من جاش بالوحي المقدس قلبه
لم يحتفل بحجارة الفلتاء
الشابي
مقدمة تمهدية
للشابي تجربة يختلف النقاد فى تجديد ابعادها وتغيير وزنها باختلاف الزوايا التى ينظرون منها لهذه التجربة ، وباختلاف الطرائق المنهجية التى يتبعونها فى دراسة أو تحليل هذه التجربة .
فالباحث لتجربة الشابي قد يتجه الى ربط هذه التجربة الشعرية بما قد يقاربها او يشابهها من تجارب الشعر التى سبقت او عاصرت حياة الشابي فى بيئته الاقليمية او العرقية او حتى فى بيآت انسانية اخرى غير التى ينتسب اليها . فقد يذهب الواقف على انتاج الشابي الى محاولة الكشف عن التأثرات التى انطبعت بها نفسه ، وعن الوشائج والصلات التى قد تكون بين انتاجه من جهة ، وبين انتاج غيره ممن عني بالشعر وعرف باجادته من جهة اخرى .
كما قد يذهب الباحث الى تحليل هذه التجربة فى اتجاه دون سواه فينزع مثلا عن مبدأ يملى عليه استقصاء اراء الشابي فى كل ما انتهت اليه تجربته هذه فيحاول ضبط واحصاء افكار الشابي نفسه حيال جملة من المواضيع شارحا لها تارة ومعلقا عليها اخرى مستحسنا ممجدا او منتقصا مفندا حسب ما يتراءى له من ظروف الامعان او التحليل - ولعله في هذا الموقف يجنح الى منهجية التقسيم والتجزئة فى عرض تلك الفكر المستخلصة فبأخذ فى سردها بعناوين مختلفة كأن يدلى بإراء الشابي فى الحياة الاجتماعية تحت عنوان " وطنية الشابى " وبارائه الاخرى فى الشعر تحت عنوان " الشابى والشعر " وما الى ذلك مما هو معهود في الكتب الادبية القيمة والمبتذلة على السواء .
وللباحث ان يذهب فى نقد تجربة الشابي لا الى ربط تجربته هذه بما عسى ان يكون الشابى نفسه قد تأثر به من مدارس ادبية معاصرة او قديمة اقليمية او
انسانية ، ولا الى نقدها بسرد وشرح محصوله الادبي من هذه التجربة بل قد يتمذهب هذا الباحث بمنهجية المقارنة فى البحث فتتجه جهوده إلى مناشدة الخصائص وتطلع المميزات التى قد تكون لهذه التجربة الشابية فى ظل موازاتها ومناظرتها بتجربة شاعر آخر عرفت بينه وبين الشابي وشائج القربي الادبية العربية او أواصر الشبه الانساني في انتساب كل من هاتين التجربتين الى مقوم فني واحد من مقومات الابداع الادبي الاصيل - وهكذا بهذا الاتجاه يستطلع الناقد جملة من الخصائص الشعرية المشتركة بين الشاعرين وياخذ فى تعداد النواحي التي يكون بها هذا الشاعر راجحا تارة او مرجوحا اخري ممعنا ما وسعه جهده في المضى بالمقارنة والمفاضلة إلى ابعد الحدود واقصاها
ولنفر اخر من النقاد ان يستوحي منهجية اخرى فى البحث والتمحيص فيتناول تجربة الشابي مثلا بتحري اخبارها وتتبع اطوارها واستقصاء الظروف التي حفت بها ، ومناشدة الانباء من هنا وهناك تارة بالرواية عن هذا التقريب وتارة باعتماد روايات الاصدقاء الذين اصطفاهم الشابي فى حياته يفعل ذلك في سبيل تشخيص الأجواء الحياتية التى اكتنفت حياة الشاعر وبهذا الاجراء يتمكن مثل هذا الناقد من المادة الموفية بالدراسة التي يحدوه اليها قصده من تحليل شخصية شاعرنا في تجربته الشعرية لا باعتماد انتاجه وآثاره الادبية فقط بل باعتماد كل ما له صلة بموضوع البحث وبالاستناد الى كل ما من شانه ان يلقي ضوءا على هذه الشخصية من قريب او بعيد وعلى العموم مثل هذا الناقد لا يزهد في الوقوف على مسودة حبرها الشاعر . كما قد لا يرى حرجا في استطلاع راي للشابي كان قد خص به احدا من عشيرته ونفرا ممن صادقوه وآلفهم وكما هو واضح فان هذا الاتجاه في البحث مقام على مبدأ تحليل الاثر الادبي بمحاولة ربط نفس هذا الاثر بالظروف التكوينية والحياتية التى اوحت بذلك الاثر موضع الدراسة .
