الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 285الرجوع إلى "الرسالة"

جورجيــــــاس، او البيان، لافلاطون

Share

_16_

تنزل « جورجياس » من آثار « أفلاطون » منزلة الشرف ، لأنها أجمل محاوراته وأكملها وأجدرها جميعاً بان إنه لا ، الفلسفة ) . د رينوفيه ، وإنما تحيا الأخلاق الفاضلة دائما وتنتصر لأنها أقوى وأقدر من جميع الهادمين ! » جورجياس : أفلاطون »

الأشخاص

1- سقراط : بطل المحاورة : ( ط ) 2_جورجياس : السفسطائي : ج 3- شيريفين : صدیق سقراط : ( سر ) 4_بولوس : تلميذ جورجياس : (ب) 5_كاليكليس : الأثيني(ك)

ط - ( رداً على بولوس الذى سلم بقول سقراط ) ولنأخذ الآن الحالة المضادة، ولنفرض أنه يجب أن ننزل شراً بأحد من الجناس عدواً كان أم غير عدو ، وإنما على شريطة ألا نكون قد أسينا منه بسوء - إذ يجب أن تحذر من ذلك تماماً - فاذا كان إذا

غيرنا هو الذى أصيب منه ، فيجب أن نبذل كل الجهود الممكنة من أعمال وأقوال حتى لا يعاقب ولا يمثل أمام القاضي ، وإذا هو م إلى المحكمة فيجب أن يعد السبيل لقراره وعدم عقابه بحيث لو كان قد سرق كمية كبيرة من الذهب فأنه لا يعيدها إلى صاحبها بل يبقيها وينفقها على نفسه وأتباعه بطريقة ظالمة عدة ، وبحيث لو كان قد استحق الموت بجرائمه فانه ينجو منه ، بل إذا أمكن ألا يموت أبداً وأن يخلد برداءته وشره ، أو إذا أمكن على الأقل أن يعيش إلى أطول حد مستطاع بحالته تلك - فليكن له ذلك ... ! جاحدة

تلت يا برلوس من الغايات التي يلوح لي أن البيان يستطيع أن يخدمها (۱) لأنى لا أراء يقدم فائدة كبيرة لذلك الذى لا يستطيع أبداً أن يرتكب ظلامة ما ، إذا صح أن يقدم له أية فائدة : وقد رأينا في مناقشتنا السابقة أنه (أى البيان ) لا يصلح لشيء (٢) ك - أخبرني يا شيريفين : أترى سقراط جاداً فيا يقول أم هو مهذر ) ؟

ش - يلوح لى با كالبكليس أنه جاد كل الجد ، ولكن ليس أفضل من أن توجه إليه سؤالك ك - وأنا أرغب في ذلك كل الرغبة وحق الآلهة : أخبر يا سقراط : أيجب أن نعتقد أنك كنت جادا طوال هذه اللحظة أم كنت تهذر ؟ ذلك أنه إذا كان كلامك مقصوداً ، وإذا كان قولك حقا ، فان حياتنا الاجتماعية لا شك معكوسة ، وإنا لنفعل فيا يلوح - نقيض ما يجب أن يفعل !

يا - إذا لم يكن الناس يا كاليكليس خاض مين لأهواء واحدة وكان لهؤلاء اتجاه ولأولئك اتجاه آخر ، بل وكان لكل منا هواه الخاص الذى لا يتصل بأهواء الغير ، فانه لا يكون سهلاً ولا ميسوراً أن تجعل الغير يدرك ويفهم انشر به ، وإذا كنت أقول ذلك فانما أقول لأني قد لاحظت أننا الآن - أنت وأنا - فى نفس الحالة ، فنحن الاثنين عاشقان لموضوعين اثنين ، اما لألمبياد من كلينياس ) والفلسفة ؛ وأنت ( لديموس » الأثيني

