ليس الموت واحدا :
حكم على رجل بالإعدام في جريمة قتل ، فطلب أن يرسل إلى خط القتال ليموت مقاتلا ، فلم يمنحوه هذا الشرف
الفرش الأبيض :
ينفع في اليوم الأسود . من أجل هذا تقوم في هذه الآيام دعاية واسعة بين جنود الحلفاء تستحنهم على التوفير من مرتباتهم استعدادا للسلم القادمة ، حيث يعودون إلى الحياة المدنية ويبدأون العيش من جديد .
ليت لنا من يدعو دعوة كهذه بين الجيوش من عمالنا الذين سيسرحون عند ختام الحرب كما يسرح الجنود .
نجهل الموز
في الحرب الماضية سمعنا عن قوم ولدوا أثناءها ونشأوا
فلم يعرفوا الجنيه إلا ورقة بنك نوت ، ولم يروه ذهبا إلا في المتاحف . وفي هذه الحرب ، حين انقطع وارد الموز عن انجلترا ، فسمع عن طفلة إنجليزية ولدت قبل الحرب بعام تعطي موزة فلا تعرف كيف تقشرها . فلما قشرت لها فأكلتها لم تستطعمها . وكان غرام الاطفال بالموز قبل الحرب معروف مشهور . كان به يطوع الطفل العاصي ويستأنس الطفل النافر .
نور بعد ظلام :
على الرغم مما يشاع نقيضا لذلك ، قد تحقق أن إظلام القاهرة بالليل سيزول قريبا ، فتضاء المنازل والشوارع والمحلات العامة وعربات النقل والسيارات ، وتعود الحال كما كانت قبل الحرب بالسرعة التى تستطيعها الإدارات الفنية المختصة ، ولا يبقى غير شرط واحد ، هو ان تظل الستائر على استعداد لحجب الضوء نوا إذا دعاها الداعي لهذا ، واحتمال هذا بعيد .
برعوهم بسرقهم
تزوج شاب وشابة ، فجاءتهم هدايا الأصدقاء ، وكان
من بينها تذكرتان للسينما ، وهي هدية في حد ذاتها غريبة ، ولعل في غرابتها إغراء بقبولها . وذهب العروسان يشهدان على الشاشة قصة الخيال الحلو ، في الوقت الذي كانت فيه تمثل في دارهما قصة الواقع المر . وعادا إلي بيتهما فوجدا كل هدايا العرس قد ذهبت ، اشتراها القاسي بثمن تذكرتي سينما .
أسبوع الحلاقين :
لأول مرة يغلق الحلاقون مخالقهم يوما في الأسبوع غصبا بقوة القانون ، وتحدد ساعات العمل للعمال في اليوم بإحدي عشرة ساعة !
قال أحد العمال وهو يقص شعري : إنه أول الفطر . سيكون لنا مدرسة ، ويكون مستشفى ، والدواء فيه بالمجان . ولن يستطيع صاحب الصالون اليوم بعد خدمة أعوام ، إذا غضب من عامله لتافهة ، أن يقول له اخرج فيخرج لتوه . فإذا سأله عنه صاحب عمل آخر بعد ذلك قال إنه أخرجه لأنه كان لصا . والإخراج اليوم لا يكون إلا بعد تحقيق بحضره ممثل العمال وممثل أصحاب الأعمال .
قلت : فكم من الأجر تأخذ عن يوم العطلة الجبري ؟ قال : كيوم المرض ، نصف أجرة . قلت : فهل ينطبق هذا على الريف ؟ قال : لا . وإنما على القاهرة وحدها . وقد تحركت الإسكندرية تطلب تطبيقه
وقد أكد لي أنه أمر عسكري ، ولكنه لم يصدر إلا بعد التراضي بين الطرفين في حضور مندوب الحكومة ، وقد أكبرت في هذا العامل الحلاق عقله وانثاده ، ثم لغته . واللغة محك الثقافة الذي لا يخطئ أبدا .
