وقال في صديق سوري من الأطباء أدركته المنية في أمريكا ، وكان قد عالجه من جرح في يده ظل أثره باقيا :
لا أنسين خلالا منك طيبة
ما اختار أمثالها المجد مختار
وكيف أنسي " لمنصور مودته
وفي يدي منه طول الدهر تذكار ؟
وفي محمد بك فريد :
يا سيد الشهداء بعد " رفيقه "
أرضيت ربك في الجهاد فأغنم
ليس الذي بدأ الجهاد فلم يمت
إلا كبادئ حجة لم تختم
وفي يوم واحد خرج نعش الشاعري عبد الحليم المصري والكاتب فرح أنطون بجسديهما من هذه الدنيا الفانية إلي العالم الباقي ، فقال محرم من قصيدة طويلة مبكية
هوي " شاعر " عالي البيان و " كاتب "
حصين النهي في الكاتبين حصيف
أقلب كفى أكبر الوزه فيهما
وأنظر ريب الدهر كيف يحيف
وفي حفنى بك ناصف :
نبه يراعك من طويل رقاده
وصف الحياة لراقدين كسالي
وابعث بيانك في المدائن هاديا
ومر القوي أن تصلح الأعمالا
وفي الشيخ أمين الحداد :
ألا في سبيل الله من كان لي أخا
وفيا إذ الإخوان بالغدر أولعوا
بلوت " أمينا " في الحياة فكان لي
رضي النفس ما تعدوه أيان تنزع
وفي محمد امام العبد :
غضبت على الحياة فلم تصنها
وكيف يصون علته العليل ؟
قضيت قصيرها تعبا فكانت
وليس يحدها في الدهر طول
وما أدب الأديب سوي عناء
إذا ما خانه شعب جهول
وفي قاسم بك أمين :
رمي الحجاب فلولا الله يمسكه
لا نشق ، أوطار ، أو حرت به الصعد
إن لامه القوم ، أو ضجوا بمعتبة
فقد أهاب به رأي ومعتقد
وفي فتحي زغلول باشا :
له الآثار تجري الشهب فيها
ويسبح في جوانبها الصديع
يفيض شعاعها فيذيع فينا
من السر المحجب ما يذيع
وفي الشيخ سلامة حجازي :
أقضيت تحبك أم تمثل للوري
هول الردي ؟ فكفاهم وكفاكا !
النيل يهتف بالرئاء تحية
فدع السكوت وحي من حياكا
وفي عبد القادر حمزة باشا :
قلب يشب البأس منه على شبا
فلم يهز الواديين شجاع
في حكمة تزن الأمور وفطنة
تشفي عن الأنصار والأشياع
تبني وتهدم ما تشاء بمنطق
راسي الجواب ، ليس بالتداعي
ثم من رقادك يا غني الجلي فما
بالدهر من نوم ولا تهجاع
وفي جبرائيل نقلا باشا :
نعوه إلي الممالك فهو ذكر
يجاوز موقع القطبين بعدا
تناهي في الوميض فكان برقا
وأمعن في الدوي فكان رعدا
هو الجد المحلق ب " ابن نقلا "
بلغت به المدى شرطا ومجدا
بنيت فكنت للبانين شيخا
يرشح للبسناء من استعدا
وأديت الحقوق أداء حر
يري أسي الناقب أن تؤدي
ومن عرف الحياة وكيف تقضي
فذلك أكثر الأحياء رشدا
وفي صديقنا اسكندر مظهر وهو اخر ما قال في الرثاء :
قيم المقام وقد تقاذفت النسوي
ومضي الحداة بمن تحب ونكرم
لمث يبق من نععي الحياة وطيبها
ما يبتغي التاوي ولا المتلوم
قل الرفاق النازحين تأهبوا
أزف الرحيل وحان مني المقدم
هذا هو حديثنا الموجز عن الثروة الأدبية التي خلقها أحمد محرم . وإنه من بحر امتدت افاقه ، ويعد به العهد ، وتفرقت أمواجه حتي كاد يجهله الكثيرون من أبناء هذا الجيل
وهو من قبل ومن بعد الشاعر الذي ضرب على وتر الدين من قيثارته ، أول ما ضرب - فكان من نغمائه السهم الذي انطلق من خلال الواجب القومي الذي اداه ، حتى استقر في النهاية عند نظم مجد الإسلام في ديوان فريد . رحم الله أحمد محرم ، وأحسن إليه كفاء ما احسن إلي العروبة والإسلام .
