١) أيفا . من أنت ؟ وهل لك من علم بطبيعتك؟ أتعلمين لم خلقت وما هو واجبك فى الحياة ؟ أتعلمين أن الله لكى يعاقب الرجل - مخلرقه - على خطيئة الأولى اذ امتدت يده الى شجرة المعرفة شاء أن يكون حبه لنفسه فى كل زمان وفى كل أدوار حياته غرضة الأول . مهموم بحب نفسه مهموم بأن يرى نفسه .
٢) ولكن إذا كانت إرادة الله شاءت أن تسكنى إلى جانبه أيتها المرأة. أيتها الرفيقة الرقيقة. أيفا. أتعلمين السر فى ذلك؟ إنما هو لكى يرى نفسه فى مرآة نفس أخرى. إنما هو لكى يسمع تلك الأغنية التى لا يمكن أن تصدر إلا عنك. ذلك الفيض الإلهى الذى يتردد فى هذا الصوت العذب. إنما هو لكى تقضى فى أمره وأن كنت له أمة. لكى تحكمى فى حياته وإن أخضعك لقوانينه.
٣) فى أقوالك المزحة جبروت المستبد. فى عينيك سطوة القوة، وفى مرآك أمارة السلطان، حتى لقد شبه ملوك الشرق فى أغانيهم نظراتك فى هول وقعها بنزول الموت. كل يحاول جهده أن يثنى من أحكامك المتسرعة. على أن قلبك الذى يكذب جسارة مظاهرك سريع ما يخضع لضربات القدر من غير مقاومة ولا دفاع
٤) لعقلك وثبات كوثبات الغزال، إلا أنه لا يستطيع السير من غير مرشد ولا معين. الأرض تدمى قدميه، والهواء يضنى جناحيه وعينه يعشو بصرها عن ضوء النهار إذا سطع لألاؤه. وإذا اتفق أن سمت به الفكرة فى دفعة من دفعات حماستها إلى مستقر علوى اضطربت بها الرياح (2) وعجزت عن أن تمسك نفسها من غير خوف ولا ضجر.
٥) ومع ذلك فليس فيك مافينا من خصائص الجبن اذ
تتردد صيحات المظلوم فى قلبك ويدق بها نبضه كالارغن فى سكون الكنيسة المطبق، يتأوه متألما كأنه يرجع صوت ألم تلقاه
للهيب ألفاظك تتحرك الجماهير وبدموعك تمحى آثار كل إهانة ونكران للجميل. بيمينك تهزين الرجل فينهض وسلاحه بيده
إليك يجمل أن تنتهى كبريات الشكوى التى تأن منها البشرية الحزينة. عندما يتضخم القلب بالموجدة نرى هواء المدن يكاد يخنقه كلما دق، ومع ذلك تسمو تنهداته إلى ما فوق الدخان الأسود لتنعقد كلمة واحدة نسمعها بوضوح
٧) تعالى (1) إذن. ما السماء عندى إلا إطار تخيط بك زرقته. ويغمرك ضوؤه ويحميك جداره، ما الجبل إلا معبدك والغابة قبابه. العصفور فوق الزهرة لا ترنحه الرياح والزهرة لا ينبعث أريجها والطائر لا يجرى أنينه إلا ليصفوا الهواء الذى تستنشقين. ما الأرض إلا بساط لقدميك الجميلتين كأقدام الطفل.
٨) أيفا: سأحب كل مخلوق، وسأتأمل فى نظراتك الحالمة التى ستنشر فى كل ناحية أضواءها المتعددة الألوان فتنشر معها لذتها السحرية وسكونها الضاحك. تعالى ضعى يدك الطاهرة على قلبى الممزق. لا تتركينى وحيدا مع الطبيعة لأننى أعرفها حق المعرفة لكى لا أخشاها.
٩) أراها تخاطبنى قائلة (2) ما أنا إلا ذلك الملعب الذى لا تحركه أقدام اللاعبين. درجاتى الزمردية وساحاتى المرمرية وأعمدتى الرخامية صاغتها يد الله. هيهات أن أستمع إلى صيحاتكم أو إلى تنهداتكم بل ما أكاد أحس بالمهزلة الإنسانية التى تمر فوق ظهرى باحثة لها عبثا عن متفرجين بكم فى السماء (3)
١٠) "فأنا أطوى البشر بجانب من غير أن أسمعهم أو أبصرهم كما لا أميز بين أجحار النمل ومسحوق رفات الإنسان. لا علم لى بأسماء الأمم التى أقلها. يسموننى أمهم وما أنا إلا قبرهم. شتائى يلتهم أموتهم قربانا له، وربيعى لا يستمع لصلوات غرامهم.
(11) "لقد كنت قبل أن توجلوا دائما معطرة وجميلة يوم كنت أترك للرياح شعورى المنحلة , وأسلك فى السماء طريقى المعتاد فوق قب الميزان ذى الكفات الالهية. فلما وجدتم ذهبت وحيدة فى صمت رهيب أعبر الفضاء الذى تتقاذف فيه الكائنات، وأشق الهواء بجبهتى وتدنى الناهدين"
١٢) هكذا تخاطى الطبيعة فى صوت حزين متعال، وأنا أبغضها فى نفسى وأرى دمنا فى أمواج مياهها, وجثث موتانا تحت حشائشها تغذى بعصيرها جذور غاباتها. وأقول العينى اللتين قد تريان فيها جمالا "حولا نظراتكما الى غيرها" واسكباد معا تكما على سواها. ليكن حيكما لما سوف لاتريانه مرتين.
١٣) آه ! ترى من سوف يشاهد جمالك ورقتك مرتين أيها الملك الشاكى الذى يتكلم بتنهداته؟ ترى من سوف يولد مثلك حاملا قبلة كما تحملين فيما ترسله عيناك من بارقات النظر فى ترنحات رأسك المنكس. فى هذا القد المضنى الساكن فى دعة إلى فراشه، ثم فى تلك الابتسامة النقية النقية التى تفيض بالحب والألم.
١٤) عيشى أيتها الطبيعة، وعيشى إلى الأبد فوق أقدامنا وفوق جباهنا مادامت تلك سنتك؛ عيشى وأحتقرى - إن كنت ربة حقا - الإنسان، ذلك العابر سبيل الذى كان من المقدر أن يقوم عليك ملكا، فإننى أحب جلال الألم البشرى فوق ما أحب ملكك ومظاهره الكاذبة. هيهات أن تنالى منى صيحة حب!
١٥) ولكن أنت أيتها السائحة المتهاونة ! أما تريدين أن تضعى رأسك فوق كتفى وتستسلى لأحلامك ؟ تعالى نشاهد ونحن على مدخل منزلنا المتحرك من مر ومن سيمر من البشر. لسوف تدب الحياة فيما يحمله الى الشعر من صور الانسانية عندما تمتد أمام منزلنا آفاق الأرض الصامتة الى غاياتها البعيدة .
١٦) وهكذا نسير غير تاركين وراءنا فوق تلك الأرض العاقة التى مر عليها أمواتنا من قبل إلا شبحنا. سنتجاذب الحديث عنهم عندما تظلم الآفاق، ويحلو لك أن تسلكى سبيلا ممحوا لتستغرقى فى أحلامك مستندة إلى الأغصان الضئيلة باكية حبك العابس المهدد كما بكت (ديانا) على شواطئ تبعها.
