الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 800الرجوع إلى "الرسالة"

حسين شفيق المصري:

Share

(كتب أديبنا الكبير السيد مصطفى صادق الرافعي  رحمه الله وصف هذا الصحفي القدير، وكان قد كتب  هذه الكلمة منذ ربع قرن يقرظ بها جريدته   (الناس ) )

(المنصورة)

الأستاذ حسين شفيق المصري الذي يمتع الأمة بهذه  الصحيفة   (جريدة الناس)  ماجن ظريف، ولو تقدم به الزمن  لتهاداه الملوك والأمراء، فقام على بساط منشدا، وجلس على آخر  نديما، وتقلب على الثالث مضحكا. وعربد على رابع، وجلد على  خامس - ولعل الله أخره إلى دهرنا رحمة به أن يأمر أحد الملوك  فيملئوا فاه ذرا بعد أن فرغ من إنشاده المعجب المطرب -  ويشره هو إلى الثروة والغنى فيفتح فمه إلى أقصى الحلق فتدخل  اللآلئ وتخرج الحياة.

وهذا الأديب في عصرنا غنما هو بقية فن من أبدع فنون  الدب، كما كان لا ينبغ فيه إلا عقول معدودة لا تقصر في حكمة  الكلام عن غاية، ولا تتخلف في ظرف البلاغة عن شأو، ولا  تجيء بما تأتي إلا على الأسلوب الذي يهز النفس من طرفيها،  كأن الله قد وهبها سر القدرة على ما يعسر وما يؤلم فلا تتناول  معنى إلا انشق لها عن فنون غربية تهديها إلى ما فيه من الضحك  الذي لا ينكشف إلا للنفس الشاعرة، والتهكم الذي لا يظهر  إلا للنفس الحكيمة، والمزاج الذي لا يبدو لغير النفس الظريفة.  وما الشعر والحكمة والظرف إلا أسرار ذلك الأسلوب النادر  الذي لا ينقاد إلا لأعقل العقول متى أريد به استخراج المعاني  المجنونة من الطرب.

فالبلاغة الظريفة الماضية التي بعضها التي من سياسة وخز الإبر،  وبعضها من سياسة الظهر والعصا. . . قلما تستجيب إلا للعقول  المبتكرة التي خلقت متسلطة على النفوس من اقرب جهلتها،  وهذه العقول لا تسرف القوة الأزلية في خلقها، بل هي حين  ترحم الناس بهاو فتجعلها قليلة نادرة. وإنك لتجد أهنأ الضحك  ذلك الذي ينفجر من القلب ولكنه إن طال انفجر القلب،  ولست أعرف تلك العقول إلا في كبار رجال السياسة الذين يدبرون  أمر الممالك، وفي كبار رجال الأدب الذين يدبرون أمر العواطف،  وفي كبار رجال الفلسفة الذين يدبرون كل شيء ولا يدبرون  شيئاً! فمن أي أولئك نعد   (حسين شفيق)  هذا الذي لو تألفت من  رؤوس الأدباء صيدلية لطب الكلام لكان هو   (دولاب السموم)  

فيها. . لا نعرف من أمثال كاتبنا هذا في تاريخ الأدب على تقادم  الزمن إلا قليلين يسمونهم أصحاب النوادر، وقالوا إن المشهورين  منهم: ابن أبى عتيق وأشعب وأبو الغصن وجحا وأبو العبر  وأبو العنبس وابن الجصاص ومزيد المدني. وهم ثمانية، فإذا  توسعنا وأضفنا إليهم الشعراء الماجنين أبا الرقعمق وصريع الدلاء  وأبا الحكم الجاهلي والأسطرلابي وابن حجاج، فلا نكون قد  زدنا في القليل إلا قليلا، فإذا استقصينا بغاية الاستقصاء وتممنا  عليهم بأصحاب الأجوبة المسكتة كأبي العيناء ونظرائه، فلا نزال  حيث كنا. ولا يذهبن عنك إننا لا نعد إلا المشهورين الذين أوتوا  ملك النادرة لا بالرقاعة والحمق، ولكن بالأدب والبلاغة والشعر  والحكمة وتوجيه كل ذلك إلى الجهة الضاحكة المسفرة من الحياة

ثم إن لهذا الأديب بعد ذلك فضلا كثيرا على العربية إذ  يمكن لها بين قرائه من العامة وهم ألوف كثيرة، وينشر الفكاهة  بمقالاته القصيرة في أذواقهم وألسنتهم. ولا سبيل إلى إحياء  العربية في هذا العصر إلا أن نجعل العامة أشبه بالعرب الملوحين  لا ينكرون الفصيح ولا يأبونه لمكان طباعهم وإن كانوا  لا يستطيعونه على وجهه لمكان ألسنتهم.

(فجريدة الناس) صحيفة من الصحف ولكنها مع ذلك  ناموس اجتماعي عظيم دائب في ترقية الطباع والأذواق، ولو أن  لها من القراء عدد من عندنا من العامة لكان ذلك من فضل الله  علينا وعلى   (الناس) .

اشترك في نشرتنا البريدية