الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 452الرجوع إلى "الرسالة"

حول الهجرة وشخصيات الرسول

Share

أولى المجلات عناية بما ينشر فيها بحثاً ونقداً " مجلة الرسالة  الغراء "  لأنها أصبحت حقا مشاعاً للطبقة الراقية من رجال الدين  والعلم والأدب، فلا غرو أن ينتظر القراء منها تحقيق ما ينشر فيها  من بحث أو يذاع فيها من رأي. كتب صاحب الفضيلة الأستاذ  الشيخ محمود شلتوت كلمة ضافية في العدد ٤٤٩ ناشد فيها أمنية له  حارة أن يعني العلماء بجمع ما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم،  وأن يميز من ذلك ما كان بصفته رسولاً وما كان بصفته إماماً  أو قاضياً أو مفتياً، بعد أن مهد لذلك بمقدمة نعى فيها على  علماء الإسلام حرمانهم النبي صلى الله عليه وسلم من حق الاجتهاد  وصورهم كأنهم يرون النبي صلى الله عليه وسلم اسطوانة لجبريل  حيث غلبوا صفة الرسالة على صفة البشرية، إلى أن قال فيهم:  ومن زعم ذلك فقد لاقى في رأيه من قريب أو بعيد بالذين يقولون    "أبعث الله بشراً رسولاً " . ومعلوم أن قائلي ذلك هم الكفار

وماذا يقول الأستاذ في أن كتب الأصول من أولها إلى  آخرها تقول بصحة اجتهاد الرسول، وأنه إذا أخطأ في الاجتهاد  نزل الوحي بتصحيح الخطأ، لأننا مأمورون في القرآن الكريم  بالاقتداء به ولا نقر بحال على الاقتداء به خطأ. كذلك نصت  جميع كتب الأصول وكتب الشريعة جمعاء على تقسيم أفعاله  صلى الله عليه وسلم إلى ما كان منها جبلياً أو من قبيل العادات  فلا يكون شريعة ولا نحن مأمورون بالاقتداء به فيها، وإلى  ما هو بيان لما جاء في القرآن أو نزل بالوحي فيجب أن يكون  تشريعاً عاماً، وتحدثوا عن ذلك بإفاضة حتى مازوا ما يصدر عنه  بصفة كونه إماماً، وما يصدر منه بصفته مبلغاً أو قاضياً أو مفتياً  وهي الشخصيات التي أرادها الأستاذ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم  هو أول من أمر الصحابة بالتفرقة بين ما يصدر عنه بصفته رسولاً

وما يصدر عنه بصفته من البشر. جاء في صحيح مسلم عنه قال:  (إنما أنا بشر إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به وإذا أمرتكم بشيء من رأيي فإنما أنا بشر) وقال:  (أنتم أعلم بأمور دنياكم)   واتخذ العلماء ذلك قاعدة شرعية بنوا عليها تفصيل الكلام  فيما يصدر عنه صلى الله عليه وسلم من تصرفاته، حتى اختلفت  الأئمة الأربعة في كثير من المسائل بناء على هذا الأساس نفسه،  كما في قوله صلى الله عليه وسلم:   (من قتل قتيلاً فله سلبه)  حملها  بعض المذاهب على إنه تشريع عام ودائم، ورأى مالك إنه تصرف  منه بصفته إماما. كذلك ورد   (من أحيا أرضاً ميتة فهي له)   رأى مالك والشافعي أن ذلك من باب التبليغ والرسالة فهو تشريع  دائم، ورأى أبو حنيفة أن ذلك إنما صدر عنه بصفته إماماً.  إلى غير ذلك مما هو مذكور في كتب الخلاف

هذا حديث العلماء في القديم والحديث في الفقه واختلافه  باختلاف النظر إلى شخصيات الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يصدر  عنه من قول أو فعل، بسطوا القول في ذلك ووضعوا له الأبواب  والقواعد في كتب الأصول وكتب القواعد وأحكام القرآن والسنة

فأمنية الأستاذ محققة بحمد الله، وأما الخلاف في الفروع  الجزئية فهو ضرورة اجتماعية في كل تشريع، ويمتاز التشريع  الإسلامي بأنه فيه مصحوب بحسن التفاهم وعمق النظر إلى اختلاف  أحوال الأفراد والطوائف مما لا يوجد في التشريع الوضعي.

اشترك في نشرتنا البريدية