وبجانب كل هذه الاساليب الطرائفية فى البحث والنقد الادبي نجد طريقة كلاسيكية في النقد تلك التى تعنى بتجزئة التجربة الشعرية إلى جملة من الحقائق الجوهرية أو الى طائفة من المبادئ المعيارية التى تضمنتها تلك التجربة ثم يقع . السعي في البحث عن مدى إيفاء ومراعاة هاتيك المبادئ في كل منحى من مناحي التجربة كل على حدة ، فتارة تتجه الجهود الى تبين الناحية الشكلية في الاداء فيقع
التعرض الى مواقف القوة والضعف في اسلوب التجربة ؛ وتارة اخرى يمضي الباحث قدما الى محتوى التجربة اما من حيث الاتجاه الشعرى في تصور وتصوير الاحداث والمواقف او من حيث الخبرة النفسية والاجتماعية ، او حتى من حيث التدين بالفكر الماورائية الدينية ، او الايمان بالوجهات الفلسفية فى مشاكل الوجود - وكما يبدو فان هذا الاتجاه الطرائقى في تجزءة الاهداف المعنية بالتقصى والبحث والدرس يتم به التعرف والاطلاع على الخصائص المميزة لاى تجربة ادبية شعرية كانت او نثرية ، ويتم به الوقوف على ابعادها وطبيعتها فى اتباع منهجية التقسيم والتجزء هذه .
والآن ماذا عساني ان آخذ من كل هذه الطرائق في معالجة تجربة الشابى ؟ وباى مفهوم تتحدد لدى تجربة الشابى هذه ؟
ما هى طريقنا
اننى اعتقد جازما ان طرائق النقد واساليب التناول ومقاييس البحث كلها لا تفي بالتشخيص المنشود لتجربة الشابى ، فسواء اتبعنا هذا المنهج او ذاك وسواء تبعنا المناهج الممكنة كلها فان هذا غير مؤود الا للنظرة الملفقة وللفهم المفكك لعينة البحث فلتجربة الشابي هذه باعتبار ما قدمنا من مناهج مفاهيم عديدة ومتنوعة بحيث لا يسعى ازاء هذا التعدد فى طرائق الدراسة وفي مدلول التجربة لا ان اتجه راسا الى البحث عن الفكرة المرجعية التى ينزع عنها الشابى في كل موقف من مواقف تلك التجربة وبهذا الاتجاه الذى تحددت به فلا انا اذن بمعنى بعرض خصائص شعر الشاعر ولا انا بمهتم فى هذه المعالجة بجمع خواطر شاعريته حتى ولا بارائه الادبية او الفلسفية ، بل كل ما سنوالى فيه الكلام ان هو الانفطة بعينها من تجربة الشابي وهي على التحديد فكرته النبى يعالج بها قرض الشعر
فكرته التى قد نجد لها خيوطا واضحة في معظم ما كتب ونظم ان لم نقل في كل مأثوره الشعرى والنثرى على الاطلاق اننا سوف نحاول فى هذا العرض الوجيز توضيح فكرة للشابي لا نعدها أم تجربته الشعرية فقط ، بل هي في الوقت نفسه معدة من الوجهة النفسية ركاز عملية تداعيه الفكرى فى كل انتاجه ، وانه لبامكان اى احد منا الوقوف على اى اثر من آثار الشابى فسوف لا يكلف نفسه عناء كبيرا وسوف لا يتجشم اتعاب السعى والتنقيب حتى يجد في يسر ادلة كبيرة تبرهن على
تمذهب الشابي بهذه الفكرة الصناعية ، وبراهين عديدة تعلل صدق اعتقادنا فى ان هذه الفكرة كانت ام اعماله الادبية التى تمخضت عنها تجربته التى لا ارى لاحد النجاح في توضيحها او ابراز مدارها الفكرى الفلسفي متى اتبع لذلك منهج الحكم كل مواقفها الجزئية ومراحلها المتتابعة الواحدة تلو الاخرى دون الالتجاء الى النظرة التاليفية التي تعطى الواقف على الاثر الادبي الفكرة المرجعية التي تولدت عنها عمليات الخلق والابداع عند الشابي . فمثل الذين ياخذون على انقسم دراسة الثاني دراسة منهجية قوامها التجزء والتفصيل فقط دون محاولة منهم لايجاد الفكرة العامة التي تستند اليها تجربة الشابي الشعرية فى اطارها العام كمثل السائح الغريب في احدى المدن العالمية الكبرى ، فهو ان لم يعط تلك الخريطة التخطيطية للمدينة المبينة لشبكة المواصلات فسوف يقضى امدا طويلا دون تبين السيرودون الاهتداء للتقدير والموفق والحكم الصحيح وان قدر وتمت له خبرة بالمدينة بعد طوال تجوال واستمرار تسكع فسوف لا تحصل له نظرة عامة عن المدينة كتلك التي يحصل عليها المتفرج علي المدينة من على متن طائرة تحلق فى اعالي اجواء تلك المدينة
