الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 156الرجوع إلى "الثقافة"

" بومبادور " الحسناء، LA BELLE POMPADOUR

Share

( ١ ) ويقول في وصفها الضابط ، لوروا ، lerny أحد ضباط الصيد في غاية، فيرساي versalles كانت ، يوميادور ذات جمال نادر وجاذبية قوية تفيض على شخصيتها الفاتنة ، وكان لها وجه بيضاوي مضئ مناسب لاعتدال قامتها وهي ليست بالقصيره وشعرها يقرب من الأصفر الرمادى الفاتح وليس الذهبي وعيناها ليس لهما لون ثابت فيهما ضياء الأسود وعذوبة الأزرق وفنور الرمادي ، تحليلهما أهداب من لون شعرها ، وأنف جيل وفم فاتن عذب الابتسامة ، يغتر عن أسنان لؤلؤية ، وملامح وجهها كثيره التغير والتأثر.

الفن والمرأة :

في صباح صحو مشرق التقي ركب في الغابة Fortei De Senart يسير على رأسه الملك لويس الخامس عشر بين حاشيته من صفوة القوم ، للاشتراك معه في نزعة للصيد ، وكانت مدام " لينورمان دى اتيول " Lenormard DEtioles مركيزة بومبادور فيما بعد  بين المدعوين تحظى لأول مرة برؤية الملك الذي صرعته سهام من عينيها بنظرة كانت الكلمات الاولي في قصة تنبا بها احد العرافين لأمها وهي طفلة في التاسعة من عمرها

كانت مركيزة بومبادور ذات شخصية جذابة فاتنة ، تقعرها أنوثة متوقدة اشعلت في القلوب ، وأسرت بعذوبتها عقول المقربين إليها من صفوة القوم وعباقرة المصورين في عصرها . وظلت " بومبادور " طيلة حياتها لغزا غامضا ، فأذهلت العقول بسعة حيلتها ومهارتها في اصطياد القلوب واكتساب مودة ومحبة كل من رآها أو سمع عن حسنها النادر ورشاقتها الساحرة (١) أولعت " بومبادور " بالفنون الجميلة ، ومنها الرسم

والتلوين ، كما كانت تنظم الاغاني الشعبية ، فقالت في مطلع إحداها : " لن نلتقي بعد اليوم في الغابة بعد أن قلموا أفنان أشجارها

وكان من أثار ولعها بالفنون أنها لم تقف عند حد في تشجيعها للفناين ، كما كان من أسعد أوقاتها أن تجلس أمام المصورين ليسجلوا بريشتهم صورتها(١) وكأنها أرادت أن تتحدي فنونهم بحمالها وحسنها وظرفها ورقتها ؛ فلم تحرم مصورا في عصرها من جلسة يستمتع فيها برؤية جمالها الساحر الفاتن ، بينما تظل تحت تصرفه - بمحض رغبتها - كنموذج عليها أن نجلس أمامه وقتما شاء ، وان تستريح وقتما شاء ، ولم يكن هذا الرضي من جانبها إلا بغية الحصول على صورتها التي كانت شديدة الافتتان بها ، والرغبة الكامنة في قرارة نفسها لمعرفة سر جمالها ، ورشاقتها وظرفها الذي كان يتغني به الشعراء والأدباء بعد أن أسر قلوب كثير من نبلاء القوم وأشرافهم . وزاد بها الغرور بجمالها إلي حد الاسراف حين صورها " لاتور " Latour المصور الفرنسي الذي نحا بقنه ناحية الكشف عن الحقيقة ، وإثبات الأشكال برمتها . فأجاد تصوير الجمال المرتسم على ملامح وجه " بومبادور " النبيل الذي لم يكن ليهدأ تحت تأثير انفعالات نفسانية كثيرا ما كانت تعاودها وصورها " بوشيه " كالغزال الشارد في جلسة رشيقة ، وجذعها ممتد في ارتفاع إلي الأمام ، في ثوب فضفاض وردي اللون وصورها فان لو على لوحة تفيض شاعرية سامية ، فمثلها كمن تبيع زهورها الندية في وضع يكشف عن دلال أنوثتها ونظم " فولتير " Voltaire أنشودة

( ١ ) وهم كثيرون ، نذكر منهم نايتي Natler بوشه Boucher فرانسو جورين Francois onerin فان لو Van Loo دوره Drouais لانور Latour وللأول الحظ في تصويرها في عامها العشرين على ميدالية محفوظة الآن بمتحف قصر فيرساي ، وهي أول صورة رسمت لها .

غنائية ، صور فيها جمالها وولعها بالغن فقال : " إن قلمك المقدس يا بومبادور احق من غيره ليرسم محاسن وجهك الفاتن ، فمثل هذه اليد الجميلة لا تخطئ صياغة كل جميل مثلها .

