أدخل الولاة والسلاطين على جامع عمرو بن العاص من الاصلاحات والأبنية المستحدثة ما غير معالمه الاولى . فأصبح جامع ابن طولون اقدم العمائر الدينية الاسلامية التي لا تزال باقية على حالها في مصر . وهو فضلا عن ذلك أخطرها شأنا عند كثيرين من ذوي الرأي في الفنون
مسيحى يرجح أنه كان عراقي الأصل .
ويتكون الجامع من صحن مربع مكشوف يبلغ طول كل ضلع من اضلاعه نحو ٩٢ مترا ، وتحيط به اروقة من جوانبه الأربعة ، وا كثرها هو رواق القبلة . وبين جدران الجامع وسوره الخارجي ثلاثة أروقة في جانبيه وفي مؤخرته ،
والآثار . وحسبك أن ترى اليوم منارته من ميدان " السيدة زينب " لتتنبه إلي ما في عمارته وزخارفه من إبداع وابنكار.
وقد قام أحمد بن طولون أمير مصر بتشييد هذا الجامع بين عامى ٢٦٣ و ٢٧٥ ه(٨٧٦-٨٧٨ م) على يد مهندس
أي من بحريه وقبليه وغربية . وتسمي هذه الآروقة " الزيادات " ، لأن بعض المؤرخين القدماء، يذهبون إلي ان ابن طولون امر ببنائها عندما ضاق الجامع عن المصلين.
ومهما يكن من شئ ، فان مثل هذه الزيادات كان
موجودا في المسجد الجامع بسامرا ، وفي مسجد أبي دلف بالعراق ايضا . والمعروف ان الطراز الطولوني في العمارة ، وفي فنون الخزف والنسج والحفر علي الخشب كان منقولا من الطراز الفني العباسي ، الذي ازدهرهم في العراق - ولا سيما في سامرا - إبان القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي )
وجامع ابن طولون مشيد بآجر احمر غامق . ومما يلفت النظر فيه استخدام الدعائم الضخمة المستطيلة الشكل بدلا من الأعمدة ، ويقال إن ابن طولون اراد ان لا يستخدم في مسجده أعمدة الرخام بعد أن قيل له إنها لا تحتمل النار ، كما يذهب آخرون إلي أنه فضل دعائم الآجر لأنه تورع عن اخذ العمد من الكنائس . ومهما يكن من شئ فان للدعائم المستخدمة في جامع ابن طولون أعمدة من الآجر مندمجة في زواياها الأربع ، ولكنها للزينة
فحسب ، لأن الثقل واقع علي الدعائم نفسها (انظر شكل ١)
على أن أغرب ما في جامع ابن طولون إنما هو منارته او مئذنته ، وهي تقع في الرواق الخارجي الغربي ، وتتكون من قاعدة مربعة ، تقوم عليها طبقة اسطوانية ، عليها اخري مثمنة ، أما مراقيها فمن الخارج علي شكل مدرج حلزوني ، ولا يريب في ان هذه المنارة بنيت على نمط المنارة " الملوية " في جامع سامرا ، ومنارة مسجد ابى دلف ، وعلى كل فهي عجيبة الشكل جليلة المنظر .
وقصاري القول أن جامع ابن طولون يمتاز ببقائه على حاله إلي حد كبير ، ومنارته ودعائه ، وزخارفه الجصية ، وإيوانانه الكبيرة . ويعد من أروع العمائر الإسلامية القديمة بما يبعثه في النفس من خشوع ورهبة وإعجاب نهار المهندس وإبداع الفنانين .
