الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 1الرجوع إلى "الفكر"

ثورة الجزائر هى ثورة الشعب !!،

Share

قد يندهش كثير من الناس في الراى العاليى او المحلي من صمود هذه الثورة الجبارة التي تقوم في الجزائر منذ ما يقرب من عامين والتي تزداد نارها شدة من شهر الى شهر ... ومن اسبوع الى اسبوع ... والتي دخلت الآن في حلقة مفرغة شديدة الاحكام جعلت الجانب الجزائري يجند لها كل طاقته الكفاحية ... والجانب الفرنسي يستعمل فيها آخر ما عنده من القوى الاحتياطية سواء كانت هذه القوى بشرية او مالية او آلية حتى اصبحت فرنسا تعتبر نفسها بالفعل تخوض حربا حقيقية لا عمليات بوليسية هي حرب تمسك فيها دباباتها ... وتسقط فيها طائراتها ويموت فيها جنودها بالعشرات والمئات ويصمد فيها المقاومون الجزائريون امام قوات تكونت في الاصل لتخوض حروبا عالمية

والحق انه لا يكفي ان نعلل هذه الظاهرة وليدة الحماس الشعبي وحده ... او الانطلاق العاطفي فحسب .. لان الحماس لا بد ان يفتر بعد التهاب .. والعاطفة لا بد ان يعتورها البرود بعد الحرارة . ولو كانت ثورة الجزائر ثورة تعتمد على العاطفة وحدها .. او الحماس وحده لبدأت عنيفة شديدة ... ولمالت بعد ذلك شيئا فشيئا الى الانطفاء والخمود . اما الثورة التي نشاهدها في الجزائر فقد سلكت طريقا معاكسا تماما . اذ بدأت بقنابل الصبية وبطائفة قليلة من الرجال انبثت هنا وهناك في الجبال الجرائرية .. ثم اخذت تتعاظم وتمتد مع مرور الايام والشهور الى ان وجدت الدولة الفرنسية نفسها مضطرة لتقاومها ... لا بقوات البوليس او الجندرمة ... ولا بالجنود المرابطين في الجزائر " لحفظ الامن " ... بل اضطرت لتستورد من الجيش الاروبي الموجود بفرنسا واروبا وما جهزت به هذه القوات من آلات وعتاد حربي كان معدا ليجابه روسيا السوفياتية لا الثوار الجزائريين . ثم لم يكفها كل ذلك فاضطرت آخر الامر الى تجنيد الاحتياطي من ابنائها كما لو كانت تجابه جيش دولة من كبار الدول تغزو بلادها وتحتل ارضها . ثم لم يكفها هذا الاحتياطي البشري فاستوردت الجنود الزنوج من افريقيا السوداء ، ثم عدلك عنهم ، وهذا بقطع النظر عن الموارد المالية التي

استنفدت ما في خزينتها من المخصصات العسكرية ... فعمدت الى فرض الضرائب على المواطنين الفرنسيين .

ان الثورة التي تضطر فرنسا الى مثل هذه المسالك الشائكة الخطرة على مستقبلها ليست ثورة افراد " خارجين عن القانون " بالنظر الى غيرهم من افراد الشعب وانما هي ثورة شعب كامل خرج كله عن القانون القانون الذي لا يخدم مصلحته وانما يخدم مصلحة الذين سنوه فهو بالنسبة اليهم قانون ولكنه بالنسبة الى الشعب سيطرة وتحكم واستعمار .

ثم ان هذه الثورة ليست شعبية فحسب تحتضن سائر افراد الشعب وانما هي الى جانب ذلك خاضعة لمبادئ ثورية واضحة في اذهان مسيريها ومتجهة الى اهداف لا تقل وضوحا عن مبادئها وسالكة طريقا تنطبق عليه القوانين الثورية الصحيحة التي تدعمها نظريات اجتماعية وسياسية وفلسفية تشبع بها قادة هذه الثورة وكونوا بها وربوا عليها المناضلين الذين يقومون بهذه الثورة سواء في داخل المدن او في انحاء الجبال او ممن يعملون لها في الحقل الدولي .

ففي الثورة الجزائرية يوجد جيش التحرير الوطني الذي يعمل بالسلاح ولكنه يعمل مغمورا بمساندة الشعب وتأييده واعانته العملية اي ان الشعب كله مجند ليعمل الى جانب جيشه الوطني التحريرى ! والشعب عندما يساند جيشه الوطني ويعزز اعماله ويحمي تحركاته فانما يفعل ذلك لانه يؤمن بان المقاومة التي يقوم بها جيش التحرير ليست فقط شرعية وانما هي حيوية بالنسبة لمصير حياة الوطن وضرورية لا مناص منها لسحق الجهاز الاستعماري الذي يبطش بابناء الوطن والذين جعل هدفه هو القضاء على الحياة الوطنية الجزائرية التي تقف في طريق والتي تعطل سيطرته ونفوذه على الشعب .