النظرة التأليفية
فالمعرفه بالشيء مستويات ودرجات فبكل منهج طرائفى تتاتي المعرفة الا : ان المعرفة التي يصل اليها الباحث بهذا المنهج قد لا تطابق النتيجة التى وصل اليها غيره ممن ينهج منهجا اخر - ولعل الباحث الواحد فى تمذهب بطريقة دراسية . واحدة أو بكل الطرق الممكنة قد ينتهى الى احكام متعارضة او متفاوته فى تناوله ودراسته لمتعارض الحالات الوجدانية والعقلية قد ينتهى الى احكام متعارضة او متفاوته في تناوله ودراسته لمتعارض الحالات الوجدانة والعقلية لصاحب الاثر الادبي اذن اننا في دراستنا لتجربة الشابي نتطلع الى جانب التحاليل المجزأة والدراسات المبوبه اننا نتطلع لايجاد فكرة ائتلافية تحدد معرفتنا لطبيعة التجربة الشعرية التي انتهى اليها الشابي في إطارها التكاملي ؛ الا ان هذه الفكرة ينبغى ان لا تكون من قبل تلك المستدعيات الذهنية التي توحيها آراء شاعرنا نفسه فى مواقفه المتعددة من مشاكل الوجود بل يجب ان تستخلص من انتاج الشابي ذاته وتوضع فى مفهومها النظري الذي يطرد صدقه كل منتجات الشابي الادبية ، فقد مضى عهد كانت النظرة النقدية تتجه إلى وزن وتقييم الشاعر والشعر من خلال البيت الشعري وتحولت المفاهيم النقدية عن هذا الاتجاه واصبحت في ما بعد محددة لقيمة البيت
من خلال وحدة القصيد او الموضوع ، وقد حان الوقت الذى يبغى فيه تناول مأثور الشاعر او الاديب بتمامه وكماله على انه يكون وحدة تربط بين مواضيعها المتباعدة فى الطبيعة والمظهر نظرية عامة او فكرة مرجعية مطردة الوجود في كل عمل ادبى حتى لكأن الاديب او الشاعر يتملى عنها كل ما انتهى اليه من تجربته الشعرية الناجحة .
الفكرة المرجعية
والان . . ما دا عسى ان تكون هذه الفكرة المرجعية التى نعدها تاج الفكر السرمدية الكثيرة التى اشتهر بها الشابي وحببت للأدباء شعره الى حد الولوع والتقديس ، والى حد التأثر والمحاكاة ؟
هذه الفكرة المرجعية عندي هي معتقد الشابي في وحدة الوجود الاعظم ذلك المعتقد الذى يترجم عنه في كل مأثور له على الاطلاق وعلى الخصوص في قصيدة النبي المجهول وعلى الاخص في تلك الدفعة الشعرية التى تلت اسطورته كنبي مع الواقع الاجتماعى المعوج . فهو في مواقف الاخفاق والانهيار مثلما هو فى مواقف النصر والتوفيق يؤول ويعود الى العالم المطلق الى الطبيعة تلك الام التى يجد فى الاستسلام اليها والانسياق مع نواميس كينونتها كل ما يتطلع اليه المكتئب من عميم السلوى وبشائر الائتناس . فهو يستودع احزانه ويستقبل نشوته في اتحاده بأصله واللجوء الى عوالمه الزاخرة التى حوت كل شئ ، انه بامكانه النيل منها والظفر منها بكل مطمح طالما هو يعتقد وان صلته بها صلة وراثية ازلية
فهو على ما نراه يجد في اتحاده او توحده بالطبيعة في صورها المواتيه لحالته الموافقة لمزاجه المتقلب خير حل لاصرعته النفسية والفكرية التى يكابدها . فهو فى معالجته للمواضيع المختلفة يستوحى خرائد فنه وعرائس شعره من طبيعة هذه الفكرة الموجهة التى تملى عليه تفسير ما يعترضه من معضلات الوجود ومشاكله بما قد يشابهها أو يدانيها من صوره الاخرى ( فالوجود الابدي هو بهذا المعنى مصدر وحيه ومنبع الهامه والاعتقاد فى الوجود الابدى فى وحدته الازلية الخالدة ، هو الذي جعل الشابى يلتجىء اليه بحثا عن متشابه الصور ومتقابل الاحداث حتى يفسر بعضها ببعض ويعالج بفنه موضوعا من مواضيعه فى تمثله دهنيا كان لو كان عين الموضوع الذى له به كبير الشبه ووطيد الاتصال . فالشابى بفكرته المرجعية
هذه اصبحنا ننظر لكل عمل من اعماله على أنه متمخض عن عملية نفسة تستدعي منه اتحاده بالوجود ، ففي هذه العملية الاتحادية اجواء الالهام والابداع وآفاق الخلق والتعبير .
