الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 816الرجوع إلى "الرسالة"

تعقيبات

Share

تحية قلبية وأخرى قلمية:

أنا في من حين إلى آخر كثيراً من الكتب التي يهديها إلى أدباء تربطني ببعضهم صلات ود وصداقة ، ولا يربطني بأكثرهم شيء من صلات الود والصداقة ، وكذلك الأمر فيما يختص رسائل القراء - ومما يؤسف له أن الذين يخرجون الكتب في .. الأيام من الكثرة بحيث لا يستطيع الذين يكتبون النقد وهم قلة ، أن يتتبعوهم فيما يكتبون وأن يتحدثوا عن مؤلفاتهم ناقدين أو عارضين | وليت الأمر يقف بهم عند هذا الحد ، وهو التفضل بإهداء الكتب والاكتفاء بتقبل الشكر .. كلا ، ولكنهم يطلبون إلى الناقد – عن طريق التلويح أو التصريح - أن يكتب عن الأثر الأدبى الذى أخرج ، وأن يثنى على الجهد الفنى الذى يذل ، لقاء ما قدموا إليه من تمرات الفراح وما خلموا عليه من أثواب المديح والإطراء ! ويحار الناقد ما دا يقرأ وما ذا يدع . إن وقته لأنين مما يقدر الذين بعثوا إليه بكتبهم راجين أن يشير اليها من قريب أو من بعيد ، وإنه لياتي من كتبهم إذا ما قرأها كثيراً من المنت والإرهاق ، وإن كثيراً منها ليذهب فيها الوقت والجهد بلا فائدة ترجى ولا غناء ! .

والدهشة بعد ذلك في تلقى العتاب إذا ما تحدث عن كتاب فلان وأغفل كتاب علان ؛ الدهشة التي تصاحبها الحيرة في الاعتذار ان يهدون إليه كتبهم فلا يكتب عنها فيتبون ماذا يقول لهم وكيف يستقر إليهم ؟ أيقول لهم إنه لم يجد من وقته متسماً للكتابة ، أم يعتذر إليهم من فئانة الإنتاج ومآلة الجهد وتفاعة المادة ؟ أمران كما يقولون أحلامها من . وليت الكتاب من أصدقاء وغير أصدقاء يقدرون هذه المرارة ويخفقون من وقعها على النفس والشعور 1 -

أما أنا قد آليت على نفسى ألا أكتب من أى أثر أدبى إلا إذا لمست فيه نفعاً للأدب وفائدة للقراء . وحسب كتاب لم يتحقق فيه هذا الأمل المرجو أن أقدم الشكر على إهدائه ، وحسب صاحبه تحية أقدمها إليه من قلبي ... أما الكتاب الذي

يضيف إلى رصيد القارى ثروة فكرية جديدة فلن أتردد في أن أقدم إلى صاحبه التحية من قلى

هذه كلمة عن مؤافات الأدباء انتقل بعدها إلى رسائل القراء. إن بعضها يورد نغمة واحدة لا تكاد تتغير ، وهى الشكوى من إعمال ( الرسالة » الكثير مما يرسل إليها من إنتاج أدبى لا ذنب الأسمايه إلا بعدهم عن الشهرة وذيوع الإسم ! أما بعضها الآخر فيحمل إلى مقالات وقصائد مصحوبة برجاء مرسليها أن أدفع بها إلى المطبة لتأخذ طريقها إلى صفحات «الرسالة» وأيدى القراء ، لأن ذوق المتواضع من شأنه - في رأيهم -- أن يستجيب لأمثال هذه الوفيات الفكرية والتهويمات الروحية ! .

إن ردى على هؤلاء الذين يحتكمون إلى ذوق ويطلبون وسالمتي ، هو أنني لا أملك لهم غير الشكر والإعجاب ، ولكن إعجابي لن يتنى فهم من الرسالة ، شيئاً ... إن المرجع الأول والأخير هو ذوق الأستاذ العميد وإعجاب الأستاذ العميد . وإنه فيها أعلم لا يوصد بابه ولا يقلق قلبه في وجه الذين تلوح له منهم بوادر نبوغ أو نفحات ذكاء أو اكتمال أداة ! أما الشاكون من إعمال إنتاجهم فيستطيعون أن يجدوا الجواب على شكواهم في هذه الكلمات ، وليثغوا من أن عميد «الرسالة» لا يتردد في نشر ما يستحق أن ينشر، ولا في تقديمه على غيره إذا كان يستاهل التقديم والقليل على ذلك قصيدة هذا العدد ، فإن صاحبها الناشيء لم يعرفه أحد ، ولم يقرأ له فيها أظن أحد ..

