سيدي صاحب مجلة الثقافة
قرأت في العدد ) ٣٣٣٢ ( من مجلتكم المحترمة مقالا للدكتور يحيى الخشاب تحت عنوان ) سياست تامة - نظام الملك والبرامكة ( ، وقد ساقني جمال اسلوب الكاتب المحترم إلى قراءة المقال اكثر من مرة ، وقد لاحت لي أثناء القراءة بعض الهفوات اعتقد انها وقعت سهوا من حضرته ، وها انا اسجلها على صفحات الثقافة خدمة للحقيقة والتاريخ ، وقد رايت ان اناقش بعض النقاط البارزة فقط .
١ - جاء في صدد المقارنة بين يحيي البرمكي ونظام الملك ما نصه ) وكما نجح يحيى بن خالد البرمكي في صرف الهادي عن تولية ابنه جعفر بدل أخيه هارون ، كذلك نجح نظام الملك . . . ( وقد راجعت ما وقع تحت يدي من المصادر الموثوق بها حول هذه النقطة فوجدتها مجمعة تقريبا على أن يحيى لم ينجح قط في إقناع الهادي وردعه عن فكرة تولية ابنه جعفر بدل أخيه هارون ، وبقي الهادي مصرا على فكرته حتى وفاته الفجائية التي ظن أن للخيزران وليحي البرمكي أثرا فيها ، ويحيي نفسه كان سجينا في الليلة التي توفي فيها الهادي نتيجة لمشايعته لهارون ، فذكر الجهشباري أن يحيي كان بالحبس ويخشى القتل في تلك الليلة وأنه قال : ) فإذا أنا بخادم يقول لي السيدة تريدك ، فقالت لي إن هذا الرجل قد مات وأما الطبري فيقول : ) ولما لم ير الهادي يحيي بن خالد يرجع عما كان عليه لهارون بما بذل له من إكرام . . بعث إليه يتهدده بالقتل إن لم يكف عنه . . فلم تزل تلك الحال من الخوف
والخطر ) ١ ( ثم إن يوضح القضية أكثر بقوله : إن جماعة من القواد تآمروا علي حمل الهادي على قتل يحيى ليلة وفاته ، ولكنهم عدلوا عن رايهم ، وبعد ذلك جاء الخبر ليحي وهو في السجن بموت الهادي ، فيقول الطبري : ) تم بعثت الخيزران إلي يحيى تعلمه ان الرجل لمآته وتأمره بالأستعداد لما ينبغي ( ) ٢ فمن هذا يظهر أن يحيي البرمكي لم ينجح قط في حمل الهادي على تغيير فكرته فيما يخص عزل الرشيد .
٢ - يري الأستاذ أن جعفرا جد البرامكة استقدم من بلخ بناء على طلب الخليفة سليمان ويري في موضع اخر أنه قدم على عبد الملك - والتسمية خطأ في كلتا الحالتين ، لأن الذي قدم هو برمك لا جعفر ٢ ( والطبري نفسه يؤيد ما ذهبنا إليه ، فيقول : إن برمك والد خالد قدم للشام في ٨٦ هجرية لمداواة مسلمة بن عبد الملك ) ٤
٣ - ذكر الأستاذ بشأن قوامة البرامكة على النوبهار ما نصه ) وهم يتوارثون - منذ الفتح العربي لبلادهم - القوامة على بيت النوبهار ( والمعلوم ان البرامكة كانوا سدنة لبيت النوبهار منذ عهد قديم يسبق الفتح العربي ، فاورد ياقوت الحموي في معجم البلدان ) كانت البرامكة أهل شرف ببلخ قبل ملوك الطوائف ( كما ان القزويني وغيره يروون ان البرامكة كانوا سدنة للنوبهار منذ عهد يسبق الفتح العربي بكثير ، فأورد القزويني ) وملوك الهند والصين يأتون إليه - النوبهار - فإذا وافوا سجدوا للصنم وقبلوا يد برمك ، وكذلك الفرس والترك تحج إليه ( ) ٤٦ .
ذكر الدكتور خرافة الخاتم الذي يحمل السم الذي اكتشفه الخليفة بصدفة تتحرك على ذراعه كلما دخل عليه شخص معه سم ، وقد جاءت هذه الخرافة بأسلوب جذاب يوهم القارئ أنه في جزائر ) واق الواق ( حيث يحكم العالم المردة والشياطين ، ونحن نستغرب قبول الدكتور هذه الخرافة دون تعليق مع أنها خطأ من الناحية العلمية على الأقل ! ومما يزيد استغرابنا هو أن القصة بالرغم من أنها خرافية كان باستطاعة الدكتور نقضها - لو أراد - من نقدها الداخلي ؛ فجاء في إحدي حواشي مقاله ) ثم اتصل - جعفر - بسليمان فغضب عليه لأنه يحمل صدفة على ذراعه تتحرك إذا دخل أحد عليه ومعه سم ، فتحركت حين دخل جعفر ، فلما سأله عن السم الذي معه قال إني أحمل قدرا من السم في فص خاتمي . . ( وفي مكان آخر من المقال تذكر القصة كلام الخليفة مع جعفر نفسه حول معرفة الخليفة للسم الذي مع جعفر ) فقال الخليفة إن معي سوارا هو أتمن الكنوز جميعا . . وهو عشر صدفات . . فإذا دخل في غرفتي طعام أو شراب مسموم أو دخل من يحمل سما اضطربت الصدفات وفقدت هدوءها ، وبفضل هذا السوار عرفت أنك تحمل السم . . ( فلا شك أنك لاحظت في الشطر الأول من الكلام أن الخليفة اكتشف السم بوساطة الخرزة التي في كتفه - وفي الشطر الثاني بوساطة السوار . وبالرغم من أن كلا القسمين خرافي وخطأ من الوجهة العلمية يظهر التناقض بينهما .
5 - جاء في الحاشية . . ) وقد تدرج البرامكة في خدمة الأمويين والعباسيين وبلغوا أعلى الدرجات ( والخطأ في هذه النقطة هو ان المصادر المشهورة والموجودة لدينا لم تذكر لنا ان البرامكة خدموا الأمويين كموظفين هامين أو وزراء في الدولة ؛ وجل ما هناك ان احدهم قدم كطبيب بسيط إلى بلاط عبد الملك بن مروان . وإذا كانت هناك
مصادر غابت عنا تبين خدمة البرامكة للامويين نرجو من حضرة الكاتب أن ينبهنا إليها وله جزيل الشكر .
والثابت هو أن البرامكة لم يكن لهم شأن يذكر في الدولة الإسلامية إلا في العهد العباسى ، وخاصة عندما اتصل خالد البرمكى بالسفاح وبمحمد بن علي وابراهيم الإمام قبله ) ١ ( وظهر دور خالد العملي لأول مرة حينما ارسله أبو مسلم الخراساني مع قحطبة لفتح طوس بعد هرب نصر ابن سيار من مرو . فمن هذا يظهر أن البرامكة لم يكن لهم شأن في العهد الأموي .
وبهذا انهي ملاحظاتي عن مقال الدكتور راجيا أن أكون قد وفقت لإماطة اللثام عن بعض الحقائق التاريخية ، كما انى ارجو من حضرته ان لا يبخل علينا بارائه وتعليقاته في هذا الموضوع في المستقبل وله ولمجلة الثقافة الغراء جميل شكري .

