الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 155الرجوع إلى "الثقافة"

بين المجلة والقراء

Share

سيدي الأستاذ العميد طالعت ما كتبته في " الثقافة " ردا على استفساري المقنع الذي لم أفصح فيه عن مذهب من المذاهب ، حتى لا اتهم بأبي اعرض أمورا فيها " تضليل للجمهور " . فابيت يا سيدي مدفوعا بالفكرة القديمة المهيمنة عليك إلا ان تسفر ، غير ناظر إلى ان هذا الجمهور الذي تخاف عليه التضليل ، قد ينساق أيضا وراء الفكرة الخاطئة اذا هاجم مهاجم الفكرة الحديثة دون تمحيص ، وهذا هو الذي كنت انحاشاه ، حتى لا يندفع أحدنا في " تضليل الجمهور ، بحسن نية دون شك . ولئن كان سيدي أدرك أتي اعتب عليه من طرف خفي ، فما كان أحراء أن يرد ايضا من طرف خفي ، فيبتعد كلانا عن التجني في المناقشة ، سواء اكان على زميله أم على الجمهور .

وأري سيدي العميد يقول : " إن هذه الموضوعات لا تزال في طور البحث ، ولم يتصف منها ما صح وما لم يصح ، فعرضها على الجمهور على انها حقائق ثابتة فيه تضليل للجمهور " . وأقسم قسما لا حانثا فيه ولا آئما

أن مكتبة سيدي العميد ، وهي المكتبة العامرة الزاخرة ، تكاد تكون خالية من قسم يحوي الكتب القيمة الجامعية التي تبحث في الموضوع ، والتي تكون قد صفت منه ما صح وما لم يصح - ولا أكون قد تجنيت على سيدي إذا قلت له إنه أسرف في هذا القول إسراف المهاجم ولم يمسك إمساك الباحث المحايد ، وهو ما كان يجب أن يكونه . وإلا فمن أين جاء لسيدي أن البحوث في العلم الروحي الحديث لم تسفر عن نتيجة حاسمة يؤمن بها العلم ؟ وما هو البرهان الذي يطلبه سيدي عن اعتراف العلم بهذه البحوث ، إذا لم يكن هذا البرهان هو مصنفات الأساتذة الجامعيين المعاصرين وغير المعاصرين ، ومدونات جمعيات البحوث النفسية في أوربا وأمريكا ؟ وماذا يريد من العلم اكثر من اعتراف عدة جامعات به ، من بينها جامعة كمبردج التي أنشأت له منذ أكثر من سفتين تلمذة ودراسة ؟ وماذا يريد من اعتراف العلم إذا كان جمهور من غلاة العلماء المعارضين للعلم الروحي ، قد ألفوا فيه مصنفات هي من عيون العلم والأدب ؟ استطيع أن أذكر لسيدي أسماء من يزيدون على مائتين من أساتذة الجامعات ، وحوالي خمسمائة كتاب في العلم الروحي الحديث . وآخر ما وصلني

في هذا الصدد كتاب للعالم السيكولوجي الأمريكي الطائر الصيت الدكتور هيريوارد كارنجتون ، الذي كان فيما مضى أحد محكمي لجنة مجلة " سينتفك امريكان " في مباراتها المزمنة واسم هذا الكتاب " بحوث معملية في الظواهر الروحية " وفيه كثير من الأجهزة الدقيقة ، والتجارب المتقنة - الفاشلة والناجحة في شتي نواحي هذا العلم - مع تعليقات عليها

لقد أصدرت لجنة التأليف والترجمة والنشر ، التي يراسها سيدي العميد ، في سلسلة " خلاصة العلم الحديث " كتاب " فلسفة المحدثين والمعاصرين " . وقد سرد هذا الكتاب آراء كثيرين من أساطين الفلسفة أمثال دريش ووليم جيمس وبروض وغيرهم . والظاهر ان سيدي العميد ثم يقرأ اراء هؤلاء وغيرهم في العلم الروحي الحديث ، والأخير منهم هو الذي يشرف على الدراسة الروحية التي أشأنها كمبردج في كلية ترني . ويسرني ان يعلم سيدي ان كمبردج في سبيل التشجيع على الاقبال على هذه الدراسة تمنح كل طالب يقع عليه الاختيار ثلثمائة جنيه في العام .

