الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 344الرجوع إلى "الثقافة"

جاءت أمطار الصيف !

Share

جاءت أمطار الصيف فاحذروها ؟ وياليتها كانت قطرات الغيث تأتي بحيراتها ، ولكنها أمراض الصيف بكل متاعبها ومضايقاتها . وليته كان الغيث السهل اليسر ، ولكنه السيل الكاسح المدمر - الكل عنده سواء . الأطفال والرجال والنساء . يختار لزحفه طرقا ملتوية هي الأمعاء ، ويمعن فيها تنكيلا حتى يغلب الداء الدواء ، وهو يغير  طريقة هجومه من حين إلي حين ، مستعينا بمختلف الجراثيم  فهو إما إسهال حاد يستنزف من الطفل حيويته ، أو دوسطاريا ملحة ترهن المريض من كثرة التبرز والتعني ، أو حمي معوية تطول أو تقصر وتسبب للطفل عذابا كبيرا .

ولنبدأ بإسهال الصيف فهو عدو الطفل الأكبر .

إنه يقضي في مصر على ثلث الأطفال الرضع الذين لم يبلغوا السنة الأولى من عمرهم . ويوجد منه نوعان : النوع البسيط الذي يمضى بسلام بعد بضعة أيام يشكو الطفل خلالها من زيادة في عدد مرات التبرز مصحوبة بوعكة خفيفة وارتفاع يسير في الحرارة مع نوبات من المغص والتي تسبب له أنا وصراخا . ولكن حتى هذه الحالات البسيطة قد تتطور إذا تراخى الوالدان في العلاج فتنتكس حالة الطفل فجأة فتنهار مقاومته بسرعة ويقضي في ساعات أو أيام . أما الحالات الشديدة فقد تبدو بسيطة في بدايتها ثم تتطور فجأة ، أو قد تبدأ عاصفة كاسحة فتقضي علي الطفل في ساعات أو أيام قلائل . وكثيرا ما سمعنا عن أطفال كانوا يلهون ويلعبون في الصباح وهم أتم ما يكونون صحة وسعادة فإذا بهم في المساء على حافة القبر يعانون السكرات نتيجة إسهال فجائى حاد .

وأول ما يلاحظ في مثل هذه الحالات قيء مستعص

يعاود الطفل كلما تناول أي سائل أو غذاء وتكثر عدد مرات التبرز ويتغير لونه ورائحته . ولكن حذار من الاعتماد  كلية على شكل البراز .

فقد يحدث في الحالات الشديدة أن يتبرز الطفل مرتين أو ثلاثا فقط ، وقد لا تدل رائحة البراز على وجود عفونة أو تخمر فينحدر الطفل سريعاً نحو الهاوية قبل أن يشخص الداء على حقيقته . ولذا يجب ألا نتهاون في العناية بهذه الحالات من أول الأمر وإلا صعبت مهمة الأم والطبيب معاً في الأخذ بيد الطفل إلي بر السلامة . ويمكن إدراك تطور الحالة إلي الأسوأ باشتداد حالة القيء بحيث يستعصي على الطفل أن يتناول أى سائل مهما كانت طبيعته ، وينقص وزنه بدرجة لا مثيل لها في أي مرض آخر من أمراض الطفولة ، وتغور عيناه وتجف شفتاء فيفتح فمه ويدلي لسانه إلي الخارج باحثاً ومطالباً بجرعة ماء سرعان ما يتقايأها عقب تعاطيها ، وبنكمش جلده وتزيد سرعة تنفسه وترتفع درجة حرارته ، وتظهر على وجهه كل معاني الألم ، وقد تنشأ به تشنجات تعقبها غيبوبة تنذر بخطر مبين ، ولا بد من سرد بعض طرق الوقاية التي يفيد اتباعها في تجنب الطفل ويلات هو في غني عنها . وأول هذه الطرق تشجيع الأم على إرضاع طفلها ، وخاصة إذا كان الجو حاراً حيث يكثر تلوث الألبان العادية بالجراثيم ؛ وإذا لم يكن هناك بد من اللجوء إلي لبن خارجي فتفضل ألبان العلب لخلوها من الجراثيم وسهولة هضمها . كما تجب العناية بغلي أدوات الرضاعة من زجاجات وحلمات . ولمكافحة الذباب أهمية خاصة ، فيجب وضع الغذاء والأدوات المستعملة في تحضيره في أماكن لا يصل إليها الذباب . ومن أهم طرق الوقاية تجنب فطام الطفل في فصل الصيف مهما كان عمره ، وكذلك العناية بعلاج الإسهال مهما كان بسيطا ، فإن الحالات البسيطة قد تصبح شديدة إذا أهمل علاجها . ويجب علينا أن نقف منها من البداية كالمقدم على معركة ضد الموت

بعينه ، لا يخدعنا لين ملمسها فهي خادمة قد تنقض على غريمها في ساعة غفلة واستسلام . ويجب أن أحذر الأمهات مشدداً من أن معظم الأطفال الأصحاء تظهر أسنائهم دون أن يصيبهم مرض ما ، فكثيراً ما يعتمدن على أن ما يطفلهن من إسهال أو غيره ناتج عن بروز سن تصادف حدوثه قبيل أو أثناء إصابة الطفل بالمرض ، فيتراخين في العلاج اعتمادا على هذه الفكرة الخاطئة ، ولا يقطن إلى الحقيقة المرة إلا عند دخول الطفل في دور النزع حين لا ينفع الدواء ، فتذكر الأم دائماً أن التسنين لا يمكن أن يتسبب عنه إسهال حاد .

