خاضت الصحف في الكلام عن رسالة (فن القصص في القرآن الكريم) قدمها طالب في كلية الآداب لينال بها درجة دكتور، وتحدثت بعض الصحف عن حرية البحث وعن أمور تتصل بهذا الموضوع.
وحقيقة الأمر أن رسالة قدمت إلى كلية الآداب فألفت لجنة لفحصها طبقاً للوائح، فرأت اللجنة أنها لا تصلح إن تكون موضوعاً للمناقشة المعتادة في درجة الدكتوراه، فردت الرسالة إلى صاحبها وهذا يقع في الجامعة كثيراً.
فما كان ينبغي أن تكون الرسالة بعد هذا موضوع جدال في الصحف، فرسائل الجامعات التي تقبلها الكلية المختصة وتأذن بالمناقشة فيها ونشرها تبقى سراً بين الطالب وأساتذته، وكل ما فيها من آراء عرضة للإصلاح والتغيير والحذف، فإن رفضتها الكلية فهي كورقة امتحان لنم ينجح صاحبها.
هذه حقيقة الأمر. ولكن بعض الكتاب؛ ومنهم الطالب كاتب الرسالة، خاضوا في جدال فيها، وكنت حينئذ غائباً عن مصر فلما رجعت عملت على ألا ينشر شيء في هذا الموضوع، وأحببت حضرتي صاحب الفضيلة وكيل الأزهر وسكرتيره العام مبيناً أن هذه الرسالة لا تجوز المناقشة فيها ولا المؤاخذة بها
ما دامت ورقة امتحان يقدمها طالب لأساتذته منتظراً رأيهم فيها وقد نشر فضيلة السكرتير العام خطابه إلى وجوابي له.
رجوت أن ينتهي الجدل عند هذا الحد، ولكن الطالب كتب مرة أخرى متحدثاً عن الانتكاس في الجامعة، وسألت الجريدة التي كتب فيها الطالب كلمته الأستاذ المشرف على الرسالة فكتب كلمة عن حرية الرأي، وذكر المحنة العقلية والأخلاقية الخ
وقد أسفت الكلية لاشتراك الأساتذة في جدل في الصحف حول موضوع من موضوعات الامتحان. والتمست من الأساتذة الذين لهم صلة بهذا الموضوع أن يكفوا عن كل جدل صحفي، وألححت على الأستاذ الذي أشارت إليه الكلمة التي نشرها زميله ألا يجيب مهما يكن له حق في الإجابة، ومهما يكن عنده من أدلة لتأييد رأيه ونصحته الكلية ألا يدخل في هذا الجدل، وعرفته أن ليس من سنن الجامعات ولا من كرامة الأساتذة أن ينقلوا أبحاثهم من الجامعة إلى جدال في الصحف. فكتب هذا الأستاذ إلى الصحيفة التي وعد بالكتابة فيها معتذراً عن الرد؛ قائلا إن الجهات الرسمية منعته من الكلام، والجهات الرسمية التي أشار إليها هي الجامعة، ولم تدخل جهة رسمية أخرى في هذا المنع.
وأما الكلام عن الانتكاس فى الجامعة وحرية الرأى فلا محل له فى هذا الموضوع قط . فان كان الطالب حرا فى أن يبدى رأيه فى رسالته فللا ساتذة أيضا الحرية فى أن يبدوا أراءهم فيقبلوا أراء الطالب أو يردوها ، هل يراد أن تكون هذه الحرية للطالب دون الأساتذة ، وهل يحق لكل طالب يرفض رأيه فى امتحان أن يشكو من التضييق على الحرية .
الجامعة لم تمنع الطالب من أن ينشر أراءه بعيداً عنها بكل وسيلة يراها، ولم تزد الجامعة على أن قالت إن البحث الذي في هذه الرسالة لا يستحق عندي درجة عليمة، وبقيت الحرية للطالب ومن يرى رأيه، في أن ينشر أراءه في كتاب من عنده لا في رسالة من رسائل الجامعة، بعد أن أبدت الجامعة رأيها فيها وردتهاـ وحينئذ يحتمل وحده تبعة ما فيها من غلط أو ضلال. وما دام هذا في مقدرة الطالب فلا حق لأحد في أن يدعى أن الجامعة تمنع حرية البحث.
وبعد، فالجامعة أعرف بحرية الرأي، وأدرى بحدوده هذه الحرية، وأبصر بتوجيه طلابها، وأقدر على نقد ما يكتبون. فالمرجو من أنصار حرية الرأي أن يتذكروا هذا، ولا ينكروا
على الجامعة حريتها في التصرف فيما هو من خصائصها، فأن الجامعة تطالب بحقها في الحرية أيضاً وتتمسك به قبل الناس جميعاً.

