الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 297الرجوع إلى "الثقافة"

بين المسموع والمقروء

Share

في الحمام التركي

في الحمام التركي ، على النمط الحديث ، تغدو الرجال وتروح عرايا كما ولدتهم امهاتهم . نعم أمهاتهم ، ولو اني أتحدث عن رجال طال عليهم العهد بالولادة والأمهات .

ومرقت هذه المرة بينهم ، وعينى تتفحص ، تطلب هذا التقويم الحسن الذي منحه الله بني آدم ، فلم أجد له وايم الحق ، وعوضي على الله ، مظاهر بينة . فمن جسم مقفع مقلع مضفدع كبعض الزواحف ، إلى جسم تقوس ، ولكن إلي الوراء ، من أجل بطن عظيم كريش قضت حكمة السير أن يوازنه تقعر الظهر

واتسع جدار البطن حتي فاض فانطوي على نفسه كما تنطوي العبادة طية وطية لسعتها .

وأرجل هذه الأجسام عرفتنى لماذا أغرم الرجال بالنظر إلي السيقان وهم في كراسي المقاهي على قارعة الطريق أو في كراسي السينما أمام الشاشة البيضاء كانت أرجلا كأرجل الأوز أحيانا ، وأرجل الفيلة أحيانا إلا أنه فاتها بعض انتظامها .

وخطوط الحدود لهذه الأجسام ، لو انت القيت بظلالها على حائط ما كدت تعرف أين بطونها ، وأين ظهورها .

والشعر ينبت أحيانا في حيث أراده الله ، وأحيانا في حيث لم يرده الله . وهو قد ينبت كثيفا أسود يذكر ببعض الأدغال ولكن في غير خفائها وجمالها .

خرجت من هذا الحمام وانا أحمد الله ، لا على حسن تقويم هذه الاجسام ، ولكن على نسبة الملابس التى تستر عن العين هذه الشرور والآثام .

الحجاب والسفور

وذكرت بهذا الحجاب ، وذكرت به السفور ، فوقع

في نفسي ان السفور إن كان له مزية حينا ، فكم للحجاب مزايا أحيانا . ووقع في نفس ايضا ان تمسك كثير من نسائنا بالحجاب لا يرجع أكثره إلي تمسك بمعنى من معاني الفضيلة ، ولكن إلي خشية ان يفضح السفور ما ستر الحجاب . ولست أعني بالسفور سفور الوجه وحده ، ولكن سفور الجسد ايضا او بعض سفوره ؛ أو حتى السفور بالخروج عن حيطان المنازل والاختلاط بالناس . كل هذا يتطلب من الطبيعة أن تكون سخية على الأجسام ، ويتطلب النظافة وحسن الهندام ؛ والخروج إلي الناس يتطلب التثقف والعرفان ، فان أعوزت هذه أو أعوز بعضها احتمي المرء والمرأة في التعزل والتحجب . وهذا سر ان الحجاب ، حجاب الأوجه من وراء البراقع ، او حجاب الأجسام من وراء الملاءات ، لا يزال باقيا مقيما في كثير من أوساطنا التي لا تستطيع دفع ثمن السفور .

احتجاب الشيخوخة

وإلي مثل هذا المعنى يرجع التغير في الأزياء بتغير السن ، حتي في الأمم التي من عادتها السفور . فالشائبة تكشف عن الساق والساق شائبة متسقة . وتكشف عن الذراع وهي رخصة ملتفة ناعمة ، ثم تظهر الاكمام من بعد ذلك وتطول ؛ والجلابيب المرفوعة بعيدا عن الأرض تقترب منها . حتى إذا مضي خريف العمر وحل شتاؤه ، تبدت لك تلك الشابة السفور وهي عجوز وقور ، قد حجبت شيخوختها ، فما تكاد تري منها موضع سوار أو مكان خلخال . حتي الرقبة تسترها في الحرير المهندم فتملأ نعومته العين فتغفل عما احتجب دونه من خشونة وتجعد ،

وشأن الرجال في هذا لا شك كشأن النساء ، إلا أنه يختلف درجة .

وشذ في هذا من الشيوخ غاندي ، فهو على تهلهل جسمه يعرضه على الناس ، ولعله يعرضه للعبرة إن فاته أن يعرضه للجمال .

