الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 208الرجوع إلى "الثقافة"

بين تاليران ونابليون

Share

في الفترة الممتدة من أواخر القرن الثامن إلى أوائل القرن التاسع عشر تعرضت فرنسا لتقلبات جمة ، وتداولت الحكم فيها حكومات مختلفة الشباب ، متباينة المقاصد ، منها الملوكية العتيدة على الطراز القديم ، ومنها الحكومات الثورية الوشيكة الأجل السريعة الدثور ، ثم حكومة الديركتوار . وحكومة القنصلية ، والإمبراطورية النابليونية ، مع عودة البوريون وحكم لويز فيليب ، وكانت هذه التغيرات المتتابعة لا تخلو في أغلب الأوقات من العنف والشدة

وفي خلال هذه الفترة الحافلة بالتقلبات ، والمليئة بالأحداث الجسيمة ، والخطوب الجليلة ، كان يظهر على الدوام رجل بارز الشخصية ، ملحوظ المكانة ، عظيم الخطر ، وهذا الرجل هو السياسي الفرنسي الشهير تاليران ، والرجل الذي استطاع أن يلعب مثل هذا الدور ويرفع رأسه في اثناء هذه الموجات المتتابعة لا بد أنه كان رجلا قوي الشخصية .

موفور الحظ من الدهاء وسعة الحيلة ، والقدرة الفائقة على التقلب حسب الظروف والملابسات ، مع الذكاء الخارق والكفاية التامة التي جعلت الحكومات المختلفة الألوان تستعين به وتعتد برأيه .

والواقع أن هذا الرجل كان اعجوبة من أعاجيب الدهر ولغزا من ألغاز التاريخ والسياسة ، فلا تزال تختلف الآراء وتتعارض الأحكام والتقديرات في تفسير اعمال هذا " الأبى الهول ". فهو مثلا في رأى المؤرخ الإنجليزي المستردف كوبر " وطنى صادق الوطنية ، وسياسي راجح

العقل " ، والبحاثة الألماني الهر بلى ( Blei) لا ينكر عليه كفايته السياسية ولا يجحد حكمته ، ولكنه يرى " أنه لم يمزج نفسه بوطنه وإنما مزج وطنه بنفسه ؟ ، والكونت دى سنت أولير يري فيه نهازا للقرض بارعا ، توجهه فى

ذلك مصلحته الخاصة " أما السير جون ماريوت فيري أن شهرته تزداد سموا كلما امعنا النظر وأطلقنا البحث في حياته العامة ، أما حياته الخاصة فانها تتطلب منا التسامح والغفران . ويسلم دف كوبر بان الرجل كان يخون سادته ، وينصب لهم الحبائل والأشراك ، ولكنه يعتقد انه كان

في أعماق نفسه مخلصا أسمى لغرض أسمى من أغراض هؤلاء السادة ، وأبقى من النظم المتقلبة ، والحكومات الزائلة ، وهذا الغرض الأسمي هو مصلحة فرنسا ذاتها ؛ بل إنه كان يرمي إلي غاية اكبر وأجل من مصلحة فرنسا وهي المثل الأعلى لتحقيق السلام ونشر أعلامه في ربوع أوربا وقد نبى دف كوبر دراسته القيمة حياة تاليران على اساس هذا التصور ، وحلل أعماله ومواقفه في ضوء هذه النظرية .

وقد ولد تاليران سنة ١٧٥٤ في أسرة من أعرق الأسر الفرنسية ، وحدثت له في طفولته حادثة اصيب من جرائها بالعرج ، ونحي عن ميراث الأسرة وأوثر عليه اخوه الأصغر ؛ واضطر إلي أن ينشد المستقبل في الكنيسة ، ولم يكن بطبيعته صالحا لذلك لأنه كان حر الفكر فولتيرى النزعة ، مخلوع العنان في طلب المتعة والتحلل من

قبور العرف وأوضاع المجتمع ، ولكن القرن الثامن عشر كان يألف مثل هذا التناقض ولا يري فيه كبير بأس . ونبه شأنه بين رجال الكنيسة ، ثم خاض غمرات السياسة وخالط الثائرين ، وظهرت مواهبه في الحياة العامة ؛ وكان معروفا في المجتمعات الخاصة بسرعة الخاطر ، وحديثه

المستعذب ، وسمته الارستقراطي ، وتدلهه في هوي خليلاته الكثيرات ، وعشيقاته الفاتنات ؛ وكان مع ما عرف عنه من تقلب يحفظ عهدهن ، ويرمى ذمامهن ، حتى بعد أن يذهب جمالهن ونودعهن بهجته ورواؤه .