رأي في السبر ريالزم

يسألنى كارى فاضل من قراء الرسالة عن رأيي في مذهب السير ريالزم » عقب أن أتيت على ذكره في الكامة التي تناولت فيها بالنقد كتاب : خلف اللئام » ... وهل يقدر لهذا المذهب الجديد الذى فزا ميدان التصوير والأدب في فرنسا وبعض البلاد الأوربية، أن تشيع تعاليه وتسينه الأذواق ويستجيب له الفنانون هنا كما استجاب له بعضهم هناك ؟ .

إن رأبي الذى أومن به ولا أحيد عنه هو أن مذهب و السير وياتزم ) شعوذة فنية لا أكثر ولا أقل ، سواء في ميدان التصوير أم في سيدان الأدب .. إن الفن الذي لا تخرج منه بغير اللخبطة ) لا يعد فنا ا وأى من هذا الذى لا يبعث في نفسك وحسك شعوراً بالجال ولا تذوقاً لألوانه ومعانيه ؟ أى من هذا الذى لا تلمس فيه أثراً للربط بين فكرة وفكرة ولا بين مقدمة ونتيجة في أدب

الكاتب ، ولا تناسياً بين بعد وبعد ولا بين زاوية وزاوية في لوحة الرسام ؟.

"لخبطة " ولا شي غير " اللخبطة " ... وحبك أن تقرأ كتاباً لأندريه جيد وآخر لأندريه ويتون، وأن تشاهد لوحة من لوحات دى لاكروا وأخرى من لوحات بيكاسو ! إن جيد يمثل الوضوح والصدق والجمال ، فهو قريب إلى عملك ، قريب إلى قلبك ، قريب إلى ذوقك ؛ لأن أدبه وايد وشائج قرية من صلة الفن بالحياة ... أما بربتون فهو هناك فيها وراء الواقع ، أو ديما وراء المقل والقلب والذوق ، أو فيها وراء الشطحات الفكرية التي تلغى كل صلة بين الفن والحياة !

بريتون في الأدب وبيكاسو في التصوير ، وكلاهما عميد المذهب السريالي في قنه ... أما بيكاسو فكان فناناً عفيها يرفع من فنه الخصوم قبل الأصدقاء ، ولكن الحراقه في أواخر أيامه إلى هذه الشعوذة السريالية أفقده من كانوا يكبرون فنه ويشيدون ينبوغه وعبقريته | إن الفارق بين لوحة من لوحات دى لاكروا وأخرى من لوحات بيكاسو ، هو الفارق بين من يهز فيك مواطن الإحساس بالجمال وقى يهز فيك مواطن الإحساس بالتنور ... إنك تستطيع هناك أن تخرج بشتى المعاني ولكنك لا تستطيع هنا أن تخرج بشيء !

هذا هو رأيي في المذهب السريالي ، وأؤكد للأديب الفاضل أن هذا المذهب الجديد لا يشق طريقه في فرنسا وهي موطنه الأول بسهولة ويسر ، لأن خصومه الكثيرين يهاجونه في عنف لا هوادة فيه، ويرمون أسمابه بالدجل والخروج على كل مألوف من أوضاع الفن ا وإذا كان بعض الكتاب والفنانين قد انحرفوا إلى هذا المذهب والدفعوا في تيار الدعوة إليه فإنه على التحقيق انحراف إلى حين واندفاع إلى حين .. ذلك لأن الساخطين عليه لا يقاس إليهم الراضون عنه ، سواء في مجال الكثرة العددية أو في مجال الطاقة الفكرية ، أو في مجال الشهرة والتفوق وغلبة الآراء والأحكام. ولا أعتقد أن مثل هذا الشذوذ في محيط الأدب والفن يمكن أن يكتب له البقاء هنا إلا إذا كتب له البقاء هناك ، وهذا أمر يشك في وقومه إذا ما احتمكنا إلى العقل الذي يزن النتائج على ضوء المقدمات

حول مسابقة المصور القصة القصيرة :

لم أكن أعرف أنهى محتاج إلى دروس في فن القصة حتى

قدر لي أن أطلع على كلمة في البريد الأدبى ، وجهها إلى الأديب حسن صادق حمدان في عدد و الرسالة : الماضي !