ة ولديموس بن فير بلامب ) ، ولذلك أتخيل دائماً أنه بالرغم من فصاحتك الخاصة ، فان كل ما يقوله موضوع شرامك وهواك وأى نحو يري به الاشياء ، لن يجد منك القدرة على مناقض + 1 يل إنك سوف تترك نفسك كالريشة في مهب أفكاره ، بحيث لو قد بسطت في الجمعية العمومية فكرة ما ، وقام ( ديموس ) الأنيني يعارضها ، فانك ستتركه يفعل ما يشاء ، وستعدل من لهجتك تيماً لأهوائه ؛ كما أنك تمين بأن تفعل مثل ذلك إزاء هذا الفتى الجميل ابن «فير يلامب ) : ذلك لأنك يا كاليكانيس في حالة لا تسمح لك عمارضة رغبات وأقوال محور عشقك وهواك (٢) ،

بحيث إذا دمش بعضهم وبهت في كل مرة تتكلم فيها ، وساير أقوالك فوجدها سخيفة ممتلة فانك ستستطيع أن تجيبه - إذا أردت أن تقول الحق - بأنه إذا لم يمنع أحد « غرامك » من أن يتكلم كما يتكلم ، فانك لن تستطيع أن تمنع نفسك من أن تقول ما تقول : فقل لنفسك إذا إنها يجب أن تنتظر نفس الاجابة من ناحيتى . ولا تعجب من الأقوال التي سأقولها ، ولكن أرغم ( إذا استطعت (۳) ) -- موضوع حى - (وهو) (الفلسفة

على أن يكف عن قول ما يقول : إنه هو في الحقيقة يا صديقي العزيز الذي يقول من غير توقف ماتسمعني أردده في هذه اللحظة، وإنه لأقل تغيراً بكثير من موضوعات غرامي الأخرى ؛ لأن ابن كلينياس ) يتكلم أحياناً بطريقة أخرى ، بينما لا تتخذ الفلسفة وأماً إلا قولاً واحداً ؛ إنها هي التي نطقت بالأقوال التي أدهشتك ، والتي ساعدت بنفسك في مناقشتها ؛ وأكرر أنها

بالتالى هى التى عليك أن تناقضها ، فبرهن إذا على أن ارتكاب الظلم والعيش بعد ارتكابه دون عقاب ليس بأفدح الشرور ؛ وإلا فاذا تركت ذلك القول دون أن تنقضه ، فاني أقسم لك بالكلب » إله المصريين يا ( كاليكليس » أنك لا تتفق مع نفسك ، وأنك تعيش معها في اضطراب دائم ؛ وأنا أفضل من ناحيتى يا صديق الحاذق أن تكون لى ربابة غير متوافقة الأرتار وكلما نشوز ، أو أن أكون رئيساً لفرقة مغنين مضطربة

الأصوات ، أو أن أجد نفسى معارضاً ومناقضاً لأغلب الناس ، على أن أكون مختلفاً فقط مع نفسى ومناقضاً لها (1)

ك - (٢) يبدو لى يا سقراط أنك تبدع في كلامك كما يبدع الخطيب الشعبى ؛ وإنك لتخطب هكذا لأن بولوس قد أصيب بنفس الغيبوبة التي قد أنهم جورجياس بإصابته بها حيال أقوالك . والحق أن بولوس كان محقاً فى قوله إن اعتراف جورجياس عند ما سألته أنت حل سيعلم ( العدالة ، لذلك الذى سيقصد إلى مدرسته راغباً في تعليم البيان دون أن يعرف شيئاً عنها، وأجابك بأنه سيعلمه إياها جرياً وراء خجله الكاذب ، وخوفاً من أن يصدم آراء أتباعه السابقة الذين كانت ستغضبهم أية إجابة غير هذه أول الحق إن ولوس كان عنا في توله . إن هذا الاعتراف جعل الرجل يتناقض مع نفسه ويحقق ما كنت تبنيه منه تماماً ؛

