الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 404الرجوع إلى "الثقافة"

بيان من معالي وزير المعارف

Share

( كتب الأستاذ محمد فريد أبو حديد بك مقالا من بعض مسائل خاصة بالتعايم ورد عليه حضرة الدكتور أحمد عبد السلام السكراني بك في  نفس مذكراته . وقد أرسل إلينا حضرة صاحب المعالي محمد حسن المعداوي باشا وزير المعارف بهذا البيان . ونحن نرحب بتغيره فيكون بذلك قد عرضنا مختلف الحج على قراء الثقافة ).

عزيز صاحب العزة الأستاذ المحترم رئيس بتحرير مجلة الثقافة الغراء .

لمناسبة ما خاضت فيه بعض الصحف منذ أسابيع من حديث المجانية والسياسة العامة لتعليم ، وما نشرته ) الثقافة ( في عددها الماضي بقلم الأستاذ فريد أبو حديد بك تحت عنوان " إلى معالي وزير المعارف " يعنيني  أن أجلو  لقراء الثقافة بعض ما يحتاج إلي الجلاء في هذا الموضوع . وأبادر فأشير - قبل أن آخذ في تفصيل الحديث - إلي أن مدعي الذي لزمته منذ توليت المناصب العامة يقوم على تقدير جهد العاملين ومحاولة إتمام ما يبدؤه  غيري من وسائل الإصلاح ، إذ ليس يعنيني من الأمر إلا ما ينتهي إليه من نتيجة يتحقق بها النفع العام ، لا ألقي بالا إلي ذلك من ملابسات الأمر واسبابه والدوافع إليه والمسائل الشخصية التي تتصل به وليس من طبعي فوق ذلك الثورة أو علاج بعض ما يمرض لي من مشكلات بالطفرة أو بالعنف ، وبهذا وذاك يقتضي أن يقال عني أو يظن في أني أميل إلي هدم ما بناء غيري أو الغض من قيمته أو إنكار ما فيه من نية الإصلاح والخير

وقد عرض كاتب " الثقافة " لحديث المجانية في مرحلتي التعليم الابتدائية والثانوية ، فسرد ما مر بهما من ادوار واورد حجح المؤيدين لها والمقربيين ، واشار إلي ما يعترض حجح الفريقين من اسباب الوهن أو من مقتضيات العلاج لينتهي من ذلك كله إلى ان يقول في لهجة تشبه التحذير وليس يجدينا ان تستأنف تفكيرا جديدا ، بل ليس

من مصلحة البلاد أن نعرج عن الطريق الطبيعي الذي دفعتنا إليه ظروف حياتنا العملية دفعا . . ونعتقد أننا نرتكب غلطة كبري إذا حاولنا الرجوع عن المجانبية بصور من الصور . فليس من الصحة في شئ أن نبد بالإنحراف عن تلك السنة التي أرضت البلاد ، وليس هناك مصلحة تستحق أن نضحي في سبيلها بتلك السنة . . إلي آخر ما قال مما يوهم أن لوزارة المعارف في العهد الحاضر بإزاء المجانية اتجاها يغاير ما انتهى إليه الرأي في العام الماضي وما سبقه من أعوام . والأمر في حقيقته لا يؤيد هذه الوهم ، فلم يدر في خاطرنا قط أن تحاول العدول عن المجانية  المقررة في المرحلة الأولى للتعليم وعما اتجهت إليه النية في  التوسع في نسب المجانية في المراحل التالية حتى يتبين سبيل التعليم لكل راغب فيه من ذوي الاستعداد العقل الملائم ، لا يصد أحدا منهم عن تحقيق رغبته فقره أو انقطاع  أسبابه ما دام فيه الأهلية للتعليم ؛ وإنما اقتضانا تنظيم  الحق أن نتخذ بعض الوسائل التي تكفل تحقيق مبدأ " تكافؤ الفرص " على وجهه الصحيح بحيث تتاح به الفرصة  لكل ذي حق أن ينال حقه من التعليم ، لا أن يكون المقصود منه تهيئة الفرص للأغنياء على حساب الفقراء وقد رأينا النظام الذي كان معمولا به في المدارس الابتدئية ينافي هذا المبدا منافاة ما ، فقد سوى تنفيذ الفكرة بذلك الأغنياء والفقراء في التمتع بامتيازات المجانية بما في ذلك ثمن الغذاء الذي تقدمه المدارس للتلاميذ ، على حين كانت العدالة الاجتماعية تقتضي - وقد تقررت مجانية التعليم أن يساهم أبناء القادرين في ثمن ما يقدم من الغذاء للتلاميذ ولذلك قررنا في هذا العام - مع الإبقاء على مجانية التعليم  أن يفرض على القادرين دفع مقابل ما يقدم إليهم من الغذاء مع إعفاء العاجزين إعفاه تاما ، غير مقيدين في ذالك بنسبة معينة ، كما قررنا الإعفاء من التأمينات الصحية  والرباضية والاجتماعية في حدود نسبة معينة ، ولم يكن هنالك إعفاء منها من قبل ومن ذلك يظهر أننا لم تتغير

القرار المجانية في التعليم الابتداني ، ولكننا نظمناه وحددنا ضوابطه ، بل توسعنا فيه من بعض النواحي