لقد رأى الأديب " العالم " أن يعقب على كلمني التي نقدت فيها رأياً لمجلة المصور عن فن القصة القصيرة ، ولقد جاء في تعقيبه أنتي الحرفت عن الصواب حين قلت إن القصة التحليلية حين تباغ غايتها من تشريح المواطف والنزعات لا تكون محتاجة في القالب إلى المفاجآت ؛ الحرفت عن الصواب لأن مجلة المصور لم تشترط أن تكون القصص المتسابقة من النوع التحليل .. لو راجع الأديب المقب نفسه ورجع إلى ما كتبت ، لعلم أنتى كنت أنقد رأيا ينادى بأن المفاجأة في ختام القصة تعد أهم أركانها على الإطلاق ، ومعنى هذا أننى كنت أعترض على رأى يغلب عليه التعميم حيث يجب التخصيص ، لأن هناك فنا قسمياً يخرج عن دائرة هذا الحكم الذى لا يفرق بين قصة موضوعية وأخرى تحليلية ، هذا هو ما قصدت إليه فى مجال التعقيب على رأى لا سلة له بما اشترطه و المصور » للمسابقة من تحديد النسبية العددية لكلمات القصة بستمائة كلمة ، وإذن لا أكون قد انحرفت عن الصواب ، ولكن الأديب المعقب هو الذي انحرف عن الفهم !

وأؤكد له مرة أخرى أن القصة الطويلة في وحدها المقياس  الفني الكامل المواهب القصاص وطاقة القصاص ، وأن الجهد  الذي يبذل فيها لا يمكن أن يقاس إليه نظيره في القصة القصيرة.  ولقد قدمت له هذا الرأي في شي من التفصيل، وبقي أن أقدم إليه  الدليل : إن الأستاذ توفيق الحكيم بكتب و الأخبار اليوم ) قصة  تمثيلية قصيرة كل شهرين محتل صفحة واحدة لا تزيد عليها إلا  في القليل النادر ، ويمكنه أن يرجع إليه ليسأله عن الوقت والجهد  اللذين يبذلهما في كتابة مثل هذه القصة ، إنه لا ينفق في كتابتها  إذا ما نضجت الفكرة في ذهنه أكثر من بضع ساعات ...  هذا في تمثيلية قصيرة من فصل واحد ، فهل يدرى الأديب المعقب  كم بذل توفيق الحكيم من وقته وجهده في وضع مسرحيته  الجديدة و أوديب الملك ) ؟ لقد أنفق فيها من وقته وجهده أربع  سنوات لا يضع ساعات 11 ثم هل يظن أن الماء الذى لقيه  محمود تيمور فى كتابة قصة قصيرة مثل ( خلف الشام » يعادل  ما لقيه من عناء في كتابة قصة ضخمة مثل ( ساوى في مهب  الربح ، ؟ وإذا أراد أن يحكم على الطاقة الفنية عند توفيق الحكيم  فهل تتكشف له هذه الطاقة من مسرحية تحتل صفحة من

. أخبار اليوم ، كما تنكشف له من « أهل الكهف ) وله يجماليون » و « شهر زاد » و « سليمان الحكيم » و « أوديب الملك » ؟! وهل تنكشف له الطاقة الفنية عند تيمور من قصة قصيرة كما تنكشف له من ( نداء المجهول ، ولا حواء الخالدة ) و ساری »؟ وبعد ذلك يقول لى في تعقيبه : ه إن كاتب القصة القصيرة يلاقى دفعة واحدة جميع الصعاب التي كانت متفرقة في القصة الطويلة ... أى صعاب يا أستاذ ؟ إن جي دى موباسان في مجال القصة القصيره خير بكثير من أونوريه دى بلزاك؟ ولكن أنفاسه تتقطع إذا ما حاول أن يجرى معه في حلبة القصة الطويلة ... هناك حيث وقعت بلزك طاقته الفنية إلى مرتبة أعظم قصاص في تاريخ الأدب الفرنسي ، إن القصاص العظيم أشبه بالجواد الأصيل .... ذلك الذي لا تتضح طاقته على المدو إلا في رحاب المسافات الطويلة !

هذه كلمة لا أعتقد أنها تشق على فهم الأديب المعقب وأرجو ألا تشق على أفهام غيره من المعقبين !