ولما بدأ عهد الإرهاب في فرنسا اضطر إلي الهجرة لانحداره من أسرة أرستقراطية ، وذلك برغم صدافته لدانئون وعلاقته بزعماء الثورة . وزار انجلترا والولايات

المتحدة ، ثم عاد إلي فرنسا سنة ١٧٩٧ حيث عين وزيرا للخارجية في حكومة الدير كتوار . وسرعان ما لحفلت عينه القائد الشاب نابليون بونابرت ، وقد ادرك بفطنته النافذة وبداهته الموفقة ان هذا الشاب هو رجل الساعة ، وبطل

الموقف ، فعاون على إحداث الانقلاب الذي مكن نابليون  من القنصلية ، وحفظ له نابليون هذه اليد فاستبقاه وزيرا للخارجية في عهد القنصلية وفي عهد الإمبراطورية

وكان هو الوحيد بين رجال نابليون الذي يستطيع ان يقف لهذا المارد الكورسيكى ، ويطاوله ويقتحم حومته التجارية الناضجة ، وبصره بأعقاب الأمور ، وعراقة الأسرة التي ينتمى إليها ، ومكانته العالية في نفوس أفبال أوربا العاهلة ، وأمرائها الأرواع ، وساستها الافذاذ ، وسائر

رجالها الأعلام . وكان نابليون يشعر بحاجته إليه لمعرفته الواسعة بالتقاليد المرعية ، ومستلزمات السياسات الدولية مع الكياسة في تصريف الأمور ، واللباقة في حل المشكلات ، قال عنه نابليون الكثير من الصفات اللازمة لمباشرة المفاوضات ، فعنده تجربة رجل الدنيا ، وله دراية بالبلائط الأوربية ، وعنده الذكاء والالمعية

وشيء آخر أكثر منها وهو ذلك المحيا الذي لا يتحسر قناعة ولا تم على شيء اساريره ، ثم الأسم العظيم الذي يحمله ونلمح من ذلك ان إعجاب نابليون به كان من قبيل إعجاب النقيض بنقيضه ؛ فقد كان نابليون محتدم المزاج ناري الطبع ، ينقصه عدوه تاليران الذي لا يروع سربه ، ولا تهبل الحوادث من جانبه واقتداره على ضبط نفسه .

وكان نابليون في طالعة أمره يركن إليه ، ويثق به وهو يمحضه النصح ، ويصارحه الرأي ، دون ان يتخشع له أو أن يتضاءل أمامه ، وقد حرض نابليون على ملاينة البريطانيين ونصح له بأن يصالحهم ، وان يعمل على تصفية الجو بينه وبينهم ، وذلك لتوطيد السلام واستئباب الأمن والطمأنينة ، ولكن نابليون اعلمه النصر ، وطار بلبه حب

الحرب وغيره إجلاب القواد حوله ، وتفانيهم في طاعته ، فركب رأسه ، واندفع في الطريق الذي ازدلف به إلي الهاوية السحيقة . وكان تاليران يري أن سلامة أوربا ومصلحة فرنسا أجل شأنا من الولاء لنابليون ، ولذا بدا منذ سنة ١٨٠٧ بأثمر بسيده ، ويعمل علي تفويض ملكه ، وهدم دولته ، وأصبح عينا للقيصر الإسكندر الاول عاهل

الروس يوافيه بأخبار سيده ، ويفضى إليه بأسراره واتجاهاته ؛ واحس نابليون خيانته ، وعرف دخل سريرته فتركه في منصبه ولم يبادر إلي عزله وإقالته . ولكن لماذا لم يعزله نابليون ليأمن دسائسه ويتقي خطره ؟ ومن الحكم المأثورة عن مكيافلي قوله : " إن الأمير إما ان يسحق ويهلك ، وإما أن يحتضن ويقرب ، أما أنصاف الحلول فإنها ضارة به " ولم يدرك نابليون ذلك على ما يظهر إلا في