وثمة ناحية أخري حملتنا على إصدار هذا القرار لتنظيم وضبط المجانية المقررة في حدودها التي تقتضيها الحالة الاجتماعية في البلاد ، ذلك ان من الخطأ الفاحش ان يتوهم متوهم ان التعليم الابتدائي الحالي هو المرحلة الأولى للتعليم التى يجب ان نفتح أبوابها لكل طالب ، فهناك مرحلة أخري ينطبق عليها هذا الوصف ، هي مرحلة التعليم الأولى في صوره المختلفة ، فان عدد تلاميذ المدارس الابتدائية في الوقت الحاضر لا يزيد كثيرا علي خمسين ألف تلميذ ، تنتظمهم المدارس الابتدائية في المدن والحواضر ، على حق يبلغ عدد الأطفال الذين تؤهلهم منهم لهذه المرحلة أكثر من ثلاثة ملايين صبي وفتاة ، يتعلم منهم نحو مليون في المدارس الأولية المختلفة ؛ فأين من هذا العدد الضخم تلك القلة الضئيلة التي تنتظمها المدارس الابتدائية ؟ أفيمكن ان يقال بعد هذا إن مرحلة التعليم الابتدائي الحالي مرحلة عامة ينبغي أن تفتح أبوابها بالمجان - وبغير قيد ولا شرط ولا حد ولا ضابط لكل طالب ؟ .

الواقع أن مرحلة التعليم الابتداني هذه مرحلة " خاصة لا يقبل عليها إلا طبقات معينة من الشعب ، وهذا هو الطبيعي ، فليس من المعقول ان يقبل كل أبناء الشعب وبناته في المدارس الابتدائية ليسلكوا سبيلهم بعد ذلك إلى المرحلتين التاليتين ليحصلوا على الدرجات الجامعية ، فهو إذا تعليم خاص ، لأنه - في وضعه الحاضر لا يؤدي إلى غاية غير الالتحاق بالمرحلة التالية ثم التي تليها ؛ وإذا فان له من خصوصيته ما يحمل على إعادة النظر في شروط القبول به وأهلية المقبلين عليه ؛ وليس فيما وضعناه من الضوابط لمعني افجانية المقررة ما يتنافي مع هذه القاعدة بوجه ما .

أما المجانية في المرحلة الثانوية فإننا لم نمسها بشيء من التعديل ، ولم تتخذ في شأنها قرارا يغاير ما كان معمولا به

في السنوات الماضية إلا فيها يتعلق بالشروط الواجب تحققها في طالب المجانية ، وهي شروط روعى فيها ) الحالة الاجتماعية للتلميذ إلى جانب شروط السن والدرجات العلمية ، فقد كان الاقتصار على اشتراط سن معينة والحصول على نسبة معينة من درجات الامتحان سببا في ان يمنح المجانية كثير من ابناء القادرين ، على حين قد حرم منها كثير من الفقراء ومن لا يقدرون علي دفع المصروقات المقررة ؛ وهو وضع اقتضى ان تجعل الشرط الاول المجانية في التعليم الثانوي هو الحالة الاجتماعية لولي أمر التلميذ ، من غير أن نقفل سن التلميذ واستعداده العلمي ؛ واظن هذا هو الوضع الطبيعي حتى لا يحرم الفقراء من المجانية ويتمتع بها ابناء الأغنياء والومرين

فمن ذلك يظهر أيضا أننا لم نبخس قدر العمل الطيب الذي بداؤه وزراء المعارف السابقون ، ولكننا بنينا على الأساس الذي وضعوه ووضعنا لبنة فوق البناء الذي أقاموه وعملنا في حدود القانون القائم مع كثير من المرونة في التطبيق

وقد عرض الكاتب الفاضل في ثنايا مقاله للسياسة العامة للتعليم ، واشار إلي ان حضرة صاحب المعالي زميلي وصديقي وزير المعارف السابق فكر في وضع سياسة ثابتة للتعليم ، فبحث ودرس وعقد اللجان وبلغ في سبيل تحقيق ذلك الغرض مبلغا . ولعلى قد فهمت من حديث الكاتب بعض ما يخشاه من الكول او الانحراف عن الغرض الطيب الذي قصد إليه معالي سلفي ، وارمي من حقه على ومن حق المشتغلين بشئون التعليم عامة ان أطمئنهم وأزيل مخاوفهم من هذه الناحية ، فاني كما قلت في أول هذا الحديث لا أميل إلي الهدم والتدمير حيث يمكن الإصلاح والتعمير ، وقد وجهت عنايتي إلى كل ما خلف معالي سلفى من مشروعات ، ولم استأثر بالرأي في شئ مما يجمل عرضه على ذوي الاختصاص والرأي ، فمعرضت كل

ذلك على المجلس الأعلى للتعليم ، وقد انتهى المجلس من السياسية العامة للتعليم في مرحلته الأولى وانتهي في ذلك إلي الرأي واخذنا في اسباب التنفيذ ، وسنمضي في درس ما يلي من مراحل التعليم حتى تنتهي آخر الأمر إلي إفرار السياسة العامة الثابتة التي تفضيلها مصلحة البلاد وتلائم حاجاتها واهدافها ومكانها . وإني لحريص على ان يتم ذلك على خير او جهه ، مستعينا برأي كل ذي رأي ، جاعلا عملي اتماما لما بداء السابقون من زملائي ، وتدعيما له ، ومتجها معه إلي الهدف الذي يحقق النفع العام .

وتفضلوا بقبول عظيم احترامي وأصدق تمنياتي لمجلة الثقافة باطراد التوفيق .

اشترك في نشرتنا البريدية