ليت شعري : هل يساعد هؤلاء كلهم ومعهم جامعة كمبردج وغيرها على تضليل الجمهور قبل ان تسفر البحوث عن نتيجة حاسمة يؤمن بها العلم ، ؟ وهل تساعد جرائد " التيمس " و " صنداي تيمس " و صنداي جرافيك " و بكتشر بوست " و " سايكك نيوز " و " لايت " و نرورلدز " و بروكلين إيجل " و " سايكك ساينس " و " سايكك ورلد " وعشرات المجلات والصحف الأخرى على نشر " التخريف ، بين الشعوب الناطقة بالانجليزية ام ماذا ؟ وليلاحظ سيدي ان الخرافات في بلاد الغرب لا تقل عنها في بلاد الشرق . وأود من قلبي لو تبلغ " الثقافة " مبلغ هذه الجرائد في المنزلة وفي الذيوع

والانتشار . ولكن ضنت " الثقافة " بوحي سيدي العميد وتنفيذا لرغبته في حماية الجمهور من التضليل المزعوم الذي " لا تؤمن مغبته فاحجمت عن نشر ما يزين في الواقع اركان فلسفتنا الحاضرة ، ففي مصر غيرها من الجرائد والمجلات ، وبارك الله للروحية والروحيين في جرائدنا ومجلاتنا الغر : " المصري " و الوفد المصري " و " المقطم " والاهرام " و الدستور " و " الهلال " و المقتطف ، و الشملة " و الاثنين و المصور و العزيمة " و مجلة الأزهر " فقد أفسحت صدرها للبحوث والمناقشات الروحية . ولا اظن ان هذه الصحف كلها او بعضها اقل منزلة وذيوعا من " الثقافة " الغراء .

ولقد قال سيدي قبيل ختام تعليقه كلة حق وإنصاف أحمده عليها ، وهي " إذا ابت الجامعات ذلك لم تكن منصفة " . وإني جد مستمسك بهذه الكلمة . لقد وسمت كلية العلوم بالجامعة صدرها ، فألقيت فيها بدعوة من الجمعية العلمية فيها محاضرة عن " عالم الروح والعلم الحديث " ولم يوجه إليها أي اعتراض من جانب حضرات الأساتذة الذين شرفوني بالاستماع إليها . فهل تفسح كلية الآداب صدرها ، على الرغم من أن البحث في الروح يستلزم شفا من العلوم البعيدة عن دراسة الآداب ؟ إنني على استعداد لأن يساجلني سيدي العميد ومعه من شاء من حضرات الأساتذة مساجلة جامعية علنية . وحري بكلية الآداب وقد أقرت " فلسفة الموت " أن تبحث في حقيقة الحياة بعد الموت " تلك الحياة التي بشرت بها الأديان على اختلاف نزعانها ، وأن يكون البحث على أساس علمي تجريبي ، فقد شبعنا من فلسفة الكلام . وخثم سيدي تعليقه بذكر واجب القادة ، وهو منهم بالطبع ، في حماية الجمهور ، وضرب مثلا " منعهم عرض روايات السينما المثيرة والروايات التي تدعو إلي فكرة باطلة

