الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 286الرجوع إلى "الرسالة"

بن الغرب والشرق

Share

إن معنى النظر فى العالم المنظور هو النظر الحر من اوجه العالم المشهودة بدون ان يشوب هذا النظر امجاهات مستنزلة من النظر الغبي ، والبحث عن الخالق عن طريق الطبيعة نظرة للطبيعة ولكن مشوبة بالنظر الغيبى . إذن فمتى سبق الشرق بمثل هذه النظرة الحرة للاشياء من اوجهها الشهودة ؟ اليس اليونان أول من أطلقوا العقل من عقاله وحرروه من الخضوع فى اتجاهاته للنظر الغيبى ، وأعادوا العقل إلى مكانه الصحيح فى عالم الشهادة ؟

وبعد فيظهر ان باحثنا الفضال ، متأثرا بعقليته الشرقية من جهة وبعدم تفهمه ما وراء عباراتنا من معان من جهة اخرى ، انساق لاعتراضات ومواقف ليست من الحقيقة فى شئ . ولا ادل على ذلك من تعليقه على راينا " من ان الجانب العلمى والفلسفي من الثقافة الاسلامية نتيجة للاخذ بأساليب الفكر اليونانى بقوله : " ولماذا لا يكون هذا الجانب نتيجة للأخذ باساليب الدين الاسلامي وتعاليمه ؟ " ومحن إزاء هذا التساؤل لا نملك أنفسنا من السخط لا على ان باحثنا اتى بشئ ليس لناقبل برده ؛ ولكن لاعتراضه على حقيقة معروفة للجميع بمثل هذا التساؤل الذى لا يعنى شيئا غير قصور صاحبه عن الوقوف على تأثير الفكر اليوناب في نشاة الثقافة الاسلامية . يقول البرفسور نيلينو المستشرق الايطالى المعروف فى كتابه تاريخ علم الفلك عند العرب ص ١٤١ ما نصه :

" فى أواخر مدة الدولة الأموية ، ثبتت سلطة الاسلام على جميع الامصار والأقطار التى دخلوا الريته عنوة أو صلحا أثناء المثازى المتواصلة والفتوح من أقصى بلاد ما وراء النهرين فى تركستان إلى منتهي المغرب والأندلس . فعمت اللغة العربية الشريفة أهل تلك الولايات والبلدان وغلبت على السنتهم الاصلية فأخذ المسلمون دسم من أى جنس أو ملة لا يسم ١ في الانشاء أو التأليف إلا لغة العرب . فابتدأت وحدة الدين

تستوجب وحدة اللسان والحضارة والسمران ، فصار الفرس واهر العراق والشام ومصر يدخلون علومهم القديمة فى التمدن الاسلامى الحديد "

وقد قلنا فى نفس هذا المعنى شيئا فى كتابنا " الرسالة الأولى من مصادر التاريخ الاسلامى " ص ٣٨.٧ ) طبع ١٩٣٦ - الاسكندرية

) لقد فتح العرب وملكوا الأمصار عن طريق الحرب وقد يجحوا فى نشر الاسلام في الأمم المنوبة . ودخول هذه الأمم الاسلام جعلهم يخضعون لروح الاسلام الديني والاجتماعى إلى حد . إذ لم يكن هؤلاء إلا ابتاء تواريخ مجيدة وحضارات تليدة فسرعان ما رابناهم قادة المدنية الاسلامية في ساحات التفكير والحضارة . دخل ابناء هذه الامم الاسلام وهم يحملون في تضاعيف عقولهم مروية فكرية ، وبين ظهرانيهم كانت مذاهب دينية متعددة فى انتشارها من الوثنية إلى المسيحية فى صورتيها النسطورية واليعنوبية ، وكانت عقولهم يحمل في طيانها بذور المدنية اليونانية كما نقلها لهم اليعاقبة ، ولم يخل اذهانهم من منازعات ستة قرون فى المسائل الدينية

