الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 159الرجوع إلى "الثقافة"

حفلة شاى !

Share

بقلم الأستاذ محمود تيمور

بدر بك : أطل معه في الحديث ... ! الأستاذ فرغلي : لن أتركه إلا بعد حضور نعمان بالمدعوين ...

صابر بك : حسن جدا ...! فكرية هانم : متشكرة يا أستاذ ...!

( الأستاذ فرغلي يخرج ... خليل باشا منهمك في هذه الاثناء بتدخين لفافة الهافانا ، وهو مضطجع على المتكأ في نشوة ... فكرية هانم مهتاجة تروح وتجيء غير مستطيمة ضبط عواطفها . تذهب إلى النافذة وتراقب منها القادمين ، ثم تعود إلي السير وتنظر في ساعة يدها ... وهكذا دواليك " صاير بك " قلق لا يقر

له قرار ... حفيظة ، هانم وعنايات هانم وبدر بك يتحدثون ) .

بدر بك : ( لحفيظة هانم ) أحضرت الأوبرا هذا العام يا عطوفة الهانم ؟

حفيظة هانم : حضرت بعضها ... عنايات هانم : لعلك سررت من لوهنجرين ...؟ لقد كانت درة الموسم ...

حفيظة هانم : لا أحب في الموسيقى إلا بتهوفن ... بدر بك : عطوفة الهانم على حق ... موسي بتهوفن موسيقى تصويرية من الفن الرائع ... فمثلا عندما يدخل لوهنجرين في الفصل الأول ...

عنايات هانم : ما أبدعه ... حفيظة هانم : يدخل في زي أبيض ، راكبا أوزة بيضاء ... منظر رائع ... !

( التليفون يدق )

صابر بك : أوه ... لابد أنها اعتذارات . ( لبدريك ) : بدر بك ! ألا تنوب عني ؟ :

بدر بك : ( في التليفون ) آلو ... آلو ...  نعم ...؟ ( ثم يتكلم بالفرنسية ) :

Oui ... Oui... excellence ... tout de suite excellence ...

( نصاير بك بصوت منخفض ) : القنصل ... ... القنصل ...! ( صابر بك يجذب السماعة من بدر بك عندما تسمع فكرية هانم كلمة القنصل تهرع إلي التليفون وتقف بجوار صابر بك وتسمع بشغف ...) صابر بك ( في التليفون بالفرنسية ):

Bon jour excellence... Oh merci... mille merci excellence pas de tout excellence ca n'a aucune importence excellence... Avotre disposition, excellence. A toute à Theure excellence...

( يضع صابر بك السماعة ويجفف عرقه ...) صابر بك : يقول إنه سيتأخر قليلا ، لأن العمل اليوم كثير جداً في القنصلية ...

( وهنا يكون خليل باشا قد أتم تدخين لفافة السيجار ... يقوم ويضع يديه في جيبي حلته ثم يقصد إلى مائدة الشاي ينتقي منها خلسة بعض الحلويات ... تسمع جلبة في الخارج ... الجميع إلا حفيظة هانم يسرعون إلي النافذة وبتجمعون عليها ...)

فكرية هانم : ( تصيح في طرب ) احسنت يا نعمان أحسنت !!

بدر بك : حقا أنه لعفريت  ... كيف تسنى له أن يجمع هؤلاء ؟

فكرية هانم : ولد نشيط جدا ... والله لا أفرط فيه أبداً ... إنه يحمل أثقال البيت كلها على كاهله ...

( يدخل نعمان ومعه خمسة عشر تلميذاً ، وخلفهم الأستاذ فرغلي ... خليل باشا ينتبه لدخولهم ... يحشو فمه بالحلوي دفعة واحدة ، ويزدردها بسرعة ثم يتقدم نحو التلاميذ ...)

بدر بك :( يخاطب التلاميذ ، وقد أحكم وضع المونو كل على عينه ) بدون زحام ، واحداً واحداً ... اصطفوا بنظام ...!!

( بدر بك منهمك في ملاحظة التلاميذ وإعدادهم في صف واحد كأنه ضابط جيش ينظم عسكره ... ثم يسير أمامهم ذهاباً وإياباً كما يفعل الضباط عندما يعرضون فرق الجيش ...)

صابر بك : ( لنعمان جانباً ) وأبن وجدتهم ؟ : نعمان : إنهم تلاميذ يا سعادة البك ، قد أسسوا نادياً قريباً منا ... فدخلت عليهم ، وقلت لهم : عندنا حفلة شاي عظيمة ، ألا تحضرون لتشاركونا فيها ؟

فقالوا : حباً وكرامة ! فأحضرتهم ... ... ( خليل باشا يتقدم ويفتش التلاميذ محتذيا حذو بدر بك )

خليل باشا : ( بامتعاض ) وأين الإناقة ؟! بدر بك : الزي يا باشا لا بأس به ... ( بدر بك يميل علي الأستاذ فرغلي ويسر إليه كلاما . الأستاذ فرغلي يسير إلي نعمان كلاما ... ويخرجان مسرعين )

خليل باشا : ( مخاطباً التلاميذ في لهجة الأمر وبصوت مرتفع ) النظام النظام !! قلت النظام ، النظام .

