يرجع تاريخ استخدام الدبابات في الحروب إلى وقت نشوء العجلات الحربية. وقد وجد في العراق كثير من التصاوير التي تكشف لنا عن وجود العجلات غير الحربية منذ سنة (٢٠٠٠) قبل الميلاد، أما الحربية فوجدت في الصين سنة (١٤٥٠) ق م وظهر بنتيجة البحث ولتدقيق أن استخدام الدبابات لأول مرة في التاريخ كان في إحدى الحروب الدائرة بين المصريين والميتانيين (الانسيكلوبيديا التركية (اينونو) ج٣، ص١٩٥، سنة١٩٤٩).
وفي الواقع كان المصريون القدماء أول من استخدموا الدبابات في الحروب، ومن بعدهم الآثوريين فاليونانيون القدماء ومن بعدهم العرب (تاريخ التمدن الإسلامي، جرجي زيدان، ج١، ص١٦٠) .
وكان المسلمون يتخذون الدبابات لتسلق أسوار العدو، وهي آلات من الخشب الصفيق، وقد تكون طباقاً، وتغلف بالجلود المنقوعة الخل لدفع النار. وتركب على عجل مستدير يدفعها الرجال ويصعد الجند في أعلاها ويستعلون على السور. قد يستخدمون الدبابات لهدم الأسوار فيسيرونها ويحتمون بجدرانها ويجعلون رأسها محدداً يصدمون بها الأسوار حتى تهدم (المرجع السابق) . وقد أستخدم المسلمون الدبابات لأول مرة في السنة الثامنة من الهجرة أثناء غزوة الطائف (أحمد رفيق، الغزوات النبوية، حاشية ص٤٥) .
وكذلك جاء ذكر هذه الآلة في كتاب آخر للأستاذ نفسه (باللغة التركية) وهو كتاب (تاريخ الانتصارات العثمانية) نقلاً
عن كتاب (كوكب المسعود في كوكبة الجنود لابن إسحاق ص٧٧) . أنه في غزوة الطائف استخدم المسلمون الدبابات المصنوعة من جلود الأبقار التي لا تتأثر كثيراً بمقذوفات العدو، وتقدموا بها نحو السور لإحراق الأمكنة المجاورة له. غير أن أفراد قبيلة ثقيف المحصورين في البلدة بدءوا يرمونها بقطع الحديد المحماة بالنار. . . (حاشية ص٢٥٠، ٢٥١من المرجع السابق) .
ويبحث الأستاذ محمد حسين هيكل في كتابه (حياة محمد) عن استخدام المسلمين الدبابات في غزوة الطائف بشيء من التفصيل، فيقول:
أنه لم يكن من اليسير أن يقتحم المسلمون هذه الحصون المنيعة إلا أن يلجئوا إلى وسائل غير التي ألفوا حتى اليوم حين حاصروا قريظة وخيبر. . . فما عسا أن تكون هذه الوسائل الجديدة التي يهاجمونها بها؟. . .
وكان لبني دوس (إحدى القبائل المقيمة بأسفل مكة) علم بالرماية بالمنجنيق ومهاجمة الحصون في حماية الدبابات. وكان أحد رؤسائها الطفيل قد صحب محمداً منذ غزا خيبر؛ وكان معه عند حصار الطائف؛ فأوفده النبي إلى قومه يستنصرهم؛ فجاء بطائفة منهم ومعهم أدواتهم؛ فبلغوا الطائف بعد أربعة أيام من حصار المسلمين إياها. ورمى المسلمون الطائف بالمنجنيق وبعثوا إليها بالدبابات دخل تحتها نفر منهم ثم زحفوا بها إلى جدار لطائف ليخرقوه، ولكن رجال الطائف كانوا من المهارة بحيث أكرهوا هؤلاء على أن يلوذوا بالفرار. فقد أحموا قطعاً من الحديد بالنار، حتى إذا انصهرت القوها على الدبابات فحرقتها، فغر جنود المسلمين من تحتها خيفة أن يحترقوا. (حسين هيكل، حياة محمد، ص٤٢٠، ٤٢١) .
ويظهر أن الدبابات في السابق وإن كانت لها قيمة كبرى في الحروب لإخافة العدو وإثارة ضجيجهم، فإنها لم تنل حظاً في إحراز النصر حيث كانت عرضة للاحتراق، فإن موادها المركبة من الجلود والأخشاب كانت سريعة التأثر بالنار. وقد حاول المهندسون المسلمون عبثاً إيجاد بعض الوسائل لتقيها من الأخطار المعهودة. فاستعملوا الجلود المبلولة بالماء والمستقاة بالخل ولكنهم لم يفلحوا.
ويحدثنا الأستاذ أحمد بدوي في مقال له تحت عنوان (القوة الحربية في مصر والشام) كتبه في مجلة الرسالة عدد ٨٠٩ وتاريخ ١٤ - مارت - ٩٤٩ نقلا عن (النوادر لابن شداد، ص١٠٣) عن عظمة الدبابات التي استخدمها العدو في حصار عكا، بما يلي:
(صنع العدو ثلاثة أبراج من خشب وحديد وألبسها الجلود المستقاة بالخل بحيث لا تنفذ فيها النيران؛ وكانت هذه الأبراج كأنها الجبال عالية على سور البلد، ومركبة على عجل يسع الواحد منها من المقاتلة ما يزيد على خمسمائة نفر، ويتسع سطحها لأن ينصب عليه منجنيق، وقد ملأ ذلك نفوس المسلمين خوفاً ورعباً، ويئس المحاصرون في المدينة، ورأوها وقد تم عملها ولم يبق إلا جرّها قرب السور. وأعمل صلاح الدين فكره في إحراقها ووعدهم على ذلك بالأموال الطائلة والعطايا الجزيلة، ولكن ضاقت حيلهم عن ذلك. وكان من جملة من حضر شاب نحاس دمشقي ذكر بين يديه إن له صناعة في إحراقها وأنه إن مكن من الدخول إلى عكا وحصلت الأدوية التي يعرفها أحرقها، فحصل له جميع ما طلبه، ودخل إلى عكا وطبخ الأدوية مع النقط في قدور نحاس حتى صار الجميع كأنه جمرة نار، ثم ضرب واحداً بقدر فلم يكن إلا أن وقعت فيه، فاشتعل من ساعته ووقته، وصار كالجبل العظيم من النار طالعة ذؤابته نحو السماء واستغاث المسلمون بالتهليل، وعلاهم الفرح حتى كادت عقولهم تذهب. وبينما الناس ينظرون ويتعجبون إذ رمى البرج الثاني بالقدر الثانية فما كان إلا أن وصلت إليه واشتعل كالذي قبله فاشتد ضجيج الفئتين، وما كان إلا ساعة حتى ضرب ا لثالث فالتهب وغشي الناس من الفرح والسرور ما حرك ذوى الأحلام).
وحسب ما نعلم كانت هذه المواد هي زيت النفط والكبريت والجير والقار فتتكون النار اليونانية. وقد أشار إلى استعمال المسلمين هذه النار في الحروب الصليبية الأستاذ كوستاف لوبون في كتابه (المدينة العربية، ص ٥١٤، ٥١٥) .
ويروى الأستاذ أحمد بدوي في المقال السابق الذكر نقلا عن (خطط المقريزي، ج ١ص٣٤٧) أن الفرنج هاجموا دمياط سنة ٦١٥في آخر أيام العادل وعملوا آلات ومرمات وأبراجاً متحركة

