من أهم ما تسعى إلى تحقيقه الإدارة الثقافية لجامعة الدول العربية هو تنشئة جيل عربي يعتز بقوميته العربية ويقدس تراثه المجيد. ورأت أن علم التاريخ هو أهم الوسائل التي تحقق هذه الأهداف، فدعت إلى تأليف لجنة من الخبراء في التاريخ لوضع قواعد عامة يسترشد بها في تأليف كتب التاريخ المدرسية في البلاد العربية وتقرير مناهج موحدة في هذه المادة في مرحلتي التعليم الابتدائي والثانوي، وقد تألفت هذه اللجنة برئاسة حضرة صاحب السعادة الأستاذ محمد شفيق غربال بك وكيل وزارة الشؤون الاجتماعية المصرية وعضوية حضرات الملحقين الثقافيين بالمفوضيات العربية بالقاهرة وحضرات: صاحب العزة الدكتور محمد مصطفى زيادة بك، الدكتور إبراهيم نصحي بك، الدكتور أحمد بدوي، الدكتور أبو الفتوح رضوان، الأستاذ علي إبراهيم عبده
وقد عقدة عدة اجتماعات ناقشت فيها شتى المسائل المتعلقة بكتب التاريخ المدرسية كالنظام المتبع في تأليفها واختيارها، ومادة الكتاب المدرسي في علم التاريخ، ونسبة الموضوعات بعضها لبعض، ونصيب التاريخ القومي والتاريخ العربي والتاريخ العالمي في هذه الكتب، والروح التي تعالج بها المسائل التاريخية، والمصادر التي تستقى منها المعلومات وهكذا. وقد عالجت اللجنة هذه المسائل وغيرها من ناحيتين: الأولى ما يسير عليه العمل فعلا في الوقت الحاضر في البلاد العربية المختلفة، والثانية ما يجب أن يراعى في المستقبل عند تأليف كتب التاريخ
لهذه البلاد الشقيقة.
ورأت اللجنة أن تقسيم البحث إلى شعبتين: الأولى خاصة بكتب التاريخ المدرسية في المدارس الابتدائية والثانوية. واستندت اللجنة في هذا إلى مختلف العوامل التي تحدد الكيفية التي يكتب بها كتاب مدرسي في التاريخ وإلى اختلاف هذه العوامل في حالة كل من التعليمين الابتدائي والثانوي. إذ لا شك في أن غرض كل من التعليمين يختلف عن الغرض من الآخر، وأن الخصائص السيكولوجية التي يتمتع بها الطفل في المدرسة الابتدائية هي غير الخصائص التي يخضع لها المراهق في المدرسة الثانوية. كما أن المادة وطرق علاجها ووسائل توضيحها وكيفية عرضها تختلف كثيرا باختلاف مراحل الدراسة، وهو اختلاف قائم على اعتبارات اجتماعية ودراسية وسيكولوجية مقررة.
ورأت اللجنة أنه لا مندوحة من إقامة بحثها وقراراتها على ضوء ما هو حاصل فعلا في هذا الميدان في البلاد العربية المختلفة. ولذا قررت أن تدرس أولا كتب التاريخ المدرسية المقررة في مختلف البلاد العربية دراسة فحص وتحليل وتقويم. فقسمت أعضائها بحسب تخصصهم وكلفت كل مجموعة بفحص الكتب المتعلقة بموضوع تخصصها وتقديم تقرير عنها. ثم ناقشت اللجنة مجتمعة كل هذه التقريرات مناقشة أدت إلى اتفاق الجميع على القواعد العامة والمناهج التي تقدمها اللجنة باسمها، وقررت اللجنة أن يكون المدار في تقويم الكتب المستعملة الآن وفي تقرير القواعد العامة والمناهج التي ستتقدم بها هو ذلك التقدير القيم الذي وضعته شعبة التاريخ في المؤتمر الثقافي العربي الأول الذي انعقد في لبنان في صيف سنة ١٩٤٧، والذي أدرج ضمن (مقررات المؤتمر) الذي نشرته الإدارة الثقافية لجامعة الدول العربية في القاهرة في سنة ١٩٤٨ فدرس أعضاء اللجنة فرادى ومجتمعين هذا التقرير القيم واسترشدوا به.
ورأت اللجنة أيضاً ضرورة الاسترشاد بتقرير لجنة الخبراء الدولية التي دعتها هيئة اليونسكو إلى الاجتماع بدار الهيئة بباريس في أكتوبر سنة ١٩٥٠ لدراسة طرق تدريس التاريخ وكتبه المدرسية والوسائل المؤدية إلى استخدام ذلك في تحقيق التفاهم
بين الشعوب.
وقد أستغل كل عضو من أعضاء اللجنة ما تحت يده من الموارد الخاصة ككتب التاريخ المدرسية المقررة في الأجزاء الأخرى من العالم كالولايات المتحدة وإنجلترا وفرنسا، وكتب الطرق الخاصة بتدريس التاريخ ومطبوعات هيئة اليونسكو.
وفوق هذا كله استفادت اللجنة بما يعرفه كل عضو من أعضائها من حاجات الدول العربية الشقيقة في هذه الحقبة الدقيقة من تاريخها وما تستلزمه هذه الحاجات من التعاون، ولا شك في أن التعاون الفكري والثقافي هو أساس كل تعاون سياسي واقتصادي، والدول العربية لها من وحدة ظروفها التاريخية ومقوماتها الروحية والثقافية واللغوية المشتركة ما يمكن أن يكون أساسا متينا للتعاون في غير ذلك من ميادين الحياة يندر أن يوجد في أي مجموعة أخرى من دول العالم. وعلم التاريخ هو جماع كل هذه العوامل المشتركة ومن ثم وجب أن يعتمد عليه قي هذه الأمم الشقيقة في توطيد أواصر المودة والتفاهم بين أجيالها الناشئة.
وقد انتهت هذه اللجنة من عملها وقدمت تقريرها إلى الإدارة الثقافية لجامعة الدول العربية توطئة لعرضه على اللجنة الثقافية للجامعة العربية في دورتها القادمة التي ستعقد في عمان في ١٦ أغسطس ١٩٥٢لإقراره وتوصية حكومات الدول العربية بتنفيذ المقترحات الواردة به.