أيامه الأخيرة في فونتيناو حيث قال : " إنه كان يلزم إعدام هذا الخائن - تاليران - شنقا أو رميا بالرصاص " ولعل نابليون كان يري الاحتفاظ به لفرط حاجته إليه مع حكمه عليه " بأنه دساس ، وانه لا أخلاق له ، وانه موفور الحظ من الذكاء ، وانه خير وزرائه " .

وكان نابليون شديد الاعتداد بنفسه ، والثقة بقوته ، فهو يعتقد أنه بمأمن من دسائس تاليران ، وانه يستطيع سحقه حينما يشاء ؛ وقد اخطأ نابليون فهم طبيعة هذا الرجل ، فقد حاول سحقه وإخضاعه لمشيئته في ذلك المشهد التاريخي المأثور ، والحادث الذي لم يستطع تاليران أن يغتفر ، وهو حادث يوم ٢٨ يناير سنة ١٨٠٩ ،

وذلك أن نابليون كان في أسبانيا يحاول الإجهاز عليها ، وإتمام غزوته ، فنعي إليه ان تاليران وفوضيه وزير الداخلية قد تهادنا واتفقا ، وان فوشيه شوهد في منزل تالييران ، وانه تلقاه بالترحاب واقبل عليه ، وخلا به طويلا ، وتسايرا على مرأي من الحاضرين ، مما آثار الدهشة وأطلق الأقاويل والإشاعات ، فهم ذلك الخير

نابليون وعناء وأفض مضجعه .

تاليران يضع يده في يد فوشيه ويتزاوران ويتشاوران ، خطب جليل وواقعة سوداء ! فغادر نابليون أسبانيا مسرعا وعاد إلي باريز ووصل قصر " التولري " يوم ٢٣ يناير ؛ وبعد ذلك بأيام قلائل عقد اجتماعا دعا إليه اعيان الدولة والوزراء وبينهم تاليران وفوشيه ، وبدأ نابليون حديثه بملاحظات عامة أبان فيها أنه ليس من حق رجال

دولته أن يروا رأيا غير رأيه ، وأن الشك في آرائه نوع من الخيانة ، وأن مخالفته هي الجريمة بعينها ، ثم اندرأ على تاليران بالشتائم الجارحة ، والسباب المقذع ، واستمر مدة تقارب نصف الساعة وهو لا يترك نقيضة من النقائض إلا قذفه بها ، ولا جريمة من الجرائم إلا رماه بارتكابها ، فهو لص وجبان وخائن ، وانه لم يخلص في اداء واجب واحد من واجباته ، وانه خدع كل من

عمل معهم ، وانه لا يؤمن بالله ، وانه لا يحجم عن بيع أبيه ، وألقي عليه تبعة قتل دوف دانيان ، وحرب الجزيرة ؛ وساءه ما يبديه من عدم الاكتراث واغاظه فعيره بعرجه وخيانته زوجته ، ثم هز قبضة يده كأنه كان يهم بضربه وقال له : " إن في وسعى أن أحطمك كما احطم الزجاجة ، وإني على مثل ذلك لقادر ، ولكنني احتقرك الاحتقار كله ، فلا أكلف نفس هذا التعب ( كل ذلك وتاليران متكئ

على منضدة صغيرة إلي جانب الموقد ساكن الجأش ، كأنما كان المقصود بهذا السيل المنهمر من الشتاثم غيره من الناس . وهال ذلك الحاضرين فقد سلك الإمبراطور سلوكا غير لائق ، وتناسي ، وقاره . وانفرط المجلس فى عقب ذلك ، والتمليق الوحيد الذي قاله تاليران لأحد الذين كانوا حاضرين وهو يطلع في خروجه من رواق القصر : " مما يؤسف له ان يكون مثل هذا الرجل العظيم هكذا سيئ "النشأة" ، وفي المساء روي الخبر لصديقته مدام دي لافال ، فأومضت عينها ببريق الغضب وهي تصغي إليه ؛