مصانع تحت الأرض :
تذهب إلى الريف فتجد الحقول عامرة بالعمل ، ففيها
الحرث وفيها الحصاد ، وليس في ظاهر الأرض ما يتم علي ما باطنها من مسارب كمسارب النمل بعمل فيها الألوف من النساء والرجال ، وتدور فيها المكنات فتحدث من الأصوات المزعجة ما لا يبلغ سطح هذه الأرض وقد خيم عليها سكون الريف .
ومن أمثلة هذه الصانع محجر في بطن الأرض ، أهمل من زمن فانطوي واندثر ، إلى ان نشرته الحرب الحاضرة . فهذا المحجر قلبوه مصنعا ، وفي سبيل ذلك اخرجوا من جوفه مليون طن من حجر وتراب ، ثم اخذوا يصممون المصنع في تلك الاعماق وقد بلغت مساحته بضع مئات من الأميال . واشتغل في بنائه . ٨٥٠٠ رجل ، فكانت منه مدينة صغيرة تحت الأرض .
وينزل إليه الرجال بثمانية مصاعد كهربائية ، فهو يبعد عن سطح الأرض اكثر من مائة قدم ، فهو في منجي من اعنف غارة .
وهواؤه مكيف ، ودرجة حرارته ثبتوها بين ١٥ و ١٨ درجة ، لا رعاية للرجال فحسب ، بل حفظا للآلات الدائرة والآلات التي تصنع فيه فهي دقيقة يؤثر في اطوالها التمدد القليل بالحرارة . وتضاء هذه المدينة الأرضية الصغيرة بضوء " فسفوري " اشبه ما يكون بضوء الشمس ، فإذا خرج العامل إلي ضوء النهار لم تعش عينه فيه .
وبدار هذا المصنع الأرضي علي أحدث ما تدار عليه المصانع . ففي غرفة القيادة الرئيسية تجمع المعلومات عن سير العمل ، ومنها ترسل الأوامر بالتلفون إلي كل قسم من الأقسام حيثما وقع مكانه
ولا يعرف هذا المصنع معنى النهار ولا معنى الليل . فالعمل يجري فيه ليل نهار ، وإنما يعرف ان العمال يتناوبون العمل فيه على ثلاث دفعات
وللعمال فوق الأرض منازل حديثة . وهي ستة اقسام
ينزل بالقسم منها ستة آلاف رجل وامرأة . وتتوفر في هذه المنازل وسائل الطب والتثقيف والرفه .
ولهذا المصنع أمثال كثيرة في إنجلترا ، قضت بها ظروف الحرب ، وكثيرا ما يزيد فيها النساء على الرجال .
والسؤال هل هذه المصانع الأرضية ستكون للسلم كما هي للحرب ؟ والجواب انها قد تكون للسلم ، ولكن المحقق إن رحابها ستبقى في انتظار الحرب القادمة
لورد (هوهو) :
لم ينصت أحد إلي الإذاعة الألمانية في سنوات الحرب الأولى إلا وسمع اللورد ، وهوهو " يقوم بنصيب الأسد فيها ضد الحلفاء . وقد منحه الألمان هذا اللقب تفخيما وإغراء . وكان الذائع انه إجليزي ، دلت على ذلك لغته الإنجليزية السليمة ولهجته القويمة ، فزاد هذا في أثر إذاعته
ومن عام ، حين تنكرت الأقدار لأآلمان ، كف عن الاذاعة رويدا رويدا ، وقرأنا عنه انه اعتراه حنين شديد إلي وطنه أكسبه كآبة دائمة .
ثم قرأنا بعد ذلك أنه عاد إلي وطنه إرلندا ، ذهبت به إلي سمائها طائرة ألمانية ، فهبط منها ببرشوط .