وفي علاج هذه الحالات أود أن ألفت النظر إلي نقطنين هامتين : الأولى أن تمنع الطفل من تناول أي غذاء ، بل تقتصر على إعطائه سوائل بسيطة كمنقوع الينسون أو الكراوية أو ماء الأرز حتى يراه الطبيب . والثانية تحذير الأم من الإكثار من ثياب الطفل أثناء مرضه . فكثيرا ما لاحظت أن الأم تعمد إلي الإكثار من ثياب طفلها الداخلية والخارجية ظنا منها أن في زيادة تدفئته فائدة تعود عليه . والواقع غير ذلك ، فإن الإسهال والحر  والدفء ، ضدان لا يجتمعان . ويميل الرأي الحديث إلي تخفيف الثياب ما أمكن ووضع الطفل في أرطب غرفة بالمنزل ، بل وأكثر من ذلك إلي تسليط مروحة كهربائية على لوح من الثلج في غرفة المريض ، لأن ذوبان الثلج وتشبع جو الغرفة بالرطوبة يقلل من فقدان الماء من جسم الطفل عن طريق جلده أي عن طريق العرق والتبخر من سطح الجسم ، ويكفيه ما يفقده من ماء كثير في برازه المتكرر أما الدوسنطاريا فحكمها كالإسهال في طرق الوقاية والعلاج ، ولكنها تختلف عنه في الأعراض بظهور دم ومخاط وصديد في البراز ، ويقاسى الطفل من آلام بطنية شديدة مصحوبة يميل إلي الحزق والتعني ، فيأرق نومه ويسوء يومه ويسام من العذاب ألوانا .

وقصة حميات التيفود والبارا تيفود طويلة ، ويكفي أن نقول هنا إن جراثيمها تظهر في براز المريض وأحيانا في بوله ، وإن تلوث الأطعمة بها من أهم عوامل انتشار المرض . والمعلوم أنها تنتقل بوساطة اللين ومركباته والجيلاني بأنواعها والخضراوات النيئة كالتي تستعمل في تحضير السلاطة مثل الخيار والجرجير والخس والطماطم ، وقد تأتي العدوي عن طريق حامل الجراثيم ، وهو الذي توجد الجرثومة بجسمه دون أن تظهر عليه أعراض المرض . وأشد حاملي الجراثيم خطراً هم الخباز والطاهي وبائع اللبن ، ويجب أن نشك في وجود حامل الجرثومة بين أصحاب هذه المهن في الأوبئة التي يصاب بها أفراد عديدون في شقة واحدة أو عمارة واحدة أو شارع واحد . وحمي التيقود شديدة العدوي ، لذا يجب عزل المريض حتى يتم شفاؤه ، وحتي يثبت الفحص البكتريولوجي للبراز والبول ثلاث مرات متوالية بينها على الأقل يومان ، عدم وجود جرتومة المرض في إفزازات الطفل . وفي أثناء المرض يجب تطهير البول والبراز ، فيضاف إلي محتويات القصرية حامض فينيك أوليزول ، وتترك وهي مغطاة لمدة نصف ساعة قبل تفريغ محتوياتها في المرحاض ، وإني أحذر دائما من عادة تقديم المرطبات والقهوة للزائرين في منزل به إصابة بالتيفود . ويا حبذا لو تناسينا غريزة إكرام الضيف في هذه الظروف في سبيل السلامة الشخصية . أما الذباب ، وهو الحليف الأكبر لحمي التيفود ، فتجب مكافحته بشتي الوسائل كاستعمال السوائل المضادة للذباب ووضع شباك على النوافذ ، لأنه من أهم عوامل انتشار المرض .

فإذا أخذنا حذرنا من الذباب وإفرازات المريض أمكننا وقاية المخالطين من انتقال العدوي إليهم ، ولكن يجب ان تدعم مناعتهم بحقنهم بالطعم الوافي ، ويمكن حقنه للأطفال ابتداء من السنة الثالثة من عمرهم بقادير مناسبة .

ويا حبذا لو حقن الأطفال به في بداية الصيف من كل عام بأخذهم إلي أقرب مكتب صحة حيث يطعمون مجانا ضد مرض من أخطر أمراض الطفولة .

وفي الختام أحذركم من أشياء أربعة : الذباب ، والخضراوات النيئة ، وأصابع المريض وإفرازاته ، واعتبار التسنين كسبب لبعض أمراض الصيف .

اشترك في نشرتنا البريدية