خدم :

ولست أذكر الخدم لأعرض لجمالهم أو قبحهم . ولا لحجابهم او سفورهم ، ولكن لاعرض سوء حالهم أو على الأصح سوء حال الناس بهم

شكت لي سيدة شابة سوء ما تلقي منهم . قالت : كنت قبل الحرب أعطي للخادم جنيهين أو ثلاثة ، ثم بيني وبينه نقوم بخدمة البيت من نظافة ومن طهي وكنت ارضى ، وكان الخادم يرضي . اما اليوم فبضعف هذا المبلغ وثلاثة امثاله لا اجد الخادم الذي يعمل نصف ما كان يعمله خادمي قبل الحرب

خادمات :

قلت : فلماذا لا تستخدمين البنات ؟

قالت : هكذا تستخدمهن والدتي . ولكني لا أطيقهن أو قل إنهن لا يطقنني ايضا . وهن على كل حال لا ينفعن نفع الرجال ولا يغنين غناءهم . ولكن اصعب ما فيهن عندي حيرتهن بعد الفراغ فالبنت لابد ان تأنس كما يأنس الناس . فكيف أونسها وهي حيث هي من الثقافة أم أجعلها تطلب الأنس في بيوت الجيران !

جبل وجبل

قلت : فكيف تؤنسهن السيدة والدتك ؟

قالت في صراحة وهي تبتسم : أمي بحكم نشأتها وبحكم جيلها تستطيع أن تؤنسهن وتأنس بهن وعدا هذا فعندها منهن عدد وافر لا أدري ماذا يصنعن وفي الوفرة الإيناس . ولكن فيها كذلك قلة الإنتاج ، في حجرات البيت كما في حجرات الوزارات ، وفي الوفرة الإغراء بالكسل ؟

قلت : لمن ؟

قالت : للخادمات والسيدات على السواء . إن أشد ما يسوءني أن ادخل البيت فلا اكاد اسمع فيه من ربة

البيت إلا ؛ هاتي بابنت كوبة ماء خذي يا بنت الصينية . دوري لي يا بنت على الشبشب . انظري يا بنت من الطارق على الباب . تعالى يا بنت قصى لي اظافري . تعالى يا بنت انفخي لي في أذنى . فهل بعد هذا من كسل ؟ وقد تكون السيدة أقرب ما تكون إلي ما تريد من كل خادمة . ثم بعد ذلك تشكو السيدات من الحفة الشحم التي تلف بطونهن ، وقناطيرها التى تستقل بها اعجازهن ، ومما يصيب أمعدتهن من اضطراب ، وأكبادهن من تضخم ، وانفاسهن من تقطع . كل هذا لركونهن إلي الراحة بكثرة الخادمات

جعجعة ولا طحن

قلت : ولكني لا أجد هؤلاء الخادمات من امتلاء الجسم بحيث وضعت سيداتهن . وهن اللاتى تصفين بقلة الإنتاج

قالت : إني لم أقل إن الخادمات لا يعملن ولا يجهدن أبدانهن . ولكنهن كالطاحونة التي قيل فيها : أسمع جعجعة ولا أري طحنا . إن هؤلاء البنات يعملن من طلعة الصبح إلي ساعات كثيرة في الليل . وهن ليس لهن في هذه الفترة موعد للراحة معلوم ، ولا موعد للعمل معلوم حتى العمل لا يقدر وليس له وقت مقدور . إنه اختلال عام يشمل اكثر البيوت سيدات وخادمات وليس هو كذلك في الخادم الرجل الأسود المدرب الذي اختفى في هذه الايام ، وهو لنظامه ما كان يدخل هذه البيوتات ، وهو لنظامه لا تطيقه هذه البيوتات

أنانية

قلت : أم هي لا تطيقه لأمر يتصل بالأخلاق

قالت : إذن لم أطاقت الخادمات من البنات والنساء أم هي الأنانية لا تبتئس للضر ما وقع في غيرها ، ولا تدفع أسبابه إلا إذا هو وقع فيها .

نهاية

قلت : نهايته ، سيدتي إن الحرب ستنتهي ويعود إليك من ترضين من الخادمين .