ثم قبض عليه ووجد معه مال كثير وآلة تصوير ومسدس . ولما أودع السجن هرب . ولقيه أبوه فسلم عليه . وتمزق قلبه لحظة بعد حب الوالد وواجب الوطن . ثم قال لولده : بابني ليس لك إلا التسليم . وأخطر البوليس وسلمه إلى رجاله
ليت شعري ما الذي عاد بهذا الشاب الضال ؟ ازيادة في خيانة ، أم حنين إلي الأهل . وهل تجتمع الخيانة والحنين في قلب واحد ؟ !
السكر المر :
في المحيط الهندي جزيرة صغيرة أكثر مصائبها ثلاثة : العواصف الهوجاء والملاريا والسكر . كانت تزرع
السكر وتكرره ، وكانت من زراعتها وصناعتها في رغد العيش . وكانت تبيع سكرها للهند واستراليا وجنوب أفريقيا وبريطانيا . ثم حدث ان اخذت استراليا وجنوب أفريقيا يزرعان القصب . والهند فقت على آثار هذين البلدين . وبريطانيا العظمي أرادت أن تحمي سكرها من البنجر فزادت الضريبة الجمركية على الداخل من السكر إلي بلادها . وبهذا انتقلت هذه الجزيرة من مزرعة للسكر ومصنع للسكر ، إلى مزرعة فحسب . واضطرت ان تبيع سكرها خاما . فهبط بذلك مستوي المعيشة عند أهلها بضياع الصناعة ، وعاني أهلها الفقر ، وهم ٠٠٠ ٦٠٠ نسمة .
والسكر يصنع في سياسة الامم ما لم تصنعه البرلمانات . وهو في الجزيرة الشهيرة ، جزيرة كوبا ، من الجزر الهندية الغربية ، يأتي بالزعماء الحاكمين ويذهب بهم .
جاء وقت على كوبا كانت فيه مصدر سكر للعالم كبير ، يذهب سكرها إلي اركان الأرض الأربعة . ثم أخذت الأسواق تضيق . فجرتها المقادير إلى أن تعتمد في تصريف سكرها على الولايات المتحدة وحدها . وحدث من عام ١٩٢٠ إلي عام ١٩٣٠ أن سلكت حكومة الولايات مسلك الحماية لزراعها ، فجعلت على السكر الاجنبي ضريبة يؤديها في الجمرك . فجر هذا على كوبا النوائب ، واهتز عرش دكتاتورها وتقلقل ، وقامت الثورة ، وجري الدم غزيرا في شوارع العاصمة ، هائانا . وظهرت مداخن الأسطول الأمريكي في أفق الجزيرة رهيبة منذرة .
ثم جاء روزفلت بسياسة حسن الجوار الأمريكية . واقتضت هذه السياسة فتح اسواق امريكا لانتجة جيرانها ، ودخل السكر الكوبي فاستطاعت كوبا أن تبيع في العام مليوني طن من السكر الابيض . ومع ان انتاجها كان في أيام الرخاء الأولى أربعة ملايين ، ولكن كان في هذين المليونين كفاية لتثبيت حكومتها وذيوع الأمن فيها .
ولكن من ثبتت الحكومة وأذاع الأمن ؟ ساسة وشنجين .
ومن قلقل الحكومة قبل ذلك وصبغ الشوارع بالدماء ؟ ساسة وشنجتن .
وهل كان عن عمد هذا وذاك ؟ لا . وإعا هي رقعة الاقتصاد ، أعقد من رقعة الشطريج ، لا ينجو من " كش الملك " فيها إلا خبير بصير كله عيون تصحو والناس نيام .
عند ما يصبح البقال عالما :
طلبنا إلى البقال أن يرسل إلينا بعض الحاجات . فأرسل مكان الجبن بيضا . فروجع في ذلك فقال : لم يكن لدي جين جيد فأرسلت بدله أقرب شئ إليه - البيض . وكلها ، بروتينات " بأفندم والدنيا حرب .
