الحاضر للشريعة وعلومها، كما أدوا رسالة عصورهم لها؛  ومن وافر حظ الأزهر أن تتم الغلبة للمدرسة الحديثة في ظل  إدارته الحالية.

تفضل الأنظمة التي اتبعت في امتحان هذه الدرجة نظائرها  المتبعة في امتحانات الدكتوراه في الجامعات الأخرى في نواح،  كما تقصر عنها في نواح أخرى. أما ما تفضلها فيه فهو:

١ - إلزام طلاب (الأستاذية) بإلقاء محاضرات عامة  تعطى مع الرسائل فكرة صحيحة عن مقدرة كل منهم في الإبانة  بالقول والكتابة والبحث.

غير أننا نلاحظ على المحاضرات والرسائل أن موضوعات  معظمها أبواب عامة من الفقه لا يكون للمجهود الشخصي فيها  سوى أثر ضعيف قوامه التجميع والتنظيم. وعهدنا بموضوعات  الرسائل والأبحاث الجامعية التي من هذا القبيل أن يتناول  كل منها بالبحث نقطة معينة يتولى الباحث تقرير كيان مستقل  لها مما لا يبرز فيه سوى المجهود الشخصي المستقل.

٢ -  خضوع كل عضو من أعضاء لجنة مناقشة الرسائل  لرقابة بقية الأعضاء أثناء دوره في المناقشة، تلك الرقابة التي يظهر  أثرها بتدخلهم للفصل فيما يكون موضع خلاف بين الأستاذ  وصاحب الرسالة، أو لجلاء بعض النقط الغامضة أو لغير ذلك  مما تتكشف المناقشة عن ضرورة الاشتراك في بحثه. وإننا مع  ترحيبنا بمثل هذا التدخل النافع لا يفوتنا أن ننبه إلى أن  ما تقضي به الضرورة يتقدر بقدرها الذي لا ينبغي تجاوزه بحال.

٣ -  جعل الحكم في صلاحية الرسالة للمناقشة في يد هيئة  بدلاً من فرد.

ويقصر نظام هذا الامتحان عن نظام   (الدكتوراه)  في  النواحي الآتية:

١ -  لا يخصص لكل رسالة أستاذ يكون لصاحبها نصيب  في اختياره ليشرف على توجيه توجيهاً علمياً أثناء كتابتها.

٢ -  التساهل في إقرار صلاحية رسائل للمناقشة ظهر أنها  لم تكن جديرة بذلك مما أدى إلى تكليف أصحابها تقديم رسائل  أخرى.

٣ -  لم يتبع التقليد الجامعي في إتاحة الفرصة لصاحب الرسالة  لعرضها بإيجاز على جمهور المستمعين قبل البدء في المناقشة.

٤ -  لم يبدأ أعضاء اللجنة أدوارهم في المناقشة بالتنويه بما  يعتبرونه مواطن إجادة في الرسالة المقدمة، بل كان كل همهم  محصوراً في تقصي النقائص أو الإطراء بصفة عامة مما فوت كثيراً  من التشجيع النافع والتنويه بما يستحق التنويه.

٥ -  كانت الأحكام التي صدرت في الرسائل متأثرة في  الغالب بما أصابه أصحابها من التوفيق في المناقشة الشفوية،  لا بمجهود كل منهم في كتابتها وأثره الشخصي فيها.

٦ -  لا يقضي النظام الحالي - فيما نعلم - بطبع الرسائل  ولم توضع قواعد لتبادلها مع الجامعات الأخرى؛ وينبغي - على  الأقل - أن يقوم الأزهر بطبع الممتاز منها على نفقته مع تقرير  نظام التبادل حتى يعم النفع.

اشترك في نشرتنا البريدية