الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 345الرجوع إلى "الثقافة"

بين المسموع والمقروء، ذكر أم أنث

Share

سألني سائل : كيف ان عدد الذكور يزيد في مصر على عدد الاناث ، في حين انه في أوربا يزيد عدد الاناث على عدد الذكور ؟

والجواب عن ذلك انه لابد اولا من النظر في الفرضين اللذين تضمنهما سؤال السائل

أما أن ذكور مصر زادوا على إناثها ، فهذا حسب تعداد مصلحة التعداد صحيح ، وأما ان إناث اوربا تزيد على ذكورها فأمر لا أري ان اوافق عليه قبل الرجوع إلي الإحصاءات ، في كل بلد من تلك البلاد

ولكن عندي الجواب عن سؤال هو أقرب إلي أسس القضية المعروضة من هذا . فالقضية المعروضة تختص بعدد النساء والرجال القائمين فعلا في امة او قارة أو قبيل ، وأنا أريد أن اتحدث عن عدد من ولدوا او يولدون من الرجال والنساء في هذه الأمة أو هذه القارة او ذاك القبيل أي أريد أن أتحدث عن النطف عند إثمارها ونضجها وخروجها إلى الكون صائحة تصبت

والفرق بين الحالين بين فالفرق بين بين عدد من يولدون من هؤلاء وهؤلاء ، وبين عدد من يقدر لهم العيش من بعد ولادة . فالعيش من بعد الولادة يخضع لعوامل كثيرة . فالحرب ، مثلا ، تقع في أمة فتذهب ببعض رجالها دون نسائها فيقل رجالها الاحياء عن نسائها الاحياء ، وقد أراد الله عند الولادة لهم المساواة ، بينا ان الحروب لا تقع في أمة أخرى فلا تؤثر في رجالها ، إلا ان تتدخل عوامل أخري كالأمراض والعادات فتقلب الميزان

لقد ذل لساني فقلت إن الله أراد لهم عند الولادة المساواة . فهل هذا صحيح ؟

أظن أن أكثر الأفهام يميل إلي القول بأنه صحيح فان لم يكن صحيحا وجب ان يكون صحيحا ، إذ كيف

يخلق الله الرجال ولا يخلق ما يكفيهم من نساء ، وفي هذه الكفاية صلاح الناس واستمرار الحياة ؟ او كيف يخلق الله النساء ولا يرسل إليهن ما يكفيهن من رجال ، فيترك أرضا خصبة دون بذرة تعمرها وترسل فيها النبات

والأصل في الخليقة هي المساواة بين الجنسين حقا ، ولكن الواقع هو ان الله شاء ان يزيد في اعداد رجال الدنيا عن أعداد نسائها شيئا طفيفا ، لا يزال على الأيام ثابتا

أما أن الأصل المساواة ، فناتج من قانون يسميه العلماء " قانون الاحتمالات " وهو قانون لا يعمل عند العلماء فحسب ، ولكنه يعمل عندي وعندك ، في البيت وفي الشارع ، وفي اليقظة والمنام ، وفي الحياة جميعا ما استغلق منها وما وضح

هب أنك ألقيت نردا ) زهرا ( على طاولة ، فأي أوجهه الستة يكون الأعلى ؟ ذو النقطة أو النقطتين ، أو الثلاث ، أو الأربع ، أو الخمس ، أو الست ؟ لاشك أن احتمالات هذا متساوية . ولكنك إذا القيت النرد عشر مرات فلن تكون النتيجة متساوية ، فقد تعلو النقطة الواحدة أربع مرات وقد تعلو النقط الثلاث مرة ، وتعلو النقط الخمس  مرتين ، وتعلو النقط  الست ثلاث مرات ، فيكون المجموع عشرا ولكنها تكون قسمة ضيزي ليس بها من المساواة شىء

ولكن زد عدد الإلقاء من عشر إلي مائة ، ومن مائة إلي ألف ، ومن ألف إلي مليون ، وهلم حرا ، فعندئذ تجد أن القسمة استقامت ، وأن الأوجه الست اخذت نصيبا واحدا من العلو والسمو

ومعنى هذا أن القانون يعمل ، ولكن في الحالات الكثيرة العدد وحدها

ومثل آخر ؛ مثل الريال تلقيه إلى عل ، ثم تلتقطه بين كفيك ، وهو نازل في الفضاء هابط . فكم مرة يعطيك وجهه ، وكم مرة يعطيك ظهره ؟ يعطيك هذا وهذا مرات متساوية ، إذا انت قذفت به الوف المرات .

