الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 431الرجوع إلى "الرسالة"

تحقيق في نسبة حديث

Share

جاء في مقال غزوة حنين   (العدد ٤١٧)  من الرسالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الخوارج:   (أكفارهم  أم منافقون) ؟ فأجاب:   (من الكفر فروا) . لا، إن المنافقين  لا يذكرون الله إلا قليلاً، وهؤلاء يذكرون الله كثيراّ).

فكتبت في العدد   (٤٢٢)  أستبعد نسبة هذا الكلام إليه،  وقطعت بأنه من كلام علي بن أبي طالب. فجاء الكاتب الفاضل  صاحب المقال يسأل في العدد   (٤٢٣)  عن المصدر الذي نسب  هذا القول إلى علي، ويذكر أن مصدره هو:   (السيرة الحلبية  ج ٣ ص١٤٠) . ويقول في ختام كلمته:   (ليس هناك ما يمنع  صحة هذه النسبة إلى النبي على سبيل القطع)

فمن الخير أن نبين ما يمنع صحة هذه النسبة: ١ -  كانت نشأة الخوارج بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم  بأكثر من ربع قرن وعرفوا بهذا الاسم لخروجهم على علي  في حرب صفين.

٢ -  إذا جعلنا صدور هذا الكلام عن النبي من باب الإخبار  بالمغيبات اعترضنا أمران: الأول أن الأحاديث المأثورة في هذا  الباب تذكر صفات عامة ولا تسمى أشخاصاً ولا فرقاً بأسمائها.

والثاني أن الصحابة الكرام لا علم لهم بالمغيبات، فكيف وقع  إليهم اسم   (الخوارج)  حتى يسألوا عنه. ونحن نعرف أحاديث  كثيرة يجعلها المحدثون في باب الكلام على الخوارج، إلا أنها  جميعاً ليس فيها هذا الاسم؛ حتى أن ابن عمر وغيره كانوا إذا  سئلوا عن الخوارج   (بعد سنة ٣٦هـ طبعاً)  حدثوا هذه الأحاديث  التي فيها صفات قد تنطبق عليهم باجتهاد الراوي. وانظر في ذلك  ما جاء في كتب الحديث بدلالة   (مفتاح كنوز السنة: الخوارج)   في أكثر من عشرين موضعاً.

٣ -  هذا الكلام المنسوب إلى رسول الله، المنقول من  السيرة الحلبية يناقض ما قبله وما بعده فيها من الأحاديث  الصحيحة كل المناقضة: فبينا يورد صاحب هذه السيرة    (3 : 140) أحاديث في كفرهم ووجوب قتالهم نرى هذا  الكلام ينفى عنهم الكفر والنفاق صراحة.

٤ -  لو صح عن النبي شيء فيهم بصراحة، ما وسع علياً  أن يقول موصياً فيهم:   (لا تقاتلوا الخوارج بعدي، فليس من  صاحب الحق فأخطأ كمن طلب الباطل فأدركه) ، ولو صح ذلك  ما جاز لابن عباس أن يقول فيهم لعلي:   (والله ما سيماهم بسيما  المنافقين وإن بين أعينهم لأثر السجود وهم يتأولون) ،  وإنما المعقول أن يستشهدا بما قال النبي صلى الله عليه وسلم.

ولو صح ذلك أيضاً لما جعلهم المحدثون   (البخاري ومسلم وأحمد  والترمذي والنسائي وابن ماجدْ)  ممن تنطبق عليهم أحاديث  المروق اجتهاداً منهم. أما سندي في عزو هذا الكلام إلى صاحبه  علي بن أبي طالب فهو العقد الفريد وقد سهوت فذكرت الخوارج  في العدد (٤٢٢)  وإنما هو أصحاب الجمل وراى على في الخوارج  هو نفسه في أصحاب الجمل على ما ذكرت لك آنفاً في وصيته  فيهم. جاء في العقد الفريد:   (ج ٣ ص١٠٥ المطبعة الأزهرية)   سنة ١٩٢٨. سئل علي عن أصحاب الجمل:   (أمشركون هم؟)  فقال:    (من الشرك فروا)  قال:   (فمنافقون؟)  قال:   (إن المنافقين   لا يذكرون الله إلا قليلاً)  قال: (فما هم ؟) قال   (إخواننا  بغوا علينا) .

ولعل أطرف الأشياء وأعجبها السند الجديد الذي أظفرني به  السائل. إن سندي في نفي هذا الكلام عن النبي صلى الله عليه  وسلم هو السند نفسه الذي أحتج به في نسبته إليه، وسأنقل  الفقرة نفسها مع ما قبلها ليتبين الحق على وجهه. جاء في السيرة  الحلبية   (ج ٣ ص١٢٠)  ما نصه: (وقد قاتلهم   (يعني الخوارج)   علي كرم الله وجهه وقد سئل صلى الله عليه وسلم عن الخوارج    (أهم كفار)  فقال:   (من الكفر فروا)  فقيل:   (أمنافقون؟)   فقال:   (إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلاً وهؤلاء يذكرون  الله كثيراً)  فقيل:   (ما هم؟)  فقال: أصابتهم فتنة فعموا  وصموا) فلم يجعلهم صلى الله عليه وسلم كفاراً لأنهم تعلقوا  بضرب من التأويل.

ألا يرى معي الكاتب الفاضل والقراء الكرام أن   (صلى الله  عليه وسلم)  الواردة بعد   (سئل)  وبعد يجوز أن تكون   (يجعلهم)   خطأ من ناسخ أو طابع، وأن الكلام يستقيم بدونها ويتجه إلى  الصواب، فيكون من كلام علي ويطابق ما جاء في المصادر  الصحيحة كلها. وذلك من أغرب ما يوقع به سهو أو خطأ. وسيبقى هذا خطأ حتى يثبت بطريق صحيح يشتبه إلى النبي  صلى الله عليه وسلم

(دمشق)

اشترك في نشرتنا البريدية