الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 934الرجوع إلى "الرسالة"

تعليق على (الدخان في الشعر)

Share

كتب الأستاذ عبد القادر رشيد الناصري في العدد ٩٢٥  من الرسالة الغراء مقالة بعنوان     (الدخان في الشعر)   استعرض  فيها بعض القصائد في الدخان لبعض الشعراء العراقيين. وأول ما تناول كاتب المقال قصيدة   (العادات قاهرات)   للمرحوم الرصافي المنشورة في ديوانه الأول المطبوع سنة ١٩١٠م  بالمطبعة الأهلية ببيروت.

ولقد استوقفتنا بعض العبارات التي دونها الأستاذ بيراعه  على صفحات الرسالة. وإظهاراً للحقيقة ودونا التعليق والرد على  ما جاء، بهذه الفقرات التالية لكي يقف على الحقيقة. الفقرة  الأولى: -

علق الأستاذ على هذه الأبيات من أنها خير دليل على  كذب الرصافي

إن كلفتني السكارى خمرتهم ... شربت لكن دخاناً من سيكارتي

إني لأمتص جمراً لف في ورق ... إذ تشربون لهيباً ملء كاسات

إن الرصافي نشر هذه القصيدة بديوانه المنشور سنة ١٩١٠م  وربما نظمها قبل هذا التاريخ ببضع سنوات، وبهذه الفترة  الزمنية في حياته كان صادق اللهجةفي إنكاره الخمرة بعيداً عما  يتصوره الأديب، حيث أنه لم يتحرر من العامل الديني آنذاك  تحريراً كلياً، إذ كان يقتصر على التدخين وحده، ولا يرى في  الكأس إلا سماً زعافاً.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى لا إنه شاعر، والشاعر له  احساسات وعواطف يحس فيها بقرارة نفسه، فيتناول براعته  ليضعها في قوالب موسيقية متناسقة، ويلبسها حلة زاهية. ولو  علم أن ما كتب مخالف لما هو عليه، فرائده تدوين ما انبثق من  حسه وما يتصور من شعور.

ولو فرضنا جدلاً أن الرصافي يحتسي الخمر حقا في تلك الحقبة  الزمنية فقصيدته جاء بها عن طريق النصح والارشاد حتى يتعظ  القارئ ويقتنع من قول ناصحه.

ولقد سلك الرصافي مسلكاً تحليلياً لإبانة ضررها بصورة  يشعر المطالع لها أن ناظمها ممن يجب الاقتفاء بأثره فيتخذ بنصحه  فهذا لا يعتبر كذباً.

الفقرره الثانيه                                                                   استشهد الاديب بهذه العباره للاستاذ الكبير الزيات بك                                           همه من الحياه شرب العرق ولب الورق واستباحه                           الجمال

إنا لا نزعم أن الرصافي لم يحتس الخمرة قط ولا ذاق طعمها،  بل يعود نظم هذه القصيدة في وقت كان أبعد ما يكون فيه عن الخمر  أما عبارة الأستاذ الزيات فكانت صريحة لا غبار عليها - وهذا  ما نتفق به مع الأديب الناصري - إذ قدم العراق بين فترة  سنة ١٩٣٠م إلى سنة ١٩٣٣ والرصافيبحد ذاته لا ينكر ذلك  بل ينطق بصراحته التي تعهدناها فيه. وإليك قصيدته التي نظمها  بعد تلك القصيدة أي     (العادات قاهرات)  .

(شكواي من الدهر)

إذا ما عقدنا مجلس الأنس بالطلا ... فبيني وبين السكر خمس دقائق

أقوم إلى كبرى الزجاجات مدهقاً ... بمستقطر من خالص التمر رائق

فأقرع بالكأس الروية جبهتي ... بشرب كما عب القطا التمر رائق

فأقرع بالكأس الروية جبهتي بشرب كما عب القطا متلاحق

أسابق ندماني إلى السكر طائراً ... يجنح الأنس المضاعف خافق

فنادمت أصحابي على غير وحشة ... وقلت لهم ما قلت غير منافق

وأغنيتهم عن نقلهم في شرابهم ... بمز طرى من نقول الحقائق

ولم يبد في السكر عند اشتداده ... سوى شكر خلى أو سوى حمد خالقي

تعودت سبقاً في الفخار فلم أرد ... من السكر أن أحضى به غبر سابق

هذه هي صراحة الرصافي في شرب الخمر، ولو كان شاربها في  ذلك الوقت الذي نظم فيه قصيدته     (العادات قاهرات)   لاعترف  بذلك كما هو معترف بهذه القصيدة.

أما وصف الأستاذ الزيات بك الرصافي وهي العبارات المتعلقة  في الفقرة الثانية فقد جاءت نتيجة قدومه إلى بغداد بين سنة ١٩٣٠م  إلى سنة ١٩٣٣م فألفاه على ما هو عليه ووصفه بما رآه في تلك  الفترة. فهل يجوز أن تكون عبارة الزيات برهاناً قاطعاً على جميع  الادوار والفترات التي مر بها الرصافي؟ بينما القصيدة كانت من  إنتاجه أيام شبابه حيث لم يتحرر من التقاليد الدينية آنذاك، والتي  تلقاها على يد أساتذته أمثال الالوسي وعباس القصاب.

الفقرة الثالثة:  ذكر الأستاذ الناصري (ولست أدرى ماذا كان الرصافي  يقول لو شاهد ألان الغانيات وهن يدخن في شوارع بغداد)  أن القارئ الكريم لو ينعم النظر في هذه الجملة لفهم أن الرصافي  ولد وعاش في القرن الثامن عشر. فكيف يسوغ للأستاذ أن  يكتب مثل هذه الجملة حول الرصافي. وهو الذي توفي سنة ١٩٤٥م وخالط جميع الطبقات من رفيعة إلى وضيعة ووقف على  أسرار كل منهما. وليعلم القارئ أن الرصافي جاب البلدان ورأى  بأم عينيه مدناً كالآستانة والقاهرة ودمشق وبيروت والقدس

وجالس الكثير من عوائلها المتفرنجة التي لا يشين نساءها شرب  الدخان وهن يتجولن في المجتمعات العامة والحفلات الخاصة وهو  صاحب الدعوة إلى السفور. أمثل هذا الرجل لم تنظر عيناه امرأة بفمها سيجارة خلال  السنين التي جاب بها تلك الأقطار؟! وفي الختام ليعلم الأستاذ الناصري إننا لم نتطرف في التعليق  على هذا الموضوع لولا ما لحق الرصافي من غبن.

بغداد

اشترك في نشرتنا البريدية