ثم قالت له في النهاية وهي مغيظة محنقة " لقد أصغيت لذلك كله ولم تحاول أن تعلوه بكرسي أو تقذفه بشيء آخر " فأجابها تاليران غير عابىء : " لقد فكرت في ذلك ولكني كنت أكثر كسلا من أن احاوله . وظل تاليران بعد ذلك على سابق اتصالة بنابليون ولم ير ما يدعو إلي مقاطعته ومباعدته

وفي مؤتمر فينا تجلت مواهبه واستطاع ان يرفع رأس فرنسا المغلوبه على أمرها ، وأرغم بدهائه وحسن مدخله الوزير الإنجلزي كاسلري علي ان يضمه إلي صفه في جانب النمسا ليكونوا جميعهم جبهة في وجه مطامع روسيا وبروسيا .

ولم ينس تاليران إهانة نابليون له ، ولم يغفرها له . ومن المحتمل أن يكون هذا الرجل قد عمل على إسقاط نابليون انتقاما لشخصه ، وشفاء لحزازته ، لا لمصلحة فرنسا وأوربا كما ادعي بعد ذلك وقد ظل تاليران يمقت نابلبون أشد المقت ؛ وقد روي عنه الحديث الآتي جان جبريل إيناردا في مذكراته عن مؤتمر فينا .

قال تاليران : " إني لأذكر باشمئزاز مؤتمر ارفرت حيث اجتمعت العواهل تنتظر في ذلة وضراعة تقديم فروض الطاعة للرجل الذي لم يترك فرصة تمر دون أن يتعمدهم بالإهانة . وقد كان بونابرت شديد الشعور بقوته المنيعة ولكنه لم يكن عظيم النفس ، فكلما افرط إنسان في

الخضوع له تخطى إليه بالإساءة ، وغالي في امتهانه ، وفضلا عن ذلك كان الجبن من صفاته الاخلاقية الواضحة ، وكان جبانا في كل مظهر من مظاهر طبيعته " .

فاظهرنا دهشتنا البالغة عند تكراره ذلك القول ، فأصر تاليران على رأيه وقال :

" نعم يا سادة لقد أظهر جبنا في كل موقف

فقال له المسيو دفرنوا (Dlvuernois ) على أي حال فإن شهرته على نقيض ذلك " .

فقال تاليران : " لان احدا لم يعرفه معرفتي به ، وفي

وسعى أن أقدم لك ما تشاء من البيانات ؛ فمن أمثلة ذلك أنه كتب إلي خطابا في المساء قبل موقعة اوسترلتر يتم على الخور وتمكن الضعف منه ، وفي الصباح بعد انتهاء المعركة كتب إلي خطابا غامضا ملتبسا ، وأثناء القتال في جروس اسبرن ، اختبأ خلف سرحة وطاش صوابه ؟ وعندما خانه الحظ فقد همته ومضاءه وهذا الرجل الذي كانت ثقته بنفسه في أيام الرخاء لا تحد ، كان عند ما يعبس له الحظ يستجدي كل إنسان النصيحة ، ولا يترفع عن مشاورة صغار الضباط وسواس الخيل

قال تاليران ذلك بمرارة وغيظ ، فألقيت إليه بهذه الملاحظة : " إذا صح ان نابليون كان جبانا ، فكيف اتفق انه كان ولوعا بركوب الأخطار ، والتعرض لعقليات الامور ، وكان على الدوام مشغول البال بإثارة حروب جديدة

فتحاشي تاليران الإجابة عن هذا السؤال وأخذ في ناحية أخري فقال : " كان جبنه يظهر في كل شئ ، فعلى المائدة كان لا يشرب الماء من الكأس القريبة منه ويعمد إلي تناول الكأس الموضوعة في مؤخرة المائدة ؟

فقال المسيو بكتبه : " ولكنه في باريز كان يسير منفردا أو مصحوبا بحاشية قليلة " .

فقال تاليران : " لا تصدقوا ذلك "

فقلت له : " ولكني أتذكر يا صاحب السعادة أني لقيته وحده مع ديروك " .

" يحتمل أنه كان يدور في خلده أنه لا يستطيع أحد معرفته ؛ ولقد بلغ منه الجبن انه كان عندما يسافر يبالغ في الحيطة ضد القتل . ولقد سافرت معه في نفس العربة وكانت غاصة بالفرش مبطنة بالورق ليكون ذلك كله وقاية له من القنابل . "

فقال بكتبه : " ما تقررونه سعادتكم يزيد الأمر غرابة لأن نابليون وفق في إقناع الجميع بشجاعته ؟ .

" لقد استطاع ذلك لأنه لم يوجد إنسان أمهر منه فى

التمثيل ، فهو غاش مخادع في الصميم ، وأعظم مواهبه هي عبقريته في التدليس والغش ، ولقد عزا نجاحه في الدنيا إلي دهائه قبل كل شئ ، وكل شخصيته ثم على ذلك ، وعندما يمشي يحرك جسمه المنبهج ويهزه هزا ، وله بنية الأفعي ومكرها . "

وبينما هو يقول ذلك هب واقفا وحاول بجسمه المترهل وساقية المتهدلتين المعوقتين أن يقلد مشية نابليون .

فسأله المسيو دفرنوا : " إذا لم يكن نابليون شجاعا فكيف اتفق أنه أحرز الشهرة بين جنوده ؟ "

" لقد حل المكر محل الشجاعة ، وكانت له قدرة فائقة على الاستفادة من الحوادث التافهة ، واستجاشه حماسة رجالة بها  وقد حديث انه لما عاد من المفاوضات التي انتهت بمعاهدة كامبو اقامت الحكومة حفلة عرض عسكرية تكريما له ، فلما دخل ساحة قصر لكسبيرج في غرة الظهر تظاهر بالتفزع وزعم انه رأي نجمة يتلالا نورها

فوق القصر حيث يجلس ، ووفق في إقناع حاشيته إلي حد أن كثيرا من الحاضرين ومنهم المسيو هوتريف - وهو رجل اثق به ثقة كبري - قالوا أيضا إنهم أبصروها ، بل هناك ما هو اكثر من ذلك ! أثناء موقعة اوسترلز زعم نابليون أنه رأي نفس النجمة التي أبصرها تتلألأ من قبل فوق ساحة قصر لكمبرج فتوهم كثير من الضباط

انهم رأوها وشعروا بانهم واثقون من الفوز ونابليون كان يستطيع أن يتقن الغش ويحسن الحيلة ولكنه لم يكن شجاعا البته

فقلت : " إذا لم يكن شجاعا فكيف حدث أن مجرد شهرته أثرت في الجيش النمساوي حتي خارت عزائم وحداته عند ما ذاع خبر انضمامه إلي جنده ؟ "

فلم يحاول تالييران تفسير ذلك ، وقال : " هذه حقيقة لا استطيع إنكارها ، ففي سنة ١٨٠٩ كان تحت قيادة سناريون جيش من احسن جيوش الدنيا وكان تام الأهبة ،

منسق الفيالق متحفزا للهجوم ، ولم يكن مع نابليون جيش ، فجاء إلي رجنزبرج وهو يكاد يكون منفردا ، فاستطارت شهرته جنان الباقرين وفتت في عضد النمساويين وكان من جراء ذلك أن انهزموا هزيمة منكرة " .

وهكذا ناقض تاليران نفسه بدون أن يعلم وبدون أن يلاحظ هذه الحقيقة ، لأنه كيف يستطيع إنسان مجرد من الشجاعة أن يغامر بشهرته وسلامته ضد قوات أكثر منه عددا ويناجزها القتال ويستلحم لها في معركة ؟

وظل تاليران يردد بقية حياته التي امتدت إلي سنة ١٨٣٨ أن ما كان حكيما في سياسة نابليون وخططه فهو من وحيه وتفكيره ، وما كان خطأ وتهورا فهو من عند نابليون نفسه . ولكن أكثر المؤرخين لم يتفقوا على تصويب هذا الرأي ، لأن تاليران نفسه لم يكن مثالا يحتذي في صدق الحديث ورواية الأخبار .

اشترك في نشرتنا البريدية