الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 661الرجوع إلى "الرسالة"

تلك الأشعة المحيرة!

Share

(تتمة ما نشر في العدد الماضي)

المصادفة أيضا

وقضى اكتشاف أشعة اكس على أحدوثة القرن التاسع عشر  من انه ختم الاكتشافات الطبيعية العظيمة ودفع العلماء والباحثين  في شتى أنحاء الأرض لكشف مجاهل هذه الأشعة وموادها.

فأجرى العالم انطون هنري بكرل في باريس مجموعة من التجارب  أراد بها أن يعرف إن كانت المواد التي تضئ عند عرضها في  الشمس تخرج أيضا أشعة اكس. ولحسن حظه وحظ العالم  اختار أحد أملاح اليورانيوم فلف ورق التصوير حساسة في ورقة  سوداء ووضع فوقها صليبا ثم عرض ملح اليورانيوم لضوء

الشمس ثم وضعه فوق الصليب. فلما حمض الورق الحساس  ظهرت عليه صورة الصليب.

وكأن المصادفة تأبى إلا أن تتحكم في كل كشف بالغ الأهمية.  ففي أحد الأيام أراد أن يكرر تجربته، واعد الورقة الحساسة في  لفتها السوداء وفوقها الصليب. وانتظر أن تبزغ الشمس ليعرض  في ضوئها ملح اليورانيوم ولكن الغيوم تجمعت فحجبتها تماما  فوضع الملح فوق الصليب، وحفظ الجميع في أحد أدراج مكتبه.

ومضت أسابيع فتذكر بكرل تجربته وعاد ليكررها.  ولكن إحساسا غريبا دفعه لان يحمض الورقة الحساسة بغير أن  يعرض اليورانيوم للشمس، فأصابته الدهشة التي أصابت رونتجن  فإن صورة الصليب ظهرت فيها أيضا. وأدرك من فوره أن  عرض اليورانيوم في أشعة الشمس ليس له من قيمة في إرسال  ذلك الإشعاع الغريب وان ملح اليورانيوم لسبب مجهول يرسل  باستمرار أشعة غريبة تشابه أشعة اكس.

المواد المشعة؟

وكان بيير كوري وزوجه ماري يعملان في معمل بكرل.  وكان كلاهما مغرما بالأبحاث فلما أعلن بكرل كشفه في عام ١٨٩٦  استأذنته مدام كوري في مواصلة البحث وكان هدفها أن تعرف  أن كانت هناك أملاح أخرى غير ملح اليورانيوم ترسل هذا  الإشعاع الغريب فوجدت ملحا واحدا أخر هو ملح الثوريوم  يرسل مثل هذا الإشعاع.

ولكنها اكتشفت أيضا أن خام اليورانيوم يرسل إشعاعا  قوي أربع مرات من إشعاع ملحة الملح النقي. وكان معنى هذا  أن خام اليورانيوم يحتوي على مادة غنية بإشعاعاتها العجيبة.  وعزم بيير كوري على أن يتخلى عن إكمال بحثه ويعثر هو وزوجه  على تلك المادة الفذة.

الراديوم

وتبرعت لهما الحكومة النمساوية بطن من اليورانيوم الخام.  فأخذا يحللانه بكل حذر، ويستخلصان مواده مادة بعد أخرى.  فكانت اول نتائج عملهما العثور على مادة تعطي   (أشعة بكرل)

وقد أطلقت عليها مدام كوري اسم   (بولونيوم)  تكريما لبلادها  بولونيا. ولكنه لم يكن غنيا بالأشعة ليحقق أحلام البحث  فواصلاه حتى كانت سنة ١٨٩٨ فاستخلصا آل كوري من الطعن  اقل من قمحة من مادة تشع مليونين ونصف مليون ضعف إشعاع  مادة اليوارنيوم وسمياها   (الراديوم) .

وكانت ذات خواص أخاذة فتشع الحرارة. وتكهرب الجو  حولها وتجعل كثيرا من المواد مضيئة إن قربت منها. كما كانت  تقتل أنواع الميكروبات والأحياء الدقيقة. وأصيب العالم والعلماء  بهزة عنيفة، ففي سنوات ثلاث فوجئ العالم بأكبر اكتشافات  عرفها التاريخ، وأولها أشعة اكس عام ١٨٩٥ ثم أشعة بكرل  عام ١٨٩٦. ثم الراديوم عام ١٨٩٨.

ولكن الأيام لم تترك آل كوري ينعمون بنتائج بحثهم ففي  أبريل عام ١٩٠٣ دهمت سيارة بيير كوري وقتلته. وأسدلت  الستار على حياة عالم وضع أساسا جديدا لأبحاث العلم الحديث.  ففي جميع أطراف العالم وعلى أثر اكتشاف الراديوم بدأ العلماء  يبحثون عن سبب الأشعة المجهولة، والنشاط الإشعاعي. وان  يحصلوا على تفسير معقول للمواد الطبيعية ومنها هاتان الظاهرتان.

اشترك في نشرتنا البريدية