الفن عندنا وعندهم :

وقفت في «الأهرام» منذ أسبوعين عند صورة رائعة المغزى بعيدة الدلالة ، تستحق من كل ذي عينين أن يقف عندها طويلا ليخصها بقيض من إكبار وإعجابه ... أما تلك الصورة الفريدة فقد أشارت إليها الصحيفة الكبرى بهذه الكلمات :

يقوم المثل الكبير سير لورنس أوليفييه مع زوجته فيفيان لي بتمثيل مسرحيتهما الجديدة ( مدرسة الإشاعات ) على مسرح ( نيرثييتر ) بلندن . وقد بلغ من تهافت الجهور على مشاهدة هذه المسرحية أن حجز جانب كبير من الأماكن مقدماً لمدة أسابيع ويرى في الصورة جمع كبير وقد افترشوا الأرض لقضاء ليلهم أمام مدخل المسرح ، ليتمكنوا من حجز أماكنهم عند فتح شبابيك التذاكر فى الصباح

أناس بفترشون الأرض وفي يونهم الفراش الوتير، ويتحملون مرارة الانتظار وما كان أغناهم من الانتظار ، ويضحون بالوقت وما أحوجهم إلى كل دقيقة ينفقونها وتعود عليهم بما يشتهون ، ولكنه دعاء الفن .... يلتقي مهم آناناً مسنية ، وقلوباً متلهفة ، ونفوساً تنشد مثمة الدوق والفكر والروح .

عندهم فنانون عشقوا الفن وأخلصوا له ، وعندنا مهرجون

أجادوا التهريج ونبقوا فيه ... وعندهم جمهور مثقف يستهو به كل جليل من الأمور وكل رفيع من الفنون ، وعندنا جمهور بليد الفرق متحجر الملاطفة ، يقضي ليله ونهاره متحكما في الطرقات أو متنائباً على القهوات | عندهم الوقت يوزعونه بين العمل المثمر دين يناديهم الواجب ، وبين الكتب المقيدة حين تدعوهم المعرفة ، وبين ملاعب التمثيل حين يشوقهم التحليق في سماء كل .. في جميل؛ وعندنا الوقت نضيق بطوله ؛ لأنه فراغ وهياء : العمل في أخلادنا استخفاف بالتبعة وانحراف عن الحادة ، والكتب في أيدينا مجلات تدغيغ الغرائز بالصور العارية والأفكار المارية ، والترويح عن النفس فى رأينا ميل إلى كل تسلية تافهة وكل لهو رخيص !

هذا هو الفن عندنا وعندهم ... وإذا كنت قد دفعت إلى شيء من الاستطراد ، فإن الحديث في مجال الفن يغرى به ويدعو إليه ، وحسب المسرح هناك هذا الامتلاء ، وحسبه هنا هذا الخواه !

شهداء المثل العليا

قرأت بتأثر بالغ تلك الفصول التي كتبها في ( المصور ) القائمقام الشهيد فهيم بيوى قبل أن يودع مثله العليا في الطريق إلى الله ... فصول كتبها بعداد قله ثم ختمها بدماء قلبه ، وعلى صفحات و المصور ، وفوق ترى الأرض المقدسة ترك البطال الشهيد وسيته لأصحاب المثل العليا : سطورها من وقدات الفداء ونيل التضحية ، وألفاظها من افتحات الجهاد وصدق البطولة ، ومعانيها من وثبات الوطنية وحرارة الإيمان 1.

فهيم بيومى ومن قبله أحمد عبد العزيز ومن بعدها أبطال وأيطالي .... وفى سبيل الله والوطن دماء تجرها القدر عيونا النتي بها رمال الصحراء ! لقد كانوا أصحاب مثل عليا ، في سبيل مثلهم عاشوا على الأرض وفى سبيلها صعدوا إلى السماء : أرواحهم على أيديهم وأنظارهم إلى الأفق البعيد ، وهمساتهم في رحاب المجد . أشواق ... ولقد مضوا إلى غير رجمة ، وبقيت منهم الذكرى تسبق في آفاقنا بارج الحب ، وتسطر مآنينا بدموع الوفاء ، وتملاً تاريخنا برنين الخلود ! با رحمة الله لكم يا أبطال ... لقد كان شاعرنا ينطق بلسانكم حين قال :

اخى إن جرى في ثراها دي وأطبقت فرق حصاها اليدا

ففتش على مرجة حرة أبت أن يمر عليها المدا

وقبل شهيداً على أرضها دعا باسمها الله واستشهدا

اشترك في نشرتنا البريدية