ولنستمع للشابى يصف لنا نفسه فى قوله :
ابدا يحمل الوجود بما فيه كأن ليس للوجود زعيمه
وفي قصيده " قيود الاحلام " يود ان لو تحققت له امنية الانقطاع الى الكون وعوالم الطبيعة ؛ وفي قصيده " احلام شاعر " يتمنى ان لو قضى عمره " يناجي النجوم والفجر والأطيار والنهر والضياء الهادى ويغني مع البلابل فى الغاب ويصغى الى خرير الوادي " - ثم هو في قصيدته " الاشواق التائهة " يود الخروج من دنياه الشقية ويود من الطبيعة ان تحتضنه وتضمه لها كالماضي، ويتمنى ان
لو بقي كما كان من قبل ضوءا شائعا في الوجود غير سجين ثم هو ذا الشابي يرجع ما في الحياة الانسانية من جمال وروعة لتدانيه واقترابه من الطبيعة معدن الوجود ووحدته - فهو مثلا في عبادته للمرأة وصلاته لها لا يرى لها حسنا الا في ظل شبهها للوجود والطبيعة :
انت . . انت الحياة في رقة الفجر وفى رونق الربيع الوليد انت روح الربيع تختال في الدنيا فتهتز رائعات الورود كالسماء الضحوك كالليلة القمراء كالورد كابتسام الوليد ولنسمع للشابي في ختام صلواته يتحد مع الطبيعة اتحادا كليا حتى لكانه غير المتكلم بلسانه بل هى الطبيعة التى تتكلم عن نفسها :
في فؤاد الغريب تخلق اكوان من السحر ذات حسن فريد
وشموس وضاءة ونجوم تنثر النور في فضاء مديد
وربيع كانه حلم الشاعر في سكرة الشباب السعيد
ورياض لا تعرف الحلك الداجي ولا ثورة الخريف العتيد
وطيور سحرية تتناغي باناشيد حلوة التغريد
وقصور كأنها الشفق المخضوب او طلعة الصباح الوليد
وغيوم رقيقة تتهادى كاباديد من نثار الورود
فهو فى عبادته للمراة وصلاته لها لا يرى لها حسنا الا في ظل شبهها بالطبيعة وفى ظل محاكاتها للوحدة الوجودية التي آمن بها واوصل بمدارها كل شيء ولنستمع الى الشابي يخاطب المراة فى هذه المقاطع متأثرا بما ذهبنا اليه من معتقد :
اراك فتحلو لدى الحياة ويملأ نفسي صاح الامل
وتنمو بصدري ورود عذاب وتجنو على قلبي المشتعل
فاعبد فيك جمال السماء ورقة ورد الربيع الخضل
وطهر الثلوج وسحر المروج موشحة بشعاع الطفل
ويغمر روحي ضياء رقيق تكلله رائعات الورود
وتسمعني هاته الكائنات رقيق الاغاني وحلو النشيد
اود بروحى عناق الوجود بما فيه من انفس او شجر
ووليل يفر وفجر يكر غيم يوشى رداء السحر
وفي قصيد ( رثاء فجر ) يروي لنا الشابى قصة حبه محكية بلسان الوجود الاعظم الذى يرجع له كل شئ وكل حدث من احداث تصادم الاهواء بالاهواء وتعارض الموجود بالوجود وهذا قصيد آخر بعنوان " فكرة الفنان " يختمه الشابى بالحديث عن السعادة والراحة الابدية في اتحاد المرء وانغسامه في عوالم الوجود الفسيح .
