أستاذنا العزيز الزيات : وبعد فقد أساء بعضهم فهم ما ذكرناه عن ابن عابدين ج ٣ ص ٢١٥ ؛ ولذلك يجب ذكر ما قاله كاملاً : ( قال السيوطي قال ابن عقيل الحنبلي جرت مسألة بين أبي على بن الوليد المنزلى وبين أبي يوسف القزويني في ذلك ، فقال ابن الوليد : لا يمنع أن يجعل ذلك ( يريد اللواط ) من جملة اللذات في الجنة لزوال المفسدة لأنه إنما منع في الدنيا لما فيه من قطع النسل وكونه عملا للأذى ، وليس فى الجنة ذلك ، ولهذا أبيح شرب الخمر لما ليس فيه من السكر وقاية العربدة وزوال العقل. فلذلك لم يمنع من الالتذاذ بها . فقال أبو يوسف الميل إلى الذكور عاهة وهو قبيح في نفسه ولهذا لم يبح في شريعة بخلاف الحمر ، وهو مخرج الحدث والجنة نزهت عن الماهات . فقال ابن الوليد : الماهة : هي التلويث بالأذى ؛ فإذن لم يبق إلا مجرد الالتذاذ والظاهر أن المراد بالحرمة هنا القبح إطلاقاً لاسم المسبب على السبب أى قبحها عقلى بمعنى أنه يدرك بالمقل وإن لم يرد به الشرع كالظلم والكفر . لأن مذهبنا أنه لا يحرم بالعقل شيء أى لا يكون المقل حاكما بحرمته ، وإنما ذلك الله تعالى بل العقل مدرك لحسن بعض المأمورات وقبح بعض المنهيات ، فيأتي الشرع حاكما يوفق
ذلك . فيأمر بالحسن وينهى عن القبيح ، وعند المعتزلة يجب ما حسن عقلاً ، ويحرم ما قبح ، وإن لم يرد الشرع بوجوبه حرمته . فالعقل عندهم هو المثبت ، وعندنا المثبت هو الشرع والعقل آلة لإدراك الحسن والقبيح قبل الشرح. وعند الأشاعرة لاحظ للعقل قبل الشرع بل العقل تابع للشرع فما أمر به الشرع يعلم بالعقل أنه حسن ، وما نهى عنه يعلم أنه قبيح ... فلا تكون اللواطة في الجنة على الصحيح لأنه تعالى استقبحها وسماها خبيثة والجنة منزهة عنها ، وفى الاشباء حرمتها عقلية فلا وجود لها الجنة ، وقيل سمعية فتوجد ... »
هذا ولقد ظن بعض القراء أن معنى وجود خلاف في الرأي فيما يتصل بوجود هذا الفعل في الجنة أو عدم وجوده ، أن الشريعة الإسلامية ، لم تتكر هذا الفعل لأنها لم تقرر الحد عنه ، وقاتهم أن عدم الحد عنه لا لخفته بل للتغليظ حتى رأى الجمهور تكفير مستحلها ، وأن بعضهم يرى حد الفاعل والإحراق بالنار ، وهدم الجدار والتنكيس من محل مرتفع باتباع الأحجار والجلد والتعزير والسجن حتى الموت أو يتوب ، ولو اعتاد هذا الفعل قتله الإمام سياسة
هذا وقد قال لنا بعض العلماء إن الذين يرون رأينا في روحية اللذات في الجنة يجب تكفيرهم أو على الأقل رميهم بالضلال والعياذ بالله ، لأن رأى الروحانية يتنافى فى رأيهم مع أصل النصوص ، والواقع أن هؤلاء يتجاهلون ما يجب أن يعرفوه من أن اللذة سواء أكانت حسية أم معنوية تتصل أكبر ما تتصل بالتفاعلات النفسية وتقرب كل القرب من الروح ، فالسمع والبصر والشم واللمس والدوق حواس الإنسان الخمسة يمكن أن تضم إليها الحاسة الفنية التي يضمها بعض الكتاب وبذا نكاد تتفق في إعزاز الجزء الروحي في كل حاسة وإكبار شأنه وفهمه أنه أسمى جزئياتها . فأنت إذا رأيت منظراً جميلاً هل تستطيع أن تقدر لطربك الروحى من رؤية هذا المنظر أقل أعشار ما يشع عليك من سرور . ولقد كان جمال يوسف الصديق شاغلاً لأهل مصر عن الإحساس بألم الجوع ، حتى أنهم كانوا إذا جاءوا ) كما ذكر الغزالي في إحياء علوم الدين الجزء الرابع ) نظروا إلى وجهه فشغلهم جماله عن الإحساس بألم الجوع، وحتى قطع النسوة أيديهن لاستهتارهن بملاحظة جماله حتى ما أحسسن بذلك كما قص لنا القرآن الكريم . وكذلك يمكن القول عند
ذكر الحاسات جميعا . فليطمئن هؤلاء العلماء الذين أسرعوا فكفروا مع أن التكفير إثم عظيم لا يكفره إلا عفو من ظلموه ليطمئنوا لأنا نفهم أن الإنسان كما يمكنه أن يسمو بالذاته الحسية إلى حيث مرقاة الروح ، يستطيع أن ينزل بها إلى حيث يريد النزول . فعند سماعك لناء تستطيع أن ترقى به وتستطيع أن تجعله ينزل بك ، فإذا سمعت غناء من ذى صوت جميل لتقديس الله بالتفكر فى جمال الحناجر التي خلقها فأنت رجل روح تتمتع بلذة السماع وهى لذة حسية وترتفع بها إلى جعلها ترقى بروحك وبنفسك ، وأما إذا كنت تسمع صوتاً جميلاً من جميل وتريد بماعك ومن حركات الفنى تحريك شهواتك ، فأنت نازل بلدتك الحسية إلى الحضيض، ولذا قرر السهروردى حل الغناء في الأولى وحرمته في الثانية
ثم ما قول هؤلاء العلماء في لذة النظر إلى وجه الله الكريم ؟ وهى لذة روحية بحتة تفوق كل اللذات ...الحق أنهم ظنوا يجهلهم لروح الإسلام وتعاليمه الصحيحة ، أن حسية اللذات تمنع من روحانيتها ، وفاتهم أن اللذة معنى لا يحس وأنها إذا نسبت لما ينتجها فليس هذا إنزالاً لها من عالمها إلى عالم المادة أو الحس . ولكن الذى نؤمن به كمسلمين صادقين أن في الجنة لذات روحية وحسية، وإنا كتؤمنين صادقين نرى أن لذات الجنة الحسية لذات راقية تسمو بالروح ، إذ لا لفو في الجنة ولا تأثيم ، وأن أكبر لذات الجنة التى سينعم بها المؤمنون روحية . هذه عقيدتنا التي يجب أن يؤمن بها كل مؤمن صادق