ان فرنسا في هذه الثورة تقوم بعمليات احتلال جديدة لا من حيث تجنيد مواردها البشرية والاقتصادية والمالية فحسب ولكن ايضا وبالخصوص من حيث الاساليب التي ترتكبها في سنة ١٩٥٥-١٩٥٦ مثلما كانت ترتكبها في سنة ١٨٣٠ وما بعدها . وهي اساليب التوجه الى المدنيين بما في ايدي جنودها من اسلحة مدمرة وبما في ادمغة ضباطها من اساليب الترويع والبطش وان من يقرأ صفحات من تاريخ احتلال فرنسا للجزائر ويقارنها بما تقوم به اليوم من هذه الاساليب

ليشعر بان السياسة الفرنسية لم يتغير منها شىء كما لو لم يات على الفترتين قرن كامل من تاريخ البشرية تمخض عن انقلابات عالمية تعد من ابرز الانقلابات فى التاريخ البشري حتى ان لاكوست يسمح لنفسه بان يفتخر بانه يسير على هدى خطوات ( بيجو ) ولكن هذه النقطة بالذات هي سر فشل السياسة الفرنسية الحالية فى الجزائر وهى عدم مراعاتها لسنة تطور التاريخ وعدم تفطنها للظروف الاجتماعية فى فرنسا وفى الجزائر ما بين الفترتين . اى ان السياسة الفرنسية لم تدرك انها في عهد الاحتلال كانت حيويتها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية قد بلغت عنفوان من العظمة والتماسك بقدر ما كانت الظروف الاجتماعية والسياسة فى الجزائر فى عهد الاحتلال قد بلغت اسوأ الحالات من جراء الاستعمار التركي ... اضف الى ذلك ان الظروف الدولية التى كانت فى القرن التاسع عشر ظروف ازدهار بالنسبة الى الاستعمار اصبحت اليوم ظروف تدهور وانكماش . وهذا بطبيعة الحال الى جانب انقلاب الوضع الاجتماعى والسياسى فى فرنسا والجزائر اليوم عما كان عليه في القرن التاسع عشر اذ ان فرنسا اليوم تخوض الحرب الجرائرية بعد ان انهكتها سلسلة من الحروب المتواصلة لم تتوقف فيها يوما واحدا لتستريح منذ سنة ١٩٣٩ .

ان فرنسا او غير فرنسا نجحت في حروب القرن التاسع عشر الاستعمارية لانه قرن كان يخدم قضية الاستعمار وينجحها فى اى مكان من انحاء العالم ... او بعبارة اخرى كان هذا القرن يمتاز من ناحية بعظمة اروبا المستعمرة من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والدولية ويمتاز من ناحية اخرى باستعداد آسيا وافريقيا المستعمرتين لان يتقبلوا الاستعمار يخضعوا له بفضل انهيارها الاجتماعي والتقدمي !

اما القرن العشرون فقد سمي قرن التحرير كما سمي القرن التاسع عشر قرن الاستعمار . لان التيار التحريري فيه قد غمر آسيا وافريقيا مثلما غمرها في القرن التاسع عشر تيار الاستعباد . ولكن فرنسا التي سارت مع تيار القرن التاسع عشر الاستعماري اصبحت وكانها عاجزة عن ان تسير فى تيار القرن العشرين التحريرى وهذا لا يرجع الى قوتها وعظمتها كما قد يتبادر الى الذهن خطأ .. بل بالعكس يرجع الى ضعفها السياسي الذى تتحكم فيه طائفة معينة لا تسير مع التيار الوطني الفرنسي ولكن تسير مع التيار الاستثماري . وبهذا اصبحت فرنسا

في هذا القرن تقف في طريق التاريخ ، وهي مع ذلك تشعر انها لا تستطيع ان توقف هذا التيار . . ولكنها الى جانب ذلك لا تستطيع ان تسايره . فبقيت مغمورة بامواجه التي تنهكها من كل جانب من الجانب الدولي والجانب الاجتماعي الداخلي والجانب الوطني المتحفز وفي الجزائر .

وهكذا يتبين لنا ان الثورة الجزائرية قد تجمعت لديها كل امكانيات الانتصار ونعني بها امكانيات التكتل الشعبي في الداخل والتآزر في الخارج وضعف الخصم المقابل فى امكانياته الاجتماعية والسياسية والاقتصادية !