دخلوا الاسلام فمحا كل هذه المظاهر من عالم الشعور ، ولكنه لم يمحها من طيات النفس وعالم اللاشور ، فأترت هذه العوامل على مر الزمن ر عن طريق غير شعورى فى تسالم الاسلام فظهر علم الكلام

فاذا كان علم الكلام وهو من أخص العلوم الاسلامية ، ظهر محت تأثير الامتزاج الغريب بين العناصر الثقافية المختلفة فى كيان الشرق العربي مع غلية للعنصر الثقافي اليونانى في هذا الامتزاج ، فلا شك أن مثل الدعوى التى يقدمها باحثنا الفاضل بأن العلم والفلسفة في تاريخ المدنية الاسلامية يرجعان إلى اصل من الاسلام في القران ، دعوى لا يجد لها ما يستندها من حقائق التاريخ الاسلامى وفلسفة هذا التاريخ

ونقطة اخرى من نقط اعتراضات كاتبنا " باحث فاضل " فهو يعلق على قولنا " انتهى متكلمة المسلمين إلى ان العالم حادث وانتهى الغرب إلى انه قديم " بأن معنى حادث عندما متكلمة المسلمين لاندل على تاريخ معين ، وإنما أراد بها المتكلمة أن العالم حادث بالنسبة الخالق ، ونحن نقول : من ذا الذي أنبأ صاحبنا بأننا لا نعنى من

كلمة حادث ما يعنيه المتكلمون ، ومحن ننسبها لأصحاب الكلام من المسلمين . والمسألة عندي أن الشرق يعتقد أن العالم حادث على الوجه الذي تكلم به الامام الغزالي ، والغربي يعتقد أن العالم قديم على الوجه الذي تكلم به ابن رشد فيلسوف قرطبة ، و نهافت الفلاسفة و " بهافت التهافت " هو الحد الفاصل بين هذين الاعتقادن : اعتقاد فى حدوث العالم من جهة التكلمين ، واعتقاد في قدمه من جهة الغربيين انتهت إلى سورة في الفكر الاسلامى على أنها من آراء الفلاسفة الواجب تكفيرهم من أجلها . وبعد فهذه المسألة معروفة لطالب الثانوى من طلبة المعاهد الدينية فى مصر ، وهم يدرسونها فى على التوحيد ) الكلام ( كيف يسمح كاتبا المفضال لنفسه أن يتخذ من هذه الأولية مثارا لاعتراض ؟ ! .

هذا وقد وقف الفاضل في القسم الثاني من تعليقه فى الرسالة يغمز عمزات ويدير الكلام على وجه لا يتفق مع الحقيقة ، من ذلك انه علق على قولنا ) انتهى الغربى إلي ان إرادة الله مقيدة بنظام الكون وأفعال قائمة على عنصر المزوم والاضطرار بعبارة من عنده قائلا : كلام من ؟ وأى كلام هذا ؟ .

١٢ وس - أما كلام من ؟ فالاججابة هيئة : هو رأى الفكر الغربى إذا ما آمن بالله ! وإذا اراد باحثنا الفاضل اكثر من ذلك قلنا له إنه رأى الفلاسفة من المسلمين ذلك أن هذا الرأي قائم على الاعتقاد بأن وجود العالم سادر عن الله بطريق التمليل - اما استنكار الكاتب هذا الكلام فليس لنا فى هذا الكلام شئ فنحن تقرر الواقع ، ولكن لنا أن نتساءل : لم هذا الاستنكار ؟

أليس هذا رأيا يدرسون في كلية ) أسول الدين ( بالأزهر دلائله ويناقشونها مناقشة جدلية صرفة ؟ ليست كتب فيها عشرات الصفحات فى ساشة هذا الرأى ؟

أليس تكفير الغزالي لابن سينا والقارابي كان من أجل هذا ؟ الم يرد ابن رشد على الغزالي في تكفيره ابن سينا والفاراء من أجل هذا الموضوع في كتابه ) تهافت الهافت ( ؟

وبعد فيظهر أن ياسئنا الفاضل نسي أو تناسي كل هذا فوقف يصرخ قائلا : من قال بأن الغربى يعتقد هذا إلا إذا نقد الجانب العلمي من قوى تفكيره ؟ أما هذا القائل فهو أنا . ذلك أن الغربى حين نظر للارس إليها من ناحية المشهودة الرااتة

في العالم المنظور ، فانتهى عن طريق النظر فيها إلى ان العالم مسوق في سيره بسن وقوانين ونواميس ، وهذا جعله ينتهى بتقديره إلى اكتشاف الأسلوب العلمي

وقد جاء لنا في ذلك من بحث منشور بالمقتطف م ٩٣ ج ٤ ) نوفمبر ١٩٣٨ ( ما نصه :

) لقد كان الانسان من عهد سقراظ الحكيم ) ٤٦٩-٣٩٩ ق م ( سصب يرى غاية التفكير فى إدراك الماهية ، وذلك بمعنى تكوين معاني تامة الحد . وكان معين التفكير طيلة هذا المهد منحصرا فى الاستقراء حيث يتدرج العقل من الجزئيات إلى الماهية المشتركة بينها رادا كل جدل إلى الحد والماهية

وفي أوائل القرن السادس عشر أخذت جماعات قليلة من مفكرى الغرب يشكون في قدرة الاسلوب التجديدى وإمكان الوصول به إلى نتائج عملية تطبيقية . وأخذت هذه الجماعات تعمل على إدماج النتائج التي تسفرع عنها المشاهدات والتجارب في نظام مادي على قاعدة الوحدة والعلاقة . وكان يحدوهم في تفكيرهم هذا إيمان ثابت بنظام العالم الخارجي وتجانسه ووحدته

إذن يتبين أن التفكير السلمي قام على أساس أولى هو الايمان بنظام العالم الخارجي وثبات هذا النظام . وهذا يعنى أن العالم بقوانينه رنوميه خالد ) ايدى فاذا انتهى رجل العلم اليوم إلى الخالق قيده بنظام هذا الكون ، على اعتبار ان العالم سادر عند : لفريق التعليل

وصرخة أخرى . ذلك أننا قلنا : " إن فى قدرة الانسان تغيير المقدر له عن طريق معرفة النواميس التحكمة فى وجوده " وهنا اولا : نسبة هذه الوجهة من النظر إلى الغربي . ثانيا : ورود لفظ النواسير يجعل معنى المقدر للانسان ما قدر له حسب نواميس الطبيعة . وهذا المقدر طبيعة الحال يفترق عن مفهوم المقدر للانسان فى علم الله عند الشرق . فانا كان الاول من المكن تغييره ، وحياة الانسان منذ بدء وجوده على الأرض تغيير للمقدرات الطبية ، فان الثاني ليس في الامكان تغييره . وكأني بصرخة باحثنا ٦ : افضل قد انبعثت من عدم تفهمه كلارث على وجهه الصحيح .

وبعد فنتهي ردنا هذا بكلمة هادئة لباحثنا الفاضل ، فقد وهم حين ظننا من العرب اولا ومن الشرقيين ثانيا ، فلسنا من أصل قربى ولسنا شرقيين ، وهذا نسبنا وتاريخ حياتنا مبسوط فى شىء من الاسهاب فى مقدمة دراستنا التحليلية ) طه حسين ( التى صدرت ربيع هذا العام . وعلى فرض اننا شرقيون ومن ارومة هربية فهل كونناشرقيبن اوربا يمنعنا عن قول الحقيقة إذا كانت ضدنا ؟

أما ما آثاره الباحث الفاضل من اشكالات في نهاية مقاله فوعدنا بالرد عليه مقال قال ، نضمته ردا لنا على ما أثاره من إشكالات واهية ذلك الاديب الكبير الذي حاول ان يتعرض لاحدى فكراتنا بالمناقشة بين سطور مقال كتبه فى مناقشة لكتاب للبرفسور مارتن الاجليزي ،

اشترك في نشرتنا البريدية