( س ) في ٣ سبتمبر ب ١٩٥
عزيزي بكار ، لقد يئست نهائيا من ان اجد السلوى في حياتي الراهنة ، وكنت باديء الامر انتظر عطلة الاسبوع بامل متزايد ، فاذا ما حل مساء السبت بدأ كل شيء يأخذ في قلبي طعما منفرا ويعتريني برود وخواء كذاك الذي يحل ليالي الشتاء في مفترق الطرق ، أجربت ان تقف فى مفترق الطرق . . .
كنت اتجول قرب محطة القطار وكانت شمس الغروب تضفي على اعالي الجدران لونا قرميديا يقبض النفس وفجأة تراءى لي لأول مرة اواجه نفسي بهذا السؤال : اي شئ ترانى مخلفه بعد موتي ؟
وعوت في الفضاء القريب اجراس الكنيسة . . . بينما وقف الى ماسح احذية شخص انيق لا يفتأ يشير اليه بسبابته ان يمسح هنا ويلمع هناك : وامام كشك الدخان القائم على يميني اتكأ على حافته شخص آخر لا يني يتحدث بين الفترة والفترة الى صاحبه بصفير مثير .
وعند ما عدت بعد ساعات الى مسكني جعلت اهتم بالنظر الى " فياقة " في اطار نحاس متسخة الوجه ، كنت اشتريتها يوم بدأت العمل وفي العطلة الاسبوعية وكانت دقاتها الصدئة المصممة تخترق اعماقي ، وخيل الي انها هي الاخرى تبادلني النظر بعين عجوز علي ان اقترن بها الى الابد ، وكان عقربها الموقظ ، الكامن كحمة صغية مجمدا على الرقم ٦ حيث لم احوله منذ اشهر ، النهوض باكرا منعش جدا . . وعند ما كنت في المنظمة ل . ت . و . ع . كانت يميني تحمل اليهم الزاد وبشمالي اقطف الازهار .
ايه يا جبال " القنطرة " الشماء
ايتها التي تشق جوفك الخوذ
ويرهم تضاريسك العرق
احملينى مرة اخرى
الى قوس قزح
حيث تطرزين باناة
لقمتك النورية
اهلة من عناب
على اعشابك الخضراء
وحيث ينعش الفجر
مستقبليه
اعيدينى ايتها الاخت
الاحد يجعلني ارتطم بنفسي ارتطام بمثل الضفدع المسلوخ ، والبارحة استدعاني صديق جديد الى تناول العشاء معه ، واغريت نفسي بمعايشة اعماقه وفي كلب مسعور الى ان اشم عرق الناس وان اخترق حدودهم الجلدية ، عند ما وجه الي الدعوة كان ينظر الي ، ونظرت بدوري اليه ، آه .
ولما ادخلني غرفته الخاصة اعتراني ذلك الطعم ، كانت دمية محشوة بالصوف فوق جهاز المذياع وباحدى يديها قفاز ، بينما شعرت بان فى سائر المنزل اجساما بشرية مبعثرة ، اي مبعثرة !
الاحد ! اني اكتب اليك وملئي الشعور باني غريق ، غريق في ركام بالوعة شديد اللزوجة ، وفي الصباح حاولت القيام بحل مشكلة من تلك التى تنشرها الجرائد ثم سرعان ما ارسلت بخادم النزل في شراء زجاجة والححت عليه في التقاط جسد ، هل اني لم اعد الى الاتصال بك الا فرارا من نفسي ؟ اني اجدني في رغبة ملتاعة لمكاتبتك ، ولكن ربما ، ربما لم تكن حدودنا الفارقة غير وهمية ، آه آه :
وعند ما يشق الارض محراث
ويتضوأ مصباح في كوخ بعيد
سنفغم معا بعبير الورد
ويجرف عرقنا الانقاض
ولكن لماذا لم تعد تحدثني في رسائلك الاخيرة " عنها " احرزت برودا مني ؟ قل ! لا ، لا ، بل ارجوك الا تجيبني الآن ، دعني حتى اتخلص من البالوعة حدثني فقط عنها ، آه لو تعلم مدى حاجتي لان اصطلي ب ، بما لست ادري اسمه
تقول اني قد نسيتك وتقصد ربما عتابي ، ولكني كنت نسيتك فعلا ، والى درجة قاتلة ، اعني قاتلة ، اف ، الفياقة ، الكتب المهجورة فوق المنضدة ، هذا الحزام من الدهن يتوسط ببلادة الغرفة ، صوت المذياع . . . اخ
عندما فكرت فيما عسى ان اخلفه بعد موتي اعتراني رعب ، رعب قذر وبارد وبان لي فجأة انني اغوص انا والذين يمسحون اخذيتهم ، وجميع هذه " المنظورات " بينما آخرون نسمع عنهم من بعيد يصعدون الى حيث ، حيث لا تثير الاشياء " نرفزة " حيث ينتعشون بالنهوض الباكر ، ان قرحي يقطر عفنا من ها هنا : انهم يصعدون بينما انا والمعنيون باحذيتهم تنتصب كالثؤلول ، اننا مشدودون الى خيوطها ، الاحذية .
عندما حلت الساعة ١٩ قطعت الكتابة ومع اني لم اكن جوعان فقد اسرعت إلى ارتداء بدلتي وخرجت لتناول العشاء ، اخ ! لقد لبست ثيابي المكوية ، ولمعت ايضا حذائي ، لكم اود لو قدرت على تمزيق هذه الثياب والتجول حافيا .
واقبلت مسرعة نادلة المطعم بمجرد ما جلست ، وقدمت لي نفس القائمة ونفس الابتسامة والتحية ، مثل جميع الآحاد السابقة ، اخ ، وهناك في الركن نظارات ذهبية الذراع ترتفع وتنخفض مع حركة الملعقة بهدوء بالغ .
والان علي ان اكف لاستيقظ في السادسة ، وها اني امسك بالعاهرة اعبئها واتثبت من معادلتها لساعتي اليدوية ، ولكن هل ترى يلم بي النوم وانا اسائل نفسي عن اي اثر تراني مخلفه بعد موتي "
وعند ما انتهى " بكار " من قراءة الرسالة علي تنهد بعمق واغرورقت عيناه ، ثم قال وهو ينظر الى العلم الخفاق فوق بناية رئاسة الجمهورية : " اذا ما كنت تملك المحبة فالعالم باجمعه يعيش فيك ولن تموت اذن "
