الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 208الرجوع إلى "الثقافة"

حب في المصيف

Share

صيف ١٩٣٥ . . لم انس هذا التاريخ لان إقامتي الصيفية في أوروبا في ذلك العام لم تزد على اثنتين وسبعين ساعة ، وكان المفروض انها تستغرق على الأقل شهرين . . البحر على الباخرة النيل قاصدا نابولى في هذه المرة لاني لم أكن رايتها من قبل ، وطالما شوقني إليها الكتاب والشعراء من إنجليز وفرنسيين وألمان . . اليس هناك أيضا مثلا إنجليزيا يقول : شاهد نابولى ثم اعتزل العالم . .

وصلنا نابولي فأول ما استرعي نظري بركنها الشهير " فيزوف " وكان منظره رائعا رغم ضحاياه العديدة خلال العصور حقا . . إن كل جميل فتاك ! . كان هناك في انتظارنا عند الميناء قطار اتصال للعواصم الأوربية ، ولكني لم أركبه ، إذ رأيت ان اقضي بضعة ايام في نابولى

لمشاهدة محاسنها واثارها ، وذلك قبل أن أستأنف رحلتي إلى داخل اوروبا ، حقا إن لنابولي ضواحي فتانة للغاية ، كذلك بها آثار رومانية فخمة مثل (بوسى) التى خربها زلزال ٧٩ ، وقد كانت في صدر الدولة الرومانية مصيفا جميلا للسراة والعظماء

ولكن أجمل شئ في نابولى بشرة فتياتها الخمرية ، التى كانت سببا في ان صيفتي في اوربا لم  تدم في تلك السنة أكثر من اثنتين وسبعين ساعة . وإليك ماحدث

كنت اتناول طعام الغداء في أحد فنادقها في اليوم الثاني من قدومي ، وكانت بجواري أسرة عرفت أنها من أهل المنطقة من لون بشرة افرادها ولهجتهم ، وكانت بينهم فتاة فاتنة استولى على مشاعري حسنها ، إذ كان جمالها جديرا بريشة رفائيل . . عرفت من حديث القوم انهم

مسافرون غدا إلي الإسكندرية على نفس الباخرة النيل التي أقلتني البارحة ، عرفت ذلك لأنهم كانوا يتحدثون في صوت قال كما هي عادتنا نحن جميعا شعوب البحر الأبيض ، فما كان مني إلا أن ذهبت من فوري إلي

مكتب " كوك للسياحة حيث اخذت تذكرة إياب إلى مصر ، فعحب موظف الشركة المختص لهذا التصرف ، لاني كنت رجوته في الصباح أن يهيء لي برنامج رحلة إلي أوربا الوسطى ، فقلت للرجل على سبيل الاعتذار حتي لا يظن بعقلي الظنون : إنه وردتني برقية تدعوني إلى العودة إلي مصر فورا . . وفي صباح اليوم التالي حملت حقيبتي إلي الباخرة ، وبعد أن أفرغتها في الكابين

صعدت إلي الجسر كي اشاهد الركاب وهم يصعدون إليها تباعا ، وقد كانوا قليلين ، إذ منذا الذي يصيف في مصر من اهالي أوربا ؟ . وكم سررت حينما شاهدت الأسرة المذكورة تصعد بدورها الباخرة وبينها فتاة أحلامي . على أنه حينما دوي صفير الباخرة مؤذنا بالرحيل ، رأيت الفتاة وحدها تقبل أفراد الأسرة واحدا واحدا ، فزاد سروري

إذ قلت : ها هي فتاتي تسافر بمفردها ، فيسهل لي بذلك امر التعرف بها ! ولكن كم كانت خيبة املي شديدة حينما رأيت انها هي التي تغادر الباخرة ، والذين كانوا مسافرين إلي مصر هم باقي أفراد الأسرة غير المرغوب فيهم . .

وحينما عدت إلي مصر ، وسألني الأهل والأصحاب في دهشة مشروعة ، عن سبب عودتي المفاجئ ، قلت : إني مرضت في الطريق ، فآثرت العودة إلي الوطن . حيث تتوافر اسباب العناية . ولو كنت أخبرتهم بالحقيقة ، لذهبوا بي توا إلى المستشفى المعهود .

اشترك في نشرتنا البريدية