وافتح فؤادك للوجود وخله
لليم للامواج للديجور
للثلج تنثره الزوابع ، للاسى
للهول ، للآلام ، للمقدور
واتركه يقتحم العواصف ، هائما
في افقها ، المتلبد ، المقرور
ويخوض احشاء الوجود ، مغامرا
في ليلها ، المتهيب ، الجذور
حتى تعانقه الحياة ويرتوي
من ثغرها المتاجج ، المسجور
فتعيش في الدنيا بقلب راخر
يقظ المشاعر ، حالم ، مسحور
في نشوة ، صوفية ، قدسية
هي خير ما في العالم المنظور
فلا حياة للشاعر الا في انطلاقه هذا الذى يصفه لنا الشاعر بما تقدم ، ولا الهام له ولا يقظة لقلبه الا بهذا الاجراء الذي تمليه فكرة الاتجاه بالمثل الاعلى
وفي قصيده " قلب الام " يصور لنا ابو القاسم نظرة في الام وعاطفتها وفؤادها المتعلق بفقيدها في لوحة فنية لم يكن ليستمد الشاعر افياءها والوانها من سوى هذه المخيلة التي تستمد وتشتق من الوجود الاعظم ما يناسب كل موقف من ضروب الصور وشتى الحقائق
يصغي لنغمتك الجميلة في خرير الساقية
في رنة المزمار ، في لغو الطيور الشاديه
في ضجة البحر المجلجل في هدير العاصفه
في لجة الغابات ، في صوت الرعود القاصفه
في نغية الحمل الوديع . وفي اناشيد الرعاة
بين المروج الخضر والسفح المجلل بالنبات
في آهة الشاكي ، وضوضاء الجموع الصاخبه
في شهقة الباكي يؤججها نواح النادبه
في كل اصوات الوجود : طروبها وكئيبها
رخيمها ، وعنيفها ، وبغيضها ، وحبيبها
ويراك في صور الطبيعة : حلوها ودميمها
وحزينها وبهيجها ، وحقيرها وعظيمها
في رقة الفجر الوديع وفي الليالي الحالمه
في فتنة الشفق البديع . وفي النجوم الباسمه
في رقص أمواج البحيرة تحت اضواء النجوم
في سحر أزهار الربيع وفي تهاويل الغيوم
في لمعة البرق الخفوق وفي هوى الصاعقة
في ذلة الوادي وفي كبر الجبال الشاهقه
في مشهد الغاب الكئيب وفي الورود الهاوية
ادلة عدة
اما فى قصيد " انا ابكيك للحب " فقد نلحظ في يسر ثائر اعمال الشابي بفكرته الائتلافية المرجعية ازاء الوجود الاعظم وبالخصوص في تحليلة للمجردات بما يشابهها من المشخصات او العكس فهو كما سنرى ينحت صورة ما ينتخبه من تلك العوالم التي ينفعل بها احساسه والتي يعتقد أنها عوالم وانها تبدو متنافرة متقابلة متعارضة الا انه يؤمن بتناغمها ورضوخ جميعها الى وحدة ازلية ابدية تجعل شاعرنا موجها بفكرة تفسر ما يرتطم به من شؤون بما قد يتخيله ويتصوره من الشؤون الاخرى التى تعج بها هذه العوالم .
فاذا ما لاح فجر كان في الفجر سناه
واذا غرد طير كان فى الشدو صداه
واذا ما ضاع عطر كان في العطر شذاه
واذا ما رف زهر كان فى الزهر صباه
وانه لبامكان الناقد الحصيف ان يلحظ ملامح هذه الفكرة المرجعية لتجربة الشابي فى قصيده " الجمال المنشود " فهو يعالج بها موضوع الجنس ويصف لنا المرء تارة بدنيا الورد واريبج الازهار فى مولد الربيع وبالنجوم المتلالئة في الليل البهيم ، واخرى يصفها بالظلام وقطع الليل وبالهول الذى يشيب قلب الوليد وبالخضم الذي يموج بالأثم والنكر والظلال المديد . فالشاب فى هذه القصيدة يجسم لنا المجردات تمشيا مع معتقده المبدئي فى صناعة الشعر ذلك المعتقد القائل بان اى موقف واى حدث له ما يناظره ويشابهه فى الوجود الاكبر او الطبيعة وما على الفنان او الشاعر الا ان يتحسس هذه النظائر والاشباه في الاتحاد الذهني بعوالم الطبيعة الطبيعة التى هى صور متشابهة على الرغم مما يبدو عليها من جسيم التناقض والتعارض - ففي هذا الاتجاه يرى الشابي على ما هو واضح من شعره امكانية الخلق الفنى وامكانية الاجادة والابداع وامكانية تلقى الوحى الابدي
