الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 167الرجوع إلى "الثقافة"

حول مؤتمر تدريس العلوم

Share

قال لي صديق شهد مثلي جلسات مؤتمر تدريس العلوم الذي عقد بالقاهرة في الأسبوع الفائت ، واستمع كما استمعت إلي ما ألقي فيه من أبحاث وما أثير من مناقشات : أترى يتحقق هذا الحلم ، ويأتي اليوم الذي تسودنا فيه العقلية العلمية ، وتعالج مشاكلنا كلها بالأسلوب العلمي

قلت له : أو تشك بعد أن رأيت هذه الجموع التي هرعت إلي دار المؤتمر من كل بقاع مصر ، ومن خارج مصر من بعض الأمم العربية الشقيقة ، وتابعت الحضور والاستماع بشوق وإصغاء ، وساهمت في المناقشة مساهمة دلت على الحرص للوصول إلى نتائج عملية تحقق ما قصد إليه المؤتمر ، او تشك بعد هذا ان الروح العلمي سري في

نفوس الكثير ، وأن العلم أصبح يشق طريقه في البيئة الشرقية ، ويتبوأ مكانه الصحيح في توجيه أمورنا ، وأننا اجتزنا المرحلة البدائية التي تعالج فيها الأمور بالثرثرة والفيهقة والخواطر المرتجلة والنزعات العاطفية ؟

أو تشك أننا والأحداث العالمية الكبرى تقع تحت آذاننا واعيننا ، ناطقة بأثر العلم وتطبيقاته في تغيير وجه الحياة في السلم والحرب ، نقتنع بموقف المتفرج ، ونسير سيرنا البطئ المتخلف ، في الوقت الذي تسير فيه قافلة المدنية سريعة الخطى ، وتئب فيه وثنياتها الخاطفة ؟

وهل يغني عنا ادب الماضي وخيالاته في عالم عدته علم الحاضر وثمراته ؟

لا ، أيها الصديق . لقد رأيت معي ما كان ينبض به قلب المؤتمر من لهفة على تدارك ما فات ، وحرص على أن تصطبغ المدرسة بالصبغة العلمية العملية ، وان تكون قطعة من الحياة العملية الحاضرة ، محل مشاكلها وتواجه

مطالبها ، وتعد الشباب لمستقبلها اللائق بها وسيحمل من حضر المؤتمر - وجلهم من اساتذة المدارس - رسالة المؤتمر إلي دور التعليم ، ويوشك أن يكون لها صدى قوي فعال .

ستعالج مشاكلنا كلها قريبا بالأسلوب العلمي ستعالج مشاكل الفقر والبطالة والصحة والزراعة والصناعة والتجارة والتