الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 217الرجوع إلى "الرسالة"

تاريخ المقاهي

Share

قرأنا في إحدى المجلات الأوربية الكبرى بحثاً طريفاً في  تاريخ المقاهي؛ خلاصته أن المقهى منشأة شرقية عرفت أولاً في  الشرق. وفي أواسط القرن السادس عشر سافر إلى المشرق  طبيب ألماني يدعي ليونارد راوفولف وزار الشام، ورأى في مدينة  حلب أول مقهى وشرب فيه أول قدح من القهوة شربه في حياته،  وعاد إلى ألمانيا يصف المقهى والشراب الأسود الذي يشبه الحبر؛  وكان المقهى في تلك العصور لا يخرج عن مكان مفتوح يؤمه  الناس ويشربون فيه القهوة جلوساً على الأرض؛ وكانت القهوة  قد عرفت في البلاد العربية قبل ذلك بنحو مائة عام، ولم يكن  المقهى ذائعاً إلا في العواصم الكبرى؛ وعرف الترك المقهى من  العرب، وظهر في قسطنطينية أول مقهى في سنة ١٥٥٤؛ أما في  مصر فقد عرفت المقاهي قبل ذلك بنحو نصف قرن.

ومضى قرن آخر قبل أن ذاعت المقاهي في أوربا؛ وفي  سنة ١٦٤٥ ظهرت في البندقية أول دار من هذا النوع؛ ثم  ظهرت في لندن وأكسفورد بعد ذلك بقليل؛ وكانت القهوة  فيها على الطريقة الشرقية. ولم تلبث المقاهي أن ذاعت في إنكلترا  بسرعة. ولبثت المقاهي ممنوعة في روما حتى أوائل القرن  الثامن عشر. وظهرت المقاهي في فرنسا في أوائل القرن  السابع عشر، وافتتحت في باريس سنة ١٦٨٩ دار أنيقة سميت  قهوة بروكوب؛ وكان الفيلسوف فولتير من روادها. فذاع من  بعده ارتياد الأدباء للمقهى؛ ولم يظهر المقهى في برلين إلا في أوائل  القرن الثامن عشر.

وكان المقهى في تلك العصور مركزاً للمقابلات والسمر،

ولم يعرف الموسيقى إلا في أواسط القرن الثامن عشر؛ إذ افتتح  في برلين أول مقهى موسيقي؛ وان هذا النوع من المقهى قد  عرف قبل ذلك في باريس؛ وكانت الفرقة الموسيقية التي تختار  للعزف فيه تؤلف عادة من بعض الموسيقين العميان؛ وكانت  المقاهي تسمى في فينا بالمنتديات الفضية لأن الموائد والكراسي  والمشاجب كانت من معدن يطلى بالفضة. وفي سنة ١٧٩٠ ظهر  في لندن مقهى من نوع خاص لا يدخله سوى السيدات؛ ويتولى  الخدمة فيه سيدات. كذلك ظهر في لندن أول مقهى وضعت  فيه مائدة البليارد، وكانت عند ظهورها عجيبة من العجائب.

وتطورت المقاهي بعد ذلك. وتفنن أصحابها في تجميلها  وتأثيثها وتزويدها بمختلف الملاهي من الموسيقى والغناء وورق  اللعب والرقص وغيرها، وبلغت ما بلغت في عصرنا من الأناقة  وحسن التنظيم؛ وكثرة التنوع والافتنان في كل ما يجلب المسرة  والمتاع إلى نفوس الزائرين، وأضحت منتديات للسمر والسياسة  والأدب.

اشترك في نشرتنا البريدية