ودخولا آخر لتفهم المزيد عن ظروف يعمل على مقتضاها هذا القانون :

إنك تلقي بالريال إلي عل ، ثم تلقفه وهو طائر . فما هي العوامل التي تؤثر فيه فيبدي وجهه ، او يبدي ظهره ،

عند استقراره على كفك من بعد لقفه ؟ إنها عوامل كثيرة فأول هذه العوامل حالته التى كان عليها عند قذفه ، أ كان وجهه الأعلى أم ظهره . وثانيها المستوي الذي كان فيه ، هل كان أفقيا أو رأسيا ، أو في وضع من الأوضاع الالوف المحتملة بين هذا الوضع وذلك . وثالثها ، بأي قوة قذفته ، وعند أي طرف من محيطة أدرته . ورابعها ، إلى أي علو علا وخامسها ، إلى اي علو هبط . وسادسها . . وسابعها . .

عوامل كثيرة وشتيتة

وهي عوامل مستقلة ، أي لا يستند بعضها إلي بعض .

فهذا شرط انطباق قانون الاحتمالات ، أو قانون المصادفات إن شئت : ان تكون العوامل المؤدية إلى النتيجة في المرة الواحدة عوامل كثيرة ، وان تكون عوامل مختلفة ، وان تكون عوامل مستقلة بعضها عن بعض ؛ ثم ان يزيد عدد المرات زيادة كبري ؛ وهي كلما زادت اقتربت احتمالات ظهور الأسود والأبيض من المساواة .

والآن إلي تطبيق ذلك في الإثمار عند بني الإنسان

إن ماء الرجل يحتوي الملايين من أجسام حية لا تراها لعين عارية ، ولكن تراها من خلال المجهر ، وهي إذا نظرتها من خلال العدسات وجدتها نسبح كما يسبح صغار السمك ، أو علي الأصح فراخ الضفدع - إن كنت رأيتها - وهي تسبح في كل اتجاه على غير قصد ، وبغير إرادة

ولكن هذه الأحسام الحية ، السابحة كأفراخ الضفادع ، ليست كلها سواسية إن بعضها به شئ صغير كشكل القضب ، وبعضها خلو منه

أما التي بها هذا القضيب فتنتج الأنثى ، وأما التي ليس بها هذا القضيب فتنتج الذكر ، وعدد هذه في السائل كعدد تلك .

فما الذي يحدث عندما يلتقي ماء الرجل بماء المرأة .

يحدث أن يجتمع باجتماع الماءين شئ عجب : خمسة ملايين من صغار تلك الأحياء التي جاء بها الرجل تتزاحم لتلتقي ببيضة المرأة واحدة فتلقحها . ولا يلقح البيضة ، وهي واحدة ، إلا حي واحد من تلك الأحياء ، فإذا ما فعل مات سائر هذه الأحياء ألوفا مؤلفة .

وهنا يأتي موضع السؤال المقصود من هذا المقال ؛ كم يخرج من الذكور وكم من إناث .

والجواب عند قانون الاحتمالات ، إن مليونين ونصف مليون حي منوي ينتج الأنثى ، ومليونين ونصف مليون حي منوي ينتج الذكر ، تهيم جميعها على غير هدى في ذلك الماء ، فأيهما يقترب من تلك البيضة الواحدة أولا تلك البيضة التي تقف على حياد مما يراد بها ؟ لا شك أن احتمال هذا كاحتمال ذلك عند المرأة الواحدة . فاذا نحن اعتبرنا ملايين النساء على اختلاف بيئاتهن وصور معيشتهن وتعدد أمزجتهن ، ظهر انطباق قانون الاحتمالات - قانون المصادفات ، على أوفق  شروطه .

ولكنا قلنا إن المولود من الذكور يزيد قليلا عن المولود من الإناث ، فكيف يكون ذلك ؟

وهنا نعود إلى النرد من جديد .

لقد قلنا إن احتمال ظهور وجه من أوجه النرد الستة ، دون سائر أوجهه ،  احتمال متساو لكل وجه من تلك الأوجه . فهل هذا بالضبط صحيح ؟

والجواب : لا ، لأن الوجوه كلها منقوطة ، وهي منقوطة بالحفر ، فالوجه ذو الست النقاط أخف من الوجه ذي الخمس . وذو الخمس أخف من ذي الأربع . وأثقل الجميع الوجه ذو النقطة الواحدة ، فاحتمال استقرار النرد عليه أكثر من استقراره على أي وجه آخر .

وكذلك الحال في الأحياء التي يتضمنها سائل الرجل . فلا بد أن شيئا في الأحياء الصغيرة التي تنتج الذكور يزيد على مثله في التي تنتج الاناث ، كأن يكون سرعة في الحركة او سهولة في اندماج

وإلى أن يكشف العلم هذا الشئ ، هذا السر ، هذا الفرق ، لا نستطيع أن نفسر تلك الزيادة .

وإذا انكشف هذا اللغز ، فقد يستطيع العلم ضبط ما يخرج الناس من ذكور وإناث  ، فيزيدون من هذا وهذا وفق الحاجة .

وهل يكون هذا شرا أو خيرا ؟

علم ذلك عند ربي .

اشترك في نشرتنا البريدية