الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 219الرجوع إلى "الرسالة"

حديث لأميل لودفيج مع الأديب المصري جورج قطاوي

Share

تعد ضواحي سان موريتز قبلة الكتاب والفنانين منذ   (نيتشه)   فان منظر بحيرات سيلس ماريا في سفح جبال الألب مما يخلب  النفوس؛ ولهذا أقام بها الكاتب المشهور أميل لودفيج منذ سنوات.  ولقد تعرفت منذ ثلاث سنين بمؤرخ حياة الرجال العظماء حينما كان  يعد كتابه الكبير عن ماء النيل. ويسرني أن أسمع منه أثر رحلاته  العديدة في مصر والسودان. ولهذا انتهزت فرصة وجودي في  ضيافته يوماً لأسأله عن الأسباب التي حملته على وضع كتابه هذا  الأخير. وقد وجدت على مكتبه ست تراجم لكتاب النيل    (بالإيطالية والمجرية والبرتغالية والفرنسية الخ)  وغيرها الآن  تحت التحضير، ولكن الذي يهمه أكثر من هذا كله هو  الترجمة العربية قال إميل لودفيج: (إن الشرق يجذبني إليه منذ كنت  صبياً. فقد كنت أسمع أبي يتحدث عن مصر فتبتهج هذه الحكايات  مخيلتي؛ ذلك أن أبي - وكان يدعى هرمان لودفيج كوهين -

كان طبيباً للعيون، ودعاه السلطان عبد الحميد لاستشارته فاستمر في رحلته إلى مصر حيث أكتشف علاجاً للرمد، وتغلغل في  بيوت القاهرة العريقة، وتعرف بأميرات عديدات من البيت  المالك، وزار السودان، ودرس قبائل البشارية الذين كانوا  يدعونه (حكيمباشي)

(وهأنذا قد عبرت وادي النيل من الحبشة إلى الدلتا بعد مضي  نصف قرن على رحلة أبي. ولما أصبت بالملاريا في أثناء مقامي  بالحبشة عند منبع النيل الأزرق كانت زوجتي هي التي قامت بوصف  البحيرات الكبرى، ومن وصفها وضعت الخمسين صفحة المخصصة  للنيل الأبيض. وقد حكم نقاد أمريكان عديدون بأن هذه  الصفحات هي خير ما في الكتاب)

(المعروف أن مدام لودفيج هي نفسها إفريقية، فقد ولدت  في دربان من أب ألماني وأم اسكتلندية وهي ساعد زوجها الأيمن) وأضاف لودفيج قائلاً: (ولقد وضع جلالة الملك فؤاد تحت  تصرفي خلال ثلاثة أسابيع باخرة تدعي  (الكاشف)  صعدت

بها النيل، وهذه الأسابيع الثلاثة مع رحلتي إلى اليونان هي  أسعد أيام حياتي

و (النيل)  من بين جميع مؤلفاتي هو الذي اقتضى أكثر  الجهد والعناء والبحث والعمل الطويل، لأن مؤلفاتي الأخرى  مثل (نابليون)  و (بسمارك)  و (لنكولن)  و(غليوم الثاني)   قد ألفتها خلال فصل صيف، من مارس إلى نوفمبر. وأما قصصي  التمثيلية، فقد كان يلزمني يومان اثنان لأكتب كل فصل منها.  وعلى الضد من ذلك قد قضيت عشر سنوات لأضع مأساة نهركم  العظيم التي أردت أن تكون من القوة بحيث تمثل أبطالي من  البشر، فخلصت من الوقائع والإحصاءات والوثائق لأعيد في ذهن  القارئ جو ما عبرت من أماكن، وما استنشقت من عطر  لا سبيل إلى نسيانه. . . لأن منشأ أكثر مؤلفاتي هو أثر شعور  يتمكن مني؛ فكتاب (ابن الرجل)  مثلاً قد تمثل إلى ذهني ذات  مساء بينا كنا في طريقنا من بيت المقدس إلى الناصرة)