حفيظة هانم : كان الواجب أن تعملوا شارة فيها رسم القنصل لبيشكوها في عروة السترة ... كتلاميذ مدرستي ...

( يدخل الأستاذ فرغلي ونعمان وفطومة حاملين الأمشاط والعطور والفوط وبقية أدوات النظافة ، ويسرعون إلى التلاميذ ينظفون لهم ملابسهم ووجوههم ويسرحون لهم شعورهم ، ويعطرونهم ... )

فكرية هانم : ( لعنايات هانم ) والله إن فرغلي رجل ابن حلال ...! ( تلتفت إلي الأستاذ فرغلي وتهز يده ) متشكرة جدا يا فرغلى بك ...

الأستاذ فرغلي : العفو يا سعادة الهانم ... أنا دائما في الخدمة ...

فكرية هانم : ( تميل علي صابر بك ) ومتى تعلن مفاجأتك ؟ ... هذا الوقت مناسب جدا ... !

فكرية هام :( تخاطب الجميع ) صابر بك هيأ لكم مفاجأة لطيفة ( يهتم الجمع وينصت ، صابر بك وفكرية هانم يتسارأن قليلا ، ثم تخرج فكرية هانم ... صابر بك يظهر ورقة كبيرة من جيبه ، وببدأ يسلك حنجرته فكرية هانم تعود ومعها صورة داخل إطار جميل الصورة مغطاة ) .

صابر بك : ( يقف موقف الخطيب وبقرأ على الجمع ) سيداتي : سادتي ؛ أتشرف بأن أعلن لكم أن جناب قنصل جمهورية مندوزا ، تقديرا لما بذله هذا الضعيف الواقف أمامكم من جهود متوالية في سبيل حماية الدراجة وتأسيسه جمعية لها ، والعمل على جعلها أداة من أدوات الرياضة المحبوبة ...

( بدر بك يصفق في حماسة . الجمع يصفق بعده  صابر بك ينحني شاكراً )  .

صاير بك : ( بتابع خطبته ) تقديراً للجهود التي بذلها هذا الضعيف الواقف أمامكم ، قد تكرم سعادة القنصل ، وهو رئيس نادى الدراجة في بلاده - أن يمنحنى وسام الاستحقاق الرياضى ...

الأستاذ فرغلي : ( يهتف بأعلي صوته ) يحيى حامى حمي الدراجة !! ( التلاميذ يرددون خلفه ) يحيى حامى حمى الدراجة !

صابر بك : ( متمما خطبته ) وعملا بالمراسم المتعارفة ، ثم يحملها ، ويمرو تمشياً مع آداب اللباقة سأريكم رسم هذا الوسام الذي سيحمله إلينا بعد لحظة جناب القنصل ...

( صابر بك يشير إلي نعمان ويزيح الستار عن الصورة ، ثم يحملها ، ويمر بها أمام المدعوين ، وهم يظهرون إعجابهم الشديد ... التليفون يدق ... ).

صابر بك : التليفون يا نعمان ! نعمان : ( يضع الصورة على إفريز المدفأة ، ويذهب ليتكلم في التليفون ... ) آلو ... آلو ... نعم ...  ( في وهشة ( ماذا تقول ؟ ... زلزال ؟ ... ما هذا ؟ ... انتظر قليلا ... ( يضع السماعة جانبا ويهرع إلي صابر بك ) . يقولون : لقد وصلت إليهم برقية تخبرهم بحدوث زلزال شديد في بلد القنصل  ...

صابر بك : زلزال ؟ ! ( فكرية هانم منزعجة ) . حفيظة هانم : يا لطيف الطف ... ( صابر بك يهرع إلي التليفون ... )

صابر بك : ( في التليفون ) أي زلزال ؟ ... البلد كلها تخربت ؟!...

حفيظة هانم : يا ساتر استر ... صابر بك : ( يتابع حديثه في التليفون ) خسائر تقدر بملايين الجنيهات ... والضحايا بالآلاف المؤلفة ... إذا لن يحضر القنصل ... طبعا سنذهب إليه لتعتز به ... ...!

( بضع السماعة بغضب ، ويوجه كلامه للموجودين في ثورة وعنف ... )

لا مناص لنا الآن من الذهاب لتعزية القنصل في النكبة التي أصابت بلده ...

