الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 268الرجوع إلى "الرسالة"

بيننا وبين لجنة إنهاض اللغة العربية

Share

أرسل ألينا صديقنا الأستاذ أحمد أمين هذا الكتاب  جواباً عما سأل (سائل) في (البلاغ)  وفي (الرسالة) ننشره ثم  نعقب عليه:

أخي الأستاذ الزيات سلام عليكم ورحمة الله قرأت في مجلة الرسالة سؤالاً موجهاً إلى لجنة إنهاض اللغة  العربية يسأل صاحبه لِمَ لم تقرر اللجنة كتب الأستاذ الزيات

ورداً عليه أقول: إن اللجنة لم تفتها كتب الأستاذ كتبت  فيما كتبت للوزارة:

إن للأستاذ الزيات كتابين في مستوى الطلبة هما آلام فرتر  ورفائيل، وهما من خير الكتب من حيث دقة الترجمة وجزالة  الأسلوب ونصاعة التعبير وقوة البيان - ولكن آلام فرتر  موضوعه حب هائم ينتهي بانتحار فضيع. ورفائيل رسائل غرام  بن شاب وامرأة متزوجة

ولم نرى من الخير أن توضع أمثال هذه الكتب في أيدي الطلبة  لناحيتها الأخلاقية لا لناحيتها البلاغية، ولو فعلنا لخالفنا ضمائرنا  وهاج علينا أولياء أمور الطلاب بحق

أما كتاب (في أصول الأدب) فقد منعنا من اقتراحه عدم  الوحدة في موضوعه واشتماله على مقالات فوق مستوى الطلبة

فهل يرى السائل بعد هذا البيان أن اللجنة تجنت على الأستاذ  الزيات أو غمطته حقه في الأدب أو مست شيئا من مكانته في  علو البيان؟

لا شيء من ذلك ولكنه الحق قدمته على كل اعتبار. وهل  يطالب المرء بأكثر من أن يعمل وفق ما يعتقده من حق؟ أما ما وراء ذلك من لمز بأننا تملقنا الرؤساء وقصرنا اختيارنا

على مؤلفات من نرجوهم أو نخشاهم فإننا نعرض عن الرد عليه  والخوض فيه، فقد التزمنا في الحياة أن تصم آذاننا عن السباب  وما يتصل به. والسلام عليكم ورحمة الله ١٧ -  ٨ - ٩٣٨

ذلك هو جواب الأستاذ أحمد أمين عن أسئلة (سائل).  والذي يعرف الأستاذ أحمد أمين ويعلم أن أخص ما يميزه حياة  الضمير وسلامة المنطق، يدرك ما كابده الأستاذ من الجهد في إقناع  نفسه بهذا الجواب. فإن (آلام فرتر) كتاب عالمي قرأه ولا  يزال يقرأه ملايين من الفتيان والفتيات في جميع أمم الأرض،  ولم نعلم أن أمة من هذه الأمم حضرته على الطلاب لأن (موضوعه  حب هائم ينتهي بانتحار فظيع). وقد ترجم إلى العربية منذ  ثمانية عشر عاماً، وأعيد طبعه سبع مرات، وقرأه كل مثقف في  بلاد العروبة، ولم نسمع أن حاثة من حوادث الانتحار اليومية  قد وقعت بسببه. وماذا يكون مصير التعليم والتمثيل إذا طبقنا  عليه مثل هذا المبدأ على مآسي النوابغ في كل أدب؟. على أن فرتر مثال  العفة والإخلاص والإيثار والتضحية، فلا يمكن أن يعاب من  جهته الأخلاقية؛ والأستاذ أحمد أمين نفسه حين ألف كتابه    (الأخلاق) قد اقتبس صفحة منه وعزاها إليه

أما (رفائيل) فحبه حب عذري صوفي لا نجد له مثيلا في  الكتب ولا في الطبيعة. فهل يرى الأستاذ أن الحب جريمة وإن  لم يجُرُّ إلى معصية؟ إن كان ذلك رأيه فلم لم يحضر القرآن على  طلاب المسلمين لأن فيه (سورة يوسف)، والتوراة على الطلاب  النصارى واليهود لأن فيها (نشيد الأناشيد) ؟

لا أدري كيف قال الأستاذ: (ولم نر من الخير أن توضع  أمثال هذه الكتب في أيدي الطلبة لناحيتها الأخلاقية لا لناحيتها  البلاغية، ولو فعلنا لخالفنا ضمائرنا وهاج علينا أولياء أمور الطلبة

بحق) فهل نسي صديقنا الأستاذ أحمد أمين أنه رئيس (لجنة  التأليف والترجمة والنشر) وأنه هو نفسه الذي قرر طبع هذين  الكتابين على نفقتها، وأنه هو نفسه الذي طلب إلى وزارة المعارف  أن تشتري منهما لمكتبات مدارسها فاشترت؟

بقي الكتاب المسكين الثالث (في أصول الأدب)، وهذا  الكتاب هو مجموعة مبتكرة من المحاضرات والمقالات تدور  كلها حول الأدب وأصوله وقواعده. فليت شعري ماذا يريد  الأستاذ بوحدة الموضوع الذي لم يجدها فيه؟ نحن لم ندع أنه قصة،  ولم نقل أنه كتاب في موضوع معين. إنما هو بحوث نشرناها  مفردة ثم جمعناها تحت وصفها العام كما فعل العقاد في (المطالعات)،  والمنفلوطي في (النظرات)، والبشري في (المختار). ثم ما هذا  المستوى الذي وضعه الأستاذ للطلاب وجعل فوقه (في أصول الأدب)    وتحته (ضحى الإسلام)؟ وهل يصعب على الطالب الذي يفهم ضحى  الإسلام لأحمد أمين، وابن الرومي للعقاد، أن يفهم (في أصول  الأدب)  وأكثره مقرر على طلاب السنة التوجيهية حتى لم يجد  المعلمون والطلاب في العام المنصرم مرجعاً غيره في هذا المنهج؟ الحق أن أسئلة (سائل) لا تزال تطلب الجواب، وأن  اضطهادنا في وزارة المعارف يرجع إلى أسباب غير هذه الأسباب..

اشترك في نشرتنا البريدية