على ان هذه العوامل التاريخية التى تتحكم فى سياسة فرنسا اليوم في الجزائر ... هذه السياسة الاستعبادية التى تقوم بها في عصر التحرير لم تؤد بها الى الخطإ فى اتجاهها العام فحسب بل ان هذه العوامل تحكمت حتى في الاساليب التفصيلية التى تنفذ بها هذه الحرب في الجزائر . وان المبدأ الذي تقوم به في حربها فى الجزائر هى ان تفصل بين جماهير الشعب الجزائري وجيش التحرير الجزائري . ونقطة الضعف فى هذه الاسباب . بل نقطة التناقض هي انها لم تتفطن ان جيش الشعب وان كل فرد فى هذا الجيش لا يدافع عن مصير وطنه وحرية هذا الوطن فحسب وانما يدافع ايضا عن عائلته المعرضة للتنكيل امام جند الاستعمار . . وعن ارض اجداده التى حرم ان يتغذى منها ويأكل هو وآباؤه وأفراد عائلته . ثم ان هناك نقطة ضعف اخرى اخطر من هذه وهي عدم ايمان الشعب الفرنسي نفسه بشرعية هذه الحرب . وشعور كل عائلة فرنسية بان ابنها الذي يحارب في الارض الجزائرية ويموت فيها او يؤسر او يخرج انما بتعرض لكل ذلك فى سبيل معمر مثر يعيش في الجزائر لا في سبيل الدولة الفرنسية ولا فى سبيل حرية الشعب الفرنسي او استقلاله كما هو الامر عندما تهاجمه دولة في ارض وطنه وهذا الشعور السائد فى العائلات الفرنسية هو الذى جعل شبانها عندما يجندون يذهبون الى الجندرمة وقلوبهم مليئة غضبا وقلوب عائلاتهم ممزقة حسرة وحزنا . فى حين لم نعرف مطلقا ان جنديا فرنسيا قد اظهر العصيان في اي مرحلة من مراحل التاريخ الفرنسى .

فالسياسة الفرنسية اذن تواجه افراد جيش التحرير الذين يؤمن كل واحد منهم بانه يحارب من اجل غاية واضحة تستحق ان يعطي فداها حياته ثمنا . ولكنها

تواجه هذا الجيش بافراد جيشها هى الذى لا يعرف اى واحد منهم لماذا يقاتل ولماذا يموت ! والذين يعرفون منهم ذلك يعرفون شيئا واحدا وهو انهم لا يموتون من اجل فرنسا ولا يحاربون من اجل الجيش الفرنسى . ولكنهم يموتون ويحاربون من اجل مصالح حزبية ومناورات برلمانية سخيفة ومصالح استعمارية مخجلة .

ولهذا فان القطيعة التى تحلم بها فرنسا ان تحصل بين جيش التحرير الوطنى الجزائرى وبين الشعب الجزائرى انما حصلت فى الواقع بين العائلات الفرنسية وافراد الشعب الفرنسى الابرياء المستثمرين وبين سياسة فرنسا ومسؤوليها المستهترين .

اما الشعب الجزائري فان تكتله حول جيشه التحريري وقادته الكبار قد بلغ من المتانة والشمول ما مكنه من الصمود امام كل هذه الوسائل التى ما كان ليصمد امامها لولا تضامنه الذى يحيط به جيش التحرير الوطني كما يحيط الماء بالسمكة العائمة .

ان الثورة الجزائرية الجبارة تسير في هذا الطريق السوي المستقيم وتعتمد هذه الاسس الواضحة الطاهرة لانها تحتضن فى طليعتها النخبة الصالحة من ابناء الشعب وترتكز اسسها على الوحدة القوية التي تجمع بين صفوف المناضلين ... والروح التي تبعث فيها الحرارة هي روح التضحية . .. وروح العزم الذي لا يلتوي نحو الاستقلال والتحرر الوطني ..

اما المبادىء العقلية التى تنير الطريق امام هذه الثورة فهى الحرية الشعبية الحقيقية للجزائر والوحدة المغربية التى يطمح اليهاكل افراد الشعب المغربى من أغاديير الى قابس . . . هذه الوحدة التى تتحقق فى العمل المباشر وتنبثق من ارادة الشعب يدفعها تيار التاريخ ، واخيرا هذا المبدأ الذي تدين به انسانياتنا المتحضرة اليوم . . . انسانياتنا الصاعدة المتحررة . . لا انسانية الاستعمار والاسترقاق السياسى ... وهو مبدأ حق تقرير المصير لكل شعوب العالم .

اشترك في نشرتنا البريدية