ولما سألته عن الشخصيات المصرية التي احتك بها، حدثني  عن تشرفه بلقاء المغفور له الملك فؤاد فقال:

(لقد كان يتمنى لو وضعت حياة الخديو إسماعيل، ولما كان  الموضوع لا يلهمني الإلهام الكافي فقد وعدته بأن أخصص بضع  صفحات من  (النيل) لذكرى والده

والحق أن خير رجال الحكم المصريين الذين أتيح لي لقياهم  هو سفيركم في لندن: الدكتور حافظ عفيفي باشا؛ وفي خلال  مروري بلندن في يونيه الماضي تحدثت طويلاً إليه. وقد أراد  تقدمتي إلى جلالة   (الملك فاروق)  لولا أن سفري إلى أمريكا قد  حرمني هذا الشرف)

وكان المسيو لودفيج عائداً فعلاً من الولايات المتحدة حيث  قضى زمناً بالقرب من الرئيس روزفلت في بيته الخلوي بهايد بارك.  وهو يحمل لرئيس الحكومة الأمريكية أشد الإعجاب، إذ قال: (إنه رجل من نوع جديد، ظهر لأول مرة في الحياة  العامة، رجل القرن العشرين، الباسم أبداً، المستبشر المتفائل  على الدوام. فإنني ما رأيت قط نظرة أصفى من نظرته، ولا وجهاً  أشد من وجهه حزماً وعزماً. وهو رجل الحكم الوحيد السعيد

الذي عرفت. . . وسيكون أسم كتابي عن حياة روزفلت:    (بحث في الهناء والمقدرة) . والرئيس يود بكل جوارحه  لو فرض على سياسة العالم التآلف والوفاق. وأعظم أمانيه وأعزها  تدعيم السلام في أوربا

وله في هذا الصدد آراء دقيقة ثمينة، غير أني أخشى أن  يكون قد سبق السيف العذل ولات حين تدخل؛ ولم أستطع أن  أخفي عنه رأيي في هذا، فإني أرى أوربا تندفع، منخفضة الرأس،  نحو حرب جديدة؛ وأشفق من أن تقع الواقعة حتى قبلما يترك  روزفلت الحكم

والبحث عن الكوارث المقبلة لا يكون في الصعوبات المادية  التي تعانيها أوربا بل في روح الشر والعداء المشبعة بها بعض الدول،  ولكن روزفلت ساهر؛ والفرق بينه وبين الديكتاتوريين أنهم  يريدون أن يخافهم الناس وروزفلت يريد أن يحبوه)

وعبثا حاولت معرفة رأي المسيو لودفيج في المعاهدة الإنجليزية  المصرية، فقد قال:

(إن كل شيء يتوقف على السياسة الدولية وعلى الحرب  القادمة التي لا أرى مفراً منها)

ومع ذلك فهو لا يخفي عطفه الشديد على الفلاح المجاهد العنيف  الذي يشتغل بقوة؛ وهو يعني كثيراً بما ينتظره من مصير. وكذلك  يتمنى لو جمعت الأخوة يوماً ما بين العرب واليهود

على أن تشاؤمه لا يحول بينه وبين الأمل في مستقبل حضارتنا  المهددة فهو يقول:

(إن ما ينبغي هو إنقاذ الميراث الأدبي المجيد للشاعر جيته  من المتوحشين. وإذا عشت حتى عام ١٩٣٩ فإنني سأعيد كتابة  حياة مؤلف فاوست. فهو الرجل العظيم الوحيد الذي لا أمل  الإعجاب به طرفة عين. أما الآن فقد أتممت كتاباً يختلف اختلافاً  محسوساً عن كل ما كتبته حتى اليوم وهو   (كليوباترة) ، وقد  كتبته في أربعة أسابيع، كأنني كنت في حلم)

وهكذا تراني قد ظللت وفياً لبلادكم وأرجو أن أسافر إلى  القاهرة هذا الشتاء في شهر فبراير، وأتحدث في الجامعة.

اشترك في نشرتنا البريدية