وفي قصيدة " طريق الهاوية " يوازى ابو القاسم العذارى بالبلبل الجميل الذي خلق ليشدو كما خلقن هن للغرام السعيد وينعتها بانها صورة للوجود لولا شفق الحسن فوق تلك الخدود ثم هو ذا شاعرنا ينتقى من شؤون الوجود الابدى ما يجعله يفسر بعضها ببعض تاثرا منه بالفكرة المرجعية هذه ، فهو يزعم وان سبيل الحياة رحب والعذارى هن اللواتى يفرشنه بالورود ، فان اردن أن يكون بهيجا رائع السحر ذا جمال فريد كان ذلك وان اردن ان يكون ذلك السبيل شنيعا مظلم الافق ميت التغريد تم لهن ذلك ان الشابي في هذه الصور الناطقة التي يشتقها من العالم الفسيح لا يريد بها الا وصف المرأة في حالتها حينما: تكون فاضلة متخلقة بسامى المثل وبمنفرد الخصال او عندما تكون متخلفة متنكبة عن الجادة: فهو كما نرى يستعرض صورة لصورة او هو يحاول تعقل صورة بصورة اخرى من الصور اللانهائية للوجود فى وحدته التى آمن بها وايقن بحقيقتها أبو القاسم ايمانا مكينا نتلمس دلائله وعلائمه فى كل آثارة
دليل وجيه
ولنا برهنة على هذه الحقيقة التي حدت بالشابي في كل اعماله ووجهته في معظم قصائده هذه البرهنة نستمدها من قصيدته " الجنة الضائعة " فللواقف على هذا القصيد أن كان له ان يتابع الشاعر فى حديثه عن الطفولة منذ البداية وياخذ في مسايرته ومجاراته عندما ينتقل من مقطع لآخر حتى المقطع الاخير فسوف يتبين لا محالة صدق هذه الحقيقة الا وهى ان الشابي كان رحمه الله متوج الجهود وموجهها في ما هو فيه من مواقف الوصف للطفولة بهاتيك الفكرة او النظرية التي عنها يستوحي اخيلته الشعرية وصوره الذهنية الابداعية شأنه في كل موقف نفسي عارض باعتماد او باستنجاد ما قد يشبه ذلك الموقف فى عوالم الوجود الرحب في افاقه المادية والروحية
فالشابي في تداعيته الفكري الشعري كما يبدو من خلال قصائده لم يكن الا متاثرا بهذه الفكرة الفنية التى تدفع به الى الشعور بعناصر الوجود وإحداثه في اطار تلك الوحدة المتماسكة التى تجعل هذا الشيء مفسرا بذاك وهذا الحدث منظورا اليه في صورة ائتلافية اقترانية مع ما يقاربه او ما يشابهه او يطابقه من صور الوجود وأحداثه اللانهائية ولاى من الباحثين الجادين ان يحلل قصيدة " المساء الحزين " فسوف يقف على صدق هذا الحدس الصائب ان لم نقل هذه الحقيقة الواقعية الماثلة في ثنايا اعمال الشابي الادبية
فقد ذهب ابو القاسم فى تصوره وتصويره للمساء الى تمثله ذهنيا في صورة قريبة منه شبيهة به فى طبيعتها وخصائصها المميزة الا وهى صورة العازف الحزين الذي فى صدره لوعة لا تقر وفي قلبه صعقات المنون - ففي الفقرة الاخيرة من نفس القصيد يوصل الشاعر ظلمة المساء بظلمة نفسه فينتقل من رؤية الاولى فى الثانية إلى رؤية الثانية في الاولى فهو يتساءل هل سيخلف ظلمة نفسه وتازمها بظلمة اللحود ، ذلك الصباح الاغر الذى يمرح بالنشوة والنشيد ثم هو يذهب في الاجابة عن هذا التساؤل الى ان خلف الدياجير فجر جديد مفسرا نصيحته لنفسه ومعللا اياها بما قد وقفت عليه تجربيتهم الشعرية التى يقودها الاعتقاد في وحدة الوجود وتكامل احداثه وصوره - فلنصغ الى الشابي في هذه الخاتمه التى انهى بها موضوع قصيده المساء الحزين موجها كلامه لقلبه
تجلد ولا تستكن لليالي فما فاز الا الصبور الجليد
ولا تأس من حادثات الدهور فخلف الدياجير فجر جديد
ولولا غيوم الشتاء الغضاب لما نضد الروض تلك الورود
ولولا ظلام الحياة العبوس لما نسج الصبح تلك البرود
وللفكرة ، المرجعية التي نتلمس علائمها وآثارها في معظم مواقف تجربة الشابي الشعرية ان لم نقل فى جميعها مفاهيم تفسيرية واتجاهات ذهنية حلل بها الشابى كثيرا من شؤون الفكر والنفس والاجتماع
برهنة اخرى
فهو في مقدمته التى اهل بها قصيده " الى الله " يرى الشابي في الوجود الانساني صورة للوجود الابدى الاعظم فكما ان هذا هو دائما متوالى التغير مستمر التحول كذلك الشان فى النفس البشرية فليس لها فى نظره ديمومة قاره ثابتة بل هي فى يد صيرورة طبيعية دائمة التحول قضت بها وحدة الوجود الاعظم الذي هو ليس بشئ خارجي عن النفس بل هو شامل لها عنه مصدرها واليه مصيرها فالشابي بهذا التحليل الذى يزعم فيه : " ان قلبه معرض لللازمات النفسية الثائرة التى يعصف فيها الالم والقنوط بكل حقائق الحياة وتتزعزع معها كل قواعد الايمان والحق والجمال فيشعر المرء كانما انبت ما بينه وبين الكائنات من وشائج الرحم