ولكن ها هو ذا بولوس قد اصبح بحق ( ايضا » موضع سحريتك فيما بلوح لي ، وذاك هو السبب الذي جمله يضع نفسه موضع جورجياس : فانى لم أرض من ناحيتى عن موافقته لك على أن ( الأقبح ) هو ارتكاب الظلم لا احتماله : لأنك استطعت بعد ذلك التنازل منه عن رأيه أن تعرقل مناقشته بتدليلك ، وأن تقفل فيه فلم يجرؤ على الكلام متابعاً رأيه ، والواقع أنك في الوقت الذى تزعم فيه وتؤكد أنك تبحث عن الحقيقة وحدها تراك تسلك مسلك الخطيب الشمي المهرج وتوجه الكلام نحو «الجميل»

لا تبعاً لأحكام الطبيعة ، بل تبعاً لأحكام القانون ، ولكن الحق أن الطبيعة والقانون يتناقضان في أغلب الأحيان ، فاذا حدث وغلب الحياء على المتكلم فمنعه من التصريح بما يراه فانه يضطره إلى مناقضة نفسه ؟ وذاك هو السر الذى اكتشفته يا سقراط لنستعمله في نصب أشراكك ونخاخك فى المحاورة ، حتى إذا تكلم أحدنا مشيراً إلى القانون ، سألته أنت بالاشارة إلى الطبيعة ، وإذا تحدث عما هو كائن في نظام الطبيعة سألته مشيراً إلى القانون ، وهكذا فعلت مثلا في العالم المرتكب والمتحمل ، إذ بينما كان بولوس يتكلم عن الأقبح تبعاً للقانون ، كنت أنت تتابع المناقشة مشيراً إلى الطبيعة ، لأن كل ما هو « أرداً » في نظرها هو أيضاً

الأقبح » مثل احتمال الظلم ، بينهما ( الأقبح ، تبعاً للقانون هو ه الارتكاب » لا الاحتمال ، والواقع أنه ليس من طبيعة الانسان الحر أن يحتمل المظلم ، وإنما ذلك من طبع العبد الذى يرى أن الموت أفضل من الحياة ، والذي يؤثر ألا يدافع عن نفسه وهر حتقر مكلوم ، وألا يدافع أيضاً عمن يهمه أمرهم ؛ ولكني أرى

أن الضعفاء والسواد الأعظم هم الذين سنوا القوانين ! وهم لذلك قد جعلوها لأنفسهم ولمصالحهم ا لهذا تراهم لا يوزعون ثناءهم ومديحهم ، أو لومهم وعتابهم، إلا من أجل ذلك الصالح الخاص ولكما يخيفوا الأقوياء - وهم أولئك الدين يستطيعون أن يعلوا ولكما يحولوا بينهم وبين ذلك العلو ، تراهم يقولون إن الظلم والعار في الطمع فيها هو أكثر من نصيبك ، وأن الظلم إنما يقوم في الرغبة في امتلاك شيء أكثر مما يمتلك الآخرون؛

وإلى لأتخيلهم يضون ويقنعون بأن يكونوا على قدم المساواة مع من هم أفضل منهم ! وذلك هو السبب في أنهم يقررون في عالم القانون أن الطمع في إحراز ما هو أكثر من النصيب العام للأفراد ظلم وقبح : بل ذلك هو ما يسمونه د بالظلم » ا ولكنى أرى أن الطبيعة نفسها تعلن أن العدل إنما يقوم في أن ينال الأحسن أكثر من الأسوأ، والقوى أكثر من الضعيف (۱) ،

وإنها لتقدم لنا ألف مثال لتثبت أن الأمر كذلك ، لا في عالم الحيوان فحسب ، بل في النوع الانساني أيضاً بين المدن والأجناس جميعاً ، حيث نستطيع أن نتبين أن العدالة تبنى أن يسود الأقوى » على الأقل قوة ، وأن ينال نصيباً أوفر من نصيبه. فمثلا بأى حق في الواقع قام Xerxes o بالحرب في بلاد الاغريق؟ و بأى حق قام بها أبوه في Scythie ! هذا إذا تركنا الأمثلة اللانهائية التي تستطيع أن تذكرها من ذلك النوع . إنهم يعملون فيها أرى تبعاً لطبيعة ( الحق ) : وقسما بريوس ، تبعاً ( القانون الطبيعة ) الذى ربما خالف قانون الناس !

( يتبع )

اشترك في نشرتنا البريدية