تعقيب
نشر الأستاذ النشاشبي في عدد " الرسالة " رقم ٥٧٧ بالصفحة رقم ٦١٧ حكاية عن سكران تعرض في الطريق لأحد القضاة ، فأنشده شعراً ، فأعرض عنه القاضي وترك الإنكار عليه ومضي لشأنه ؛ ثم علق على الحكاية مما يأتي :
" في (كتاب القضاة بقرطبة) : ما أتي عن القضاة من الإعفاء عن السكاري والتغافل لهم والرقة عليهم ، فلا اعرف لذلك وجها يتسع لهم فيه القول ويقوم لهم ، إلا وجهاً واحداً ، وهو أن حد السكر من بين الحدود كلها لم ينصه الكتاب المنزل ، ولا أتي فيه حديث ثابت " ١ هـ بحروفه
ورداً على ذلك أسرد الأحاديث الثابتة ، التي وردت في حد السكر :
1 - أخرج الإمام البخاري في صحيحه في كتاب الحدود ، وهو الكتاب السادس والثمانون في الباب الثاني منه (باب ما جاء في ضرب شارب الخمر) عن أنس ابن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب في الخمر بالجريد والنعال ، وجلد أبو بكر أربعين .
2 - وفي الباب الثالث (باب من أمر يضرب الحد في البيت) عن عقبة بن الحارث قال : جيء بالنعيمان أو بابن النعيمان شارباً ؛ فأمر النبي صلى الله عليه وسلم من كان في البيت أن يضربوه ، قال : فضربوه ، فكنت أنا فيمن ضربه بالنعال . وكذلك في الباب الرابع (باب الضرب بالجريد والنعال) عن عقبة مثل الحديث السابق ، وعن أنس مثل الحديث الوارد في الباب الثاني .
3 - وعن أبي هريرة قال : أني النبي صلى الله عليه وسلم برجل قد شرب ، فقال اضربوه . قال أبو هريرة : قمنا الضارب بيده ، والضارب بنعله ، والضارب بثوبه . فلما انصرف ، قال بعض القوم : اخزاك الله ! قال : لا تقولوا هكذا ، لا تعينوا الشيطان عليه.
4 - وعن السائب بن يزيد ، قال : كنا نؤتى بالشارب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإمرة إلى بكر ، وصدرا من خلافة عمر ، فنقوم إليه بأيدينا ونعالنا وأرديتنا ، حتى كان آخر إمرة عمر فجلد أربعين ، حتى إذا عتوا وفسقوا جلد ثمانين .
5 - وأصرح من ذلك في ذكر الجلد ما جاء في الباب الخامس (باب ما يكره من لعن شارب الخمر ، وأنه ليس بخارج من الملة) :
عن عمر بن الخطاب أن رجلا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان اسمه عبد الله ، وكان يلقب حماراً ، وكان يضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جلده في الشراب ، فأتى به يوماً فأمر به فجلد فقال رجل من القوم : اللهم العنه ؛ ما أكثر ما يؤتى به ! فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا تلعنوه ! فوالله ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله .
6 - وأصرح منه في ذكر عدد الجلدات ما جاء في صحيح مسلم في كتاب الحدود ، وهو الكتاب التاسع والعشرون في الباب الثاني (باب حد الخمر) عن أبي ساسان حضين ابن المنذر ، قال : شهدت عثمان ابن عفان وأتي بالوليد قد صلى الصبح ركعتين ثم قال : ازيدكم ؟ فشهد عليه رجلان أحدهما حمران أنه شرب الخمر ، وشهد الآخر انه رأء يتقيأ . فقال عثمان إنه لم يتقيأ حتى شربها ؛ فقال : يا علي قم فاجلده . فقال علي : قم يا حسن
فاجلده ؛ فقال الحسن : ول حارها من تولي قارعا (فكانه وجد عليه) . فقال يا عبد الله بن جعفر ! قم فأجلده . فجلده وعلي بعد ، حتى بلغ أربعين ؛ فقال : امسك ! ثم قال : جلد النبي صلى الله عليه وسلم أربعين ، وجلد أبو بكر أربعين ، وعمر ثمانين ، وهذا أحب إلي
هذه الكلمة أرسلتها إلي الرسالة فكان من الواجب عملاً بحرية النشر أن تنشرها ، ولكن امتنعت من نشرها . ولولا أن هذا شيء يمس أصلاً من أصول التشريع لما حركت قلمي فيه .