والفربي " ان الشابي بهذا التحليل لمبين لقرائه عن مكنون نفسه واعمق اعماق فكره فهو بعد ان ابان لنا ايمانه بوشائج القربى والرحم بين الكائنات والانسان تدرج الشابى في هذه المقدمة التمهيدية لقصيده " الى الله " فابدى رايه الفلسفي سليل فكرته ونظريته المرجعية المشار إليها انفا فذهب الى ان خواطره فى هذا القصيد ان هى الاناتجة عن حال عارضة لا تدوم الا كما تدوم حالات كثيرة مشابهة لها من اجوال الوجود . يقول الشابى فى تقدمته لقصيده " هذا : " انها حال عارضة لا تدوم الا كما تدوم عاصفة البحر تكدر صفاءه وتحيل جماله الى شناعة وانغامه الى عويل وانسجامه الى فوضى ثم تقر العاصفة وتسكن ويرجع البحر الى زرقته الصافية والحانه المتزنه وجماله الابدى " وكان الشابي فى هذا المعنى عين برجسون عندما يقول " القول بدوام الفكر على حال واحدة كالقول ببطلان الفكر "
وبهذا المعنى لا يخدعن اديب او متادب فى معتقده ازاء نفسية الشابي
اذ هذه النفسية نعتت فى معظم ما كتب عنها بانها نفسية متشائمة كئيبة ميالة للحزن والأسى فهذا ما لا اراه صحيحا من جميع الوجوه ذلك لان مستندات هذه الطائفة من النقاد ان هي فى مجموعها الا مواقف الشاعر في معالجته لبعض الحالات الطارئة وما كان ليبين فيها وجهته الفلسفية العامة في عنصرى الالم واللذة
ان الشابى قد يبدو حزينا متشائما فى بعض قصائده فهو فى قصيدة " الساحرة " مثلا تجده يجادل الساحرة في قوله : بل هو الفن واكتئابه والفنان جم احزانه وهمومه - لكن ليس في هذا المستند وهذا الاثر الكفاية اذ قد يكون خاطرة عارضة جرتها المناسبة او الموضوع وبهذا الاعتبار وقع بعض النقاد في ما يعرف " بخطا التعميم اي في تعميم الحكم على نفسية الشابى من خلال خطا تحليلي شنيع ذلك لان شاعرنا ابا القاسم ما لبث فى نفس القصيد ان روى على لسان الساحرة هذه منطقا اخر يقابل انطباعاته الاولى الحزينة فلنستمع اليه وهو يقول الهوى والشباب والمرح المعسول تشدو افنانه ونسيمه - هي فن الحياة يا شاعري الفنان بل لب فنها وصميمة - تلك يا فيلسوف فلسفة
الكون ووحى الوجود هذا قديمه " فهو كما راينا في قصيد واحد يروي لنا خواطر متعارضه ويصور لنا اتجاهين متقابلين احدهما ينسبه لنفسه والاخر يرويه على لسان الساحرة ولكننا فى الواقع لم نستمع لغير الشابى الذي يتقمص شؤون الوجود العظيم واحداثه المتناغمة او المتعارضة بما يجعله يصور لنا الوانا منها بالوان اخرى او بما يجعله بنظر لبعض منها من خلال بعضها الاخر هكذا كما أبنا تمشينا مع فكرته المرجعية المؤمنة بوحدة الوجود وتكامل عناصره وشؤونه وفى قصيده " الابد الصغير " نجد برهانا آخر يؤكد هذا الاتجاه الفلسفي الذي تستند اليه تجربة الشابي فهو يرى ان قلبه فى مشاعره المتضاربة المتناقضة صورة للوجود بما فيه من شموس وكواكب وبما فيه من غابات وجبال ورياح وبما فيه ايضا من غصون مزهرة وورود غضة - انه والحق يقال يدين بان لا خيار للفرد في مشكلة الالم واللذة وانما هى حتمية المصير الانسانى في انعكاس الظروف الحافة به على خواطره وهواجسه ومزاجه .
يا قلب كم تمليت الحياة وكم رقصتها مرحا ما مسك السام
يا قلب : انك كون مدهش عجب ان يسال الناس عن آفاقه يجموا
. . يا قلب كم من مسرات واخيلة ولذة يتحامي ظلها الالم
تمضى الحياة بماضيها وحاضرها وتذهب الشمس والشطان والقمم
وانت انت الخضم الرحب لا فرح يبقى على سطحك الطامي ولا ألم
غير متشائم
فالشابى اذن ان تألم وابدى ألمه فهو لم يكن بمختار ولا بميال للالم وانما هي حال تفرضها الظروف القاسية وما له الا التأثر بها وقد صادف ان كانت حياته ملآى بالفجيعة والملمات وكان بالامكان ان يسر وان يستبشر لو تم له العيش في ظروف مواتية هانئة فكيف يصح لنا ان نلحق الشابى بالشعراء المتشائمين الذين لا هم لهم الا انتقاء الالم واصطفاء الصور الحزينة من الوجود لملاءمتها لطبيعة أمزجتهم ونفوسهم المتكائبة والمتشائمة حتى ولو لم يكونوا معرضين لشئ مما يدعو للكابة والشؤم .