( فكرية هانم في أشد حالات الغضب والانزعاج تروح و تجيء ، وهي تشد منديلها بأسنانها ...)  خليل باشا : ( لصابر بك ) متأسفون جدا يا بك ... ما باليد حيلة !!... وما دام القنصل لن يحضر ، فأظن من اللائق جبر خاطر هؤلاء الضيوف ... ( يشير إلى التلاميذ ) ويفتتح البوفيه .

صابر بك : ( باشارة يأس ) اعملوا ما شئتم ...!! ( خليل باشا يتقدم ويسر بضع كلمات لحفيظة هانم ، فتتقدم وتتجه نحو البوفيه لافتتاحه . خليل باشا يصدر أوامره لنعمان وفطومة ليقوما بالخدمة ... تبدأ جلبة الأكل ... صوت خليل باشا يعلو على كل الأصوات ).

خليل باشا : ( أمام البوفيه يجعجع قائلا ) هات هذا هنا ... ضع ذلك هناك ... قرب هذا الطبق مني ... أعط هذا الأفندي تلك القطعة من الشطير ... النظام ... النظام ... حافظوا على النظام ...

( الكل يذهب للاشتراك في الأكل ما عدا فكرية هانم وصابر بك والأستاذ فرغلي وبدر بك وعنايات هانم ... تقبل عنايات هانم على فكرية هانم تسليها ... )

( بدر بك والأستاذ فرغلي مع صابر بك ... التليفون يدق ... )

فكرية هانم : ( صارخة وواضعة أصابعها في أذنيها ) ... سأكسر هذا التليفون !!

صابر بك : ( يذهب باستسلام إلي التليفون ويتكلم في لهجة سآمة ... )  آلو ... آلو ... نعم ... هنا منزل صابر بك ( يغير لهجته دفعة واحدة .. ) ماذا تقول ؟ لم يكن الزلزال في جمهورية متدوزا ؟ حدث في المملكة المجاورة لها ؟ إذا كان الخطأ في البرقيات ؟...  سعادة القنصل في الطريق إلينا ...! خرج منذ قليل ؟!..

( عنايات هانم وبدر بك والأستاذ فرغلي وفكرية هانم يتجمعون حول صابر بك وهو يتكلم في التليفون ... تبدو عليهم جميعا دلائل الفرح والنشاط ، سرعان ما يعتلى الأستاذ فرغلي مقعداً ، ويوجه كلامه للجمع الملتف حول مائدة الأكل ... )

الأستاذ فرغلي : ( يصيح بأعلى صوته ) قفوا الأكل !!... قفوا الأكل ...!!

الأستاذ فرعلي : ( متمما كلامه ) لا زلازل ولا براكين ...! جناب القنصل حاضر الآن ...

( بدر بك يتقدم وخلفه الأستاذ فرغلي ، وهما يبعدان الجالسين عن المائدة ، ويصدران أوامرهما للخدم بترتيب الأشياء من جديد ، الخدم يشتغلون ... الكل في هرج ومرج ) .

حفيظة هانم : ( ملتفتة ومتسائلة ) ماذا جري ؟ بدر بك : حصل خطأ في البرقيات يا عطوفة الهانم .. القنصل حاضر الآن ...!

حفيظة هانم : والزلزال ؟!... عنايات هانم : ( وهي تساعد بدر بك ) في بلد آخر ... ( التلاميذ يتذمرون لمنعهم من الأكل !) خليل باشا : ( وقد ملأ فمه بالطعام ) النظام ... النظام ... ليست المسألة مسألة أكل ... وإنما هي مسألة ترحيب وتكريم ...!!  ( التلاميذ ما زالوا متذمرين )

هدنة قصيرة ... وبعدها تعودون للأكل ... ( حفيظة هانم تترك المائدة ، وتتهيأ لاستقبال )

القنصل ... بدر بك يعيد تنظيم التلاميذ في صف واحد ، يلقي عليهم التعليمات لاستقبال القنصل . صابر بك وفكرية هانم مهتمان بزينتهما استعداداً لحضور الضيف ...)

فطومة : ( ندخل بسرعة ) لقد حضر جناب القنصل .. لقد حضر جناب القنصل ...!!

( الكل يستعدون بعد برهة يدخل القنصل ويتقدم بخطى متزنة بطيئة ، وخلفه القواص يحمل عليه من المخمل ، مفتوحا غطاؤها ، وظاهراً فيها الوسام ... )

صابر بك وفكرية هانم : ( يتقدمان خطوة وينحنيان  و هما يقولان ) إكسلانس !!

( الجمع خلفهما ينحني ويقول بصوت واحد : إكسلانس ... نعمان يقصد إلي الفوتوغراف ويضع اسطوانة نشيد جمهورية مندوزا ... حفيظة هانم تتقدم الجمع ذاهبة إلي القنصل ، تمد يدها للقنصل فينحني ويقبلها ... ... )

( انتهت )

اشترك في نشرتنا البريدية