كانت هذه التوجيهات آخر ما نشر الأستاذ الجليل عبد المتعال الصعيدي من علماء الأزهر المجددين وقد ضمنها أربعين حديثا محمديا صحيحة السند موثوقة المتن والنقل، اختارها المؤلف ملائمة لروح العصر وتوجيه أهله في الدين والعلم والاجتماع. ولعلنا أحوج ما نكون في محنة الأيام إلى هذا التوجيه المحمدي الذي دعا إليه الرسول أو قام به ليكون قدوة تحتذي رسنة تتبع، ففي كل عصر من العصور غمرة فساد وموجة طغيان ينهض لصد شرها ودرء عواقبها أهل الصلاح والإصلاح ممن آتاهم الله علما وفضلا
وهل كان شيء أجدى على الإنسانية الحيرى وأهدى في ردها إلى سواء السبيل من أحاديث الرسول وتوجيهاته التي كان يبصر بها الناس ويقيهم الانحراف والعثار، وقد جعلها لهم دستورا رافدا لتعاليم القرآن ونيرا للأمم في حياتها الاجتماعية ولقد قسم المؤلف هذه الأحاديث الأربعين إلى فصول صغار شرح فيها الكلمات شرحا لغويا وإعرابيا، ثم بسط الغاية منها بسطا وافيا، فكأنه يلقيها من على منبره في كلية الأزهر التي أسندت إليه تدريس الحديث في جملة عمله الجامعي
والأستاذ الصعيدي ذو دأب وتجديد في التأليف بالأدب والدين، لا لطلابه فحسب، بل لجمهور المثقفين بمصر وبلاد العرب، فهو إذا عرض دراساته إليها لم نجد كفايته وإتقانه مقصورين على هذه الدراسة، إذ نراهما يتناولان جذور البحوث الدينية فتجيء مشبعة بالتحليل والاستقراء
ففي كتابه توجيهات نبوية أو محمدية يبلغ المدى في فهم الحديث على الوجه الذي فهمه الصحابة فيه، ويقرر خلال الدرس والبحث نواحي المقارنة والمطابقة دون استطراد ينحرف بالقارئ أو تفصيل يضيق به كما اتفق لكثير من الشروح الدينية في زماننا.
وأطرف ما وجدت في هذه الأحاديث تحليل المؤلف لحديث النهي عن سبب الدهر، ولعل الدهر لم يتحمل سبايا مثلما تحمل في زماننا، فالأفراد يلومونه ويرمونه بالجور والعدوان، والجماعات تعزو إليه أسباب الفشل في الحياة، ولو جمعنا شعر العرب من امرئ أتقيس إلى شوقي لأتينا على شعر لا يحصى في سب الدهر وملامته، ناهيك ما عند المعري من ذلك
والنادرة الجميلة في هذا الحديث - إن صح أن يكون في الأحاديث نوادر - ما أورده المؤلف حفظه الله من تعليل لهذا الحديث وهو حث الإنسان على الرضى بما يصيبه في الدهر وعلى عدم الشكوى فيه من الدهر
وقد علل وجود الشكوى باعثا على اليأس، نعم إننا قد نيأس لأن اليأس مخلوق في غرائزنا وشعورنا، فالطفل الرضيع يمارس اليأس دون فكر، والكبير يمارسه بفكر أو بفلسفة، ولا مناص منه للإنسان ليجد الرجاء ويفتح باب الأمل بمحاربة القنوط، غير أن العلة في النهي عن سب الدهر كالعلة في النهي عن اليأس. ولليأس درجات أنكرها وأقصاها ما نهى عنه القرآن
كذلك نجد في هذه التوجيهات المحمدية ضروبا من الأحاديث الملائمة لعصرنا وأهله، فيها أدب وثقافة، وفيها هداية ووقاية، وقد فقد المؤلف باختيارها وشرحها إذ وضعها في قنديله، فشعت بنورها الجميل.