ولو في نظرهم " ولم تفتني طرافة عبارة " ولو في نظرهم " فذكرني هذا بالاتجاه الروحي البادي في التأليف السينمائي أخيرا ، واقصد بالإتجاه الروحي عرض قضايا العلم الروحي الحديث في قالب روائي سينمائي . وقد حدث أن تقدم بعض المخرجين في لندن بروايه اسمها Spellbound اي المسحور ، إلى قسم مراقبة الأشرطة لفحصها ثم استصدار الأذن يعرضها . وكان ذلك في يناير الماضي ، فأبت المراقبة إباحة العرض إلا بعد موافقة الروحيين غير المحترفين بالطبع حتى لا يكون فيها مساس بهم وبهذا العلم الروحي الحديث ! ! ! وفعلا تقدم العالم الكاتب الأديب الخطيب الوسيط الروحي الذائع الصيت هائن سوافر ، وقد كان محررا في التيمس ثم في الديلي هرالد ، وكم دافع بقلمه عن القضية المصرية وطلب إباحة عرض هذه الرواية . ولم يكتف بذلك ، بل ظهر على الشريط يقدم الرواية للجمهور في كلمة بليغة . وعرضت هذه الرواية في سينما بيكاديلي بافلون بلندن ثلاثة شهور متتالية . وقد نراها قريبا في دور السينما هنا في القاهرة .

وقد يكون من غريب المصادقات أو من تهكم الأقدار ان يصلني امس فقط في البريد الخارجي الجزء الرابع من كتالوج شركة بوست بكتشرز الأمريكية للأشرطة السينمائية الناطقة مقاس ١٦ مليمترا لسنة ١٩٤٢ ، فاذا بي أراه يعلن عن شريط جديد عنوانه " عودة شاندو " ، ورايت في الاعلان عن هذا الشريط وصفا غريبا انتهى بلفت الانظار إلى " انتصار القوة الروحية على شرور السحر الأسود " . ومن مناظر هذا الشريط في الاعلان صورة تمثل استحضار الارواح في البلورة ، وهذه طريقة اخري للشريط السينمائي الاثيري الذي سبق لي ان ذكرت عنه شيئا في جريدة " المصري " في اكتوبر الماضي ، وقد تحدثت عنه كذلك في مقال " الاسراء والمعراج " سالف الذكر . وقد نري شريط " عودة شاندو " بعرض

في القاهرة كذلك ، وكل ما نرجوه أن تحمي الجماهير مما قد يكون فيه من " التخريف " الذي يحاربه القادة

وبعد فإلى هنا أقف بملاحظاتي على تعليق سيدي العميد . وهي ملاحظات يمليها على واجب البحث العلمي المنزه عن الهوي . ولعل سيدي لا يضيق صدره بها فيامر بنشرها إنصافا لحق المناقشة الحرة ، وله تحيتي واحترامي .

١٩٤١/١٢/٩ مدير إدارة السينما بوزارة المعارف الثقافة : ننشر هذا المقال عملا بمبدا حرية الرأي . وليس للثقافة ما ترد به على حضرته اكثر من رجائها إياه ان يعيد قراءة المقال الذي كتبناه في هدوء واطمئنان .

حول لصوص ولصوص :

قرأت في آخر عدد من الثقافة ذاك المقال الرائع ، الذي تسعى كاتبه بحرف " ز " وجعل عنوانه " لصوص ولصوص " ؛ فأعجبت بمعاني المقال إعجابي بمبانيه ، وأكبرت ادب الكاتب .

وفي معرض الغرض رمي إليه ، قد تذكرت بيتين للشاعر الفرنسي الأوحد في نوعه " لافونتين " كنت قد ترجمتهما بالحرف إلى لغتنا العربية ، ووفقت إلى نظمهما بيتين كما هما في الأصل :

ما بين لصوص ولصوص    فرق في الأعلى والادني لصغارهم " الشنق " المزري  وكبارهم الشرف الأسني ومن الاطلاع عليهما يتبين أن الأيام تدور دورتها ، ولكن يبقى من حقيقتها ان قسمة الناس ضبزي ، وان عدلهم بمقياسين ومعيارين في كل آن واين . وتفضلوا بقبول فائق الاحترام

المخلص خليل مطران

اشترك في نشرتنا البريدية