قالث : لم يبق فيهم ما يرضي ، فقد أفسدتهم خدمة الجيوش : مال كثير ، وعمل قليل ، ودار للمؤونة ليس عليها حارس ؛ فكيف يصلح هؤلاء من بعد ذلك في بيوتنا المتواضعة ؟ !

عند هذا حضر زوج السيدة ، فما علم ما نحن فيه حتى رفع يديه مستجيرا إلي السماء .

منطق

مدرس في قرية تعيش على استخراج الفحم  من مناجمه وبتلك المناجم يستخدم القوم نوعا صغيرا من البغال يألفه صبيان القرية .

وجاء درس الجغرافيا ، وكان درسا في شبه جزيرة اسكندنافيا ، وهي شبه الجزيرة التي تضم بلاد السويد وبلاد النرويج . وأراد المدرس أن يثبت شكل تلك الجزيرة في أذهان الصبية ؟ فصورها لهم كبغل ارتمي على جانبه ، ظهره النرويج وبطنه السويد . وراسه ما تسفل من النرويج ، ورجلاه الأماميتان المطويتان ما تسفل من السويد

سمع بهذا ناظر المدرسة ، فاعترض . إن الكتب تقول إن شبه الجزيرة تشبه الدب لا تشبه البغل

وسمع المدرس اعتراض الناظر فخالف . لأن صبية القرية لم تر الدب ، ولكنها تألف البغال

قال الناظر : نعم  نعم ! ولكن الواجب تعريف الصبية بالدب أولا ، ثم يكون بعد ذلك التشبيه ؛ فتكون الفائدة فائدتين .

فأي المنطقين يجوز عندك أيها القارئ ؟ وكيف تظهر أحدهما على الآخر . حاول تجد أن الدفاع عما تحسه الصواب ليس دائما يسيرا .

رمضان

سأل ضابط أمريكى رجلا مصريا عن شهر رمضان ، فقال صاحبي المصري : أ تريد ان اعرفه لك على ما هو كائن

أم على ما يجب ان يكون ؟ فاختلط الامر على الأمريكي ساعة ، ثم قال احتياطا : على كليهما .

قال صاحبي : شهر أريد به أن يكون شهر الجوع ، فصار شهر الشبع ؛ ودليل على هذا ان الحا كم العسكري اباح اللحم في هذا الشهر كل أيام الأسبوع السبعة ، وقد كان مقصورا على أربعة . وهو شهر اريد به أن يمس الناس فيه العيش من جانبه الأخشن ، فإذا هم يمسونه من جانبه الانعم والأرفه ؛ ودليلى على هذا ظهور الحلويات والفطائر والكنافات وقمر الدين والقطايف والمشامش ، وصنوف البندق واللوز في هذا الشهر وهو شهر اريد ان يكون بسببه في ميزانية البيت فضل يظفر به الفقراء ، فإذا هو أكبر الأشهر ميزانية ؛ ودليلي على ذلك أنه أكثر الأشهر عند الناس استدانة . وهو شهر اريد ان تصح فيه الأجسام ، فإذا هي بالبطنة تعتل فيه ؛ ودليلى على ذلك اكتظاظ عيادات الأطباء من بعد فواته

سمع صاحبنا الأمريكى هذا ، فكأنما زاد عليه الأمر اختلاطا . ولكنه سكت خشية ان يكون في الاستطراد مساس بعقيدة

                          شيخ جليل ولكن

أبو بكر بن عياش عالم من علماء القرن الثاني الهجري ، حدث فقال :

كنت أنا وسفيان الثوري وشريك ، نتماشي بين الحيرة والكوفة ، فرأينا شيخا أبيض الرأس واللحية ، حسن السمت والهيئة . فحسبنا أن عنده لا شك شئ من حديث رسول الله ، وانه لابد ادرك من مضي  من الأولين .

وكان سفيان أطلبنا للحديث ، وأشدنا بحثا عنه . فتقدم إلي الشيخ وقال .

- يا هذا - أعندك شيء من حديث رسول الله ؟ فقال الشيخ :

- أما حديث فلا . ولكن عندي عتيق سنتين .

ونظرنا ، فإذا الشيخ خمار

اشترك في نشرتنا البريدية