وقال " جول سوري " Jules Soury  مؤرخ عصره في مذكراته عنها : " وكانت تشتد بها العلة فتضعف ويهزل جسمعها وتنطفئ نضارتها ، وأصابها مرض الصدر الخبيث في إيان عزها وسلطانها ، فلم يحتمل جسمها مقاومة وطأة المرض مع متعة العز ، وما تتطلبه الحفلات الساهرة من جهد في تكلف السرور والبهجة ، فبدأ جمالها يذبل ، وجسمها يضمر يوما بعد يوم ، ولم يبق منها سوي ظل لذكري ذاك الجمال ؛ وكان لزاما عليها أن تواصل انغماسها في الترف خشية أن تفقد مكانتها بجوار الملك فيستبدل بها إحدي منافساتها الكثيرات في قصره ، فلجأت إلي المساحيق والأصباغ لتكسب بشرة وجهها وجسمها النحيل نضارة المرأة الخلابة ، واستعملت في تزجيج حاجبيها وجفنيها رمادا أزوق سماويا أو بنفسجي اللون ليكسب نظراتها سحرها وفتفتها وجاذبيتها التي لا يخطئ الرماية إلي صميم الأفئدة ، فتصير من الرجال الغلاظ أطفالا سذجا في عشقهم وولعهم بأنوثتها التي كانت تستحتها - كما قالت وصيفتها " دو هاوست "Hausset Du في مذكراتها عنها - باستعمال مركبات من مزيج الشوكولاته والعنبر ومختلف العقاقير المثيرة للشعور والمنشعلة للعواطف ؛ ولكن بومبادور " قد فشلت في تجربتها القاسية بعد أن انطفأت جذوة أنوثتها تماما ، وأصابت بشرة وجهها دوائر حمراء اللون

وقال " ارسين هوسبي " Arsene Houssaye بدأ ذيول جمال بومبادور يظهر على شفتيها اللتين اعتادت القسم عليهما لإخفاء اضطرابها وقلق نفسيتها الثائرة الطموح .

وفي سن الثلاثين تلاشي آخر أثر لضوء تلك الابتسامة اللامعة التي امتازت بها شفتاها الرقيقتان ، فبدأت تصبغهما بطلاء أحمر وردي عقب كل أكلة أو قبلة .

ويعتبر المثال " كوستو " Guillaune Coustou أوفر الفنانين حظا برؤية جمال " بومبادور " إذ كانت تفاجئه بزيارتها في مصنعه الذي شيدته له على نفقتها بين شجيرات البرتقال ، في بستانها الخاص في ضاحية " فرساي " ليصنع لها تمثالا ، وسمحت له أن يأخذ عن جمال جسمها ما يساعده على صنع تماثيل كثيرة عارية تمثل داناى Danei إلهة الجمال التي اوصته بصنعها لتحلى بها حدائق قلاعها وقصورها الواسعة . وكان من وراء هذه الزيارات المتعددة أن عشقها المثال عشقا كاد أن بقتله ، وكان يشتد به الغرام حين يري أمامه الملكة تكشف عن كنز جمالها الساحر

وفي ذات يوم بينما تتأهب بومبادور لمغادرة مصنع المثال ، الفته يقترب منها فشردت منه ومدت إليه يدها ، ولكنه بدلا من ان يقبل يدها طبع قبلة حارة طويلة على عنقها العاجي . ثم تراجع متأسفا واعتذر كمن اخطأ عن غير قصد فالتفتت إليه منزعجة وقالت : هذا لا دخل له بيننا فارحل إذا كنت ستجد عذابا في انتظار عودتي ، إن ناري قد هدأت واصفر لونها فهي تضئ ولا تحرق . . وداعا كوستو .

وكان من نصيب الرسام " درو " F.H.Drouais أن يتم آخر صورة(١) لها في شهر يونيو عام ١٧١٣ قبيل وفاتها بما يقرب من عام ، وكانت تبلغ من العمر في ذاك الحين ٤٢ سنة . وهكذا استطاعت أن تترك للتاريخ مجموعة من الصور تمثلها في مختلف سني حياتها القصيرة . ومن المصادفة الغريبة أن تموت " بومبادور " في

(١) بمتحف أوليانس Marrie Drolass

نفس الشهر الذي ماتت فيه ثلاث محظيات الملك من قبلها وهن : ديان دي بواتير Diane De Poitiers جابريل داستري G.D.Estrees، مانتينو Maintenon

وفي هذا الشهر ينزل الثلج عادة بكثرة في ضاحية فيرساي فيغطي قصورها وطرقاتها . وفي ١٥ ابريل عام ١٧٦٤ اطل الملك لويس الخامس عشر من نافذة قصره ليلقي نظرة الوداع على محظيته الجميلة وهي في طريقها إلى مقرها الأخير ، واشار إليها محدثا من حوله من المحظيات ، وعلى شفتية ابتسامة ساخرة لا تخلو من حزن وألم :

" كنت أخشى ألا تلقي المركيزة جوا جميلا في رحلتها الأخيرة ، وهذا ما أراه" .

اشترك في نشرتنا البريدية