وللشابى في قصيدة " السعادة " ايمان مطلق بتبعية عناصر الوجود بعضها لبعض وايمان مطلق بنسبية الشعور بها ، فهو يزعم وان النفس لم تكن لترى في الوجود ثبوتا او استقرارا مطردا وليس لها ان تتطلع الى هذا الحلم النائى بل عليها ان تنتثنى الى مطمح آخر الا وهو توطين ارادتها على قبول الحياة على ما هى عليه فى كفها الغار ام في كفها العدم - فهو يرى وان القوة في الاستسلام الى الصيرورة الوجودية وتقبلها وإلزام النفس بها ، ففي تأسيها او عدم الاذعان لها كبير العجز وبليغ الوهن والضعف ، ذلك لان الفرد بما اوتى من امكانيات ما هو الا جزء لا يتجزأ من وحدة الوجود القاضية بتبعيته لها بطريقة او باخرى - فالقوة التى يؤمن بها الشابي ليست هى شيئا خارجا عن وحدة الوجود الطبيعى فسواء كانت هذه القوة التى يتحدث عنها كثيرا في شعره قوة نفسه او قوة شعبه ما هي في نظره بمتاتية الا فى المواقف التى تكون فيها تلك القوة او تلك العزمة الارادية لشعبه مستوحاة من طبيعة الوجود ووحدته وضمن قوانينه ونواميسه . فلنستمع الى ما يؤيد هذا التحليل فى مناداته ومناجاته لنواميس الوجود حيث يقول :
يا رياح الوجود ! سيرى بعنف وتغني بصوتك الاواه
وانفحينى من روحك الفخم ما يبلغ صوتى آذان هذا الاله
فهو يصغى الى القوى ولا يصغى لصوت بين العواصف واه
فهو كما راينا يستلهم القوة من هذا الشق للوجود ليخاطب به ويواجه به قوة اخرى وشقا اخر .
وعلى لسان بروميثيوس يحدد لنا الشابى رايه في الوجود الانسانى وفي اسطورته الازلية مع الاقدار او المصير الجبرى القاضى بفكرته المرجعية او نظريته الفلسفية فى وحدة الوجود وتكامل عوالمه واحداثها
واقول للقدر الذي لا ينثنى عن حرب امالي بكل بلاء
ملا يطفيء اللهب المؤجج في دمي وج الاسى وعواصف الارزاء
فاهدم فؤادى ما استطعت فانه سيكون مثل الصخرة الصماء
لا يعرف الشكوى الذليلة والبكا وضراعة الاطفال والضعفاء
ويعيش جبارا . يحدق دائما بالفجر . . بالفجر الجميل النائي
واملأ طريقي بالمخاوف والدجى وزوابع الاشواك والحصاء
وانشر عليه الرعب وانثر فوقه رجم الردى وصواعق الباساء
ساظل امشى رغم ذلك عازفا قيتارتي مترنما بغنائي
امشي بروح حالم متوهج في ظلمة الآلام والادواء
النور في قلبي وبين جوانحي فعلام اخشى السير في الظلماء
اني انا الناي الذي لا تنتهي انغامه ما دام في الاحياء
وانا الخضم الرحب ليس تزيده الا حياة خطوة الانواء
اما اذا خمدت حياتي وانقضى عمري واخرست المنية نائي
وخبالهيب الكون في قلبي الذي قد عاش مثل الشعلة الحمراء
فانا السعيد بانفى متحول عن عالم الآثام والبغضاء
لادوب في فجر الجمال السرمدي ولأرتوي من منهل الاضواء
وبالنهاية هذه تجربة الشابي منظور اليها من خلال ما تاثرت به من نظرية فلسفية مرجعية اصيلة قد تلمسنا دلائلها وعلائمها فى كل ماثور له تقريبا تلك النظرية التى هى واضحة الملامح فى اخيلته وتصوراته ، فى فكره الادبية والاجتماعية وعلى العموم في مختلف مراحل ومواضيع تجربته الشعرية التى اتت في اغاني حياته - هي نظرية عامة نعدها ام فكره وخواطره ومصدر توليد ، وتاملاته ونعدها ايضا اللبنة الاولى لعمليات خلقه الفنى وابداعه ، تاثر بها الشابى تاثرا واضحا بما صيره يتدبر المواضيع التى تطرق لها فى تجربته على ضوء هذا المعتقد العام القاضي يحل مشاكل الوجود بالالتجاء الى استشعار وحدته التى بها يتم الكشف عن العلاقات والمتعلقات عن العلل والمفسرات لكل ما يستعصى على الفنان فهمه او تعقله - وهكذا نجد الشابى فى هذا المعتقد العام يلتقى مع افلاطون فى اعتقاده بان الفن ما هو الا محاكاة للمحكى من عالم المثل ولعلها فرصة آتية نستطيع فيها تحليل الوجهة الفلسفية هذه التى انبنت عليها تجربته بازيد ادلة واكثر تبسط

