يا. . . أنت لقد عجب الناس من صمتي الذي طال، وظنوا بي الظنون! وما صمت، ولكنني كتمت. . . واليوم أبوح! الشاعر الحائر!
تغنى بها قلبي، وغنت رسائلي
وإن كنت أهواها على غير طائل!
عرفت هواها حين صرت مقيداً
بأخرى، لها شأن كشأن العقائل
ولو علقتها النفس، وهي طليقة
لما قام فيما بيننا أي حائل
كذلك حظي. . . حرقة وتشوق إلى كل ممنوع على كل سائل!
ولو كان قلبي لا يضل مع المنى لطابت حياتي، واطمأنت بلابلي
ولكنه يمضي إلى غير غاية وراء الأماني سادراً غير حافل
كأني به في لجة البحر زورقاً يسير ولا يدري إلى أي ساحل
تعلقت يا قلبي بحب مضيع كما علقت طير الربا بالحبائل
نصيبك منه الوجد والسهد والجوى ولهفة زهر ثاكل النبع ذابل
وحظك منه غيرة مستبدة لها في دمي غلي كغلي المراجل
كأن سهاماً أطلقتها يد الأسى فمرت فقرت كلها في مقاتلي
نصيبك منه أن ترى الحسن زاهياً وترحل عنه، والأسى غير راحل
وأن ترد الينبوع كالطير ظامناً وترجع مقهور المنى غير ناهل
ولست على ما كان منك بلائم ولست على ما كان منها بعاذل
فإن الهوى معنى سني مقدس تسامى، فلا تلقى له من مماثل
وإن الهوى سر خفي محير فلا يدعى علماً به غير جاهل
وإن الهوى ما ضمه قلب عاشق وليس الهوى ما ضمه قول قائل
صحبت الهوى طفلاً صغيراً ويافعاً وما زال بي حتى استقر بداخلي
فأحسسته نبعاً جرى فوق ما حل بعمري، فواها إذ غدا غير ما حل!
وأحسسته نوراً يعانق مهجتي وينساب في قلبي انسياب الجداول
وأحسسته شعراً يغنيه خافقي فترويه عنه شاديات الخمائل
وأحسسته سحراً تسرب في دمي كما غاب في الصهباء ماء المناهل
وأحسسته عطراً يبوح لعالمي بأسرار ما ضمت رقاق الغلائل
وأحسسته خمراً ترنح مهجتي كما رنح الأزهار قر الشمائل
وأحسسته طيراً يرفرف شادياً بآفاق أيامي كشدو البلابل
وإني لأهوى الحب لو إنه يعذب قلبي بالشقاء المواصل
عرفت به معنى الحياة وروحها وأدركت سر الكائنات الأوائل
وردت به في كل حين مجاهلاً فأحدثت لي علماً بتلك المجاهل
وعشت به عمراً قصيراً، وإن يكن بأسراره فوق المدى المتطاول
فيا حبها زدني التياعاً وحرقة وهب لي لهيباً في الحشا غير زائل
فإن لهيب الحب يذكي مشاعري فينساب منها مثل ضوء المشاعل
ويا من رماني الدهر فيها بنأيها وضن على قلبي بسحر التواصل
ومن جن قلبي في هواها صبابة وإن كان عقلي لم يزل شبه عاقل!
هبيني أضعت العمر فيك، ألم أفد من الشعر مجداً عمره غير آفل؟
وإن كان قلبي أصبح اليوم يائساً فما كان يوماً في هواك بآمل!
ولست بناس إذ بعثت رسالة إلي بأمر من وصالك عاجل
فجن خيالي باللقاء وسحره وصور لي أني سأحظى بنائل
وأنك قد وافيتني في خميلة عليها نسيج من ضياء الأصائل
فأمسكت كفي بين كفيك ساعة فأسكر روحينا عناق الأنامل
وأنشدت شعري فيك، وهو مدامع من القلب، أصفى من دموعي السوائل
وغنيتني شعر الهوى، فكأنني ذهلت عن الدنيا، ولست بذاهل
وأنا أقمنا وحدنا طول عمرنا فأصبحت لي وحدي برغم الحوائل
ولكن حظي كان حظي! فأخطأت خطاك مقامي بين تلك المنازل
وعشنا على الأوهام، تجمع شملنا رسائل حب. . يا لها من رسائل!
وما في يدينا غير أوهام موعد وأحلام لقيا كالورود الذوابل
فلا تحسبن أني سأنساك لحظة فإنك شغلي دون كل الشواغل
سأحيا على حبيك ما دمت باقياً وإن كنت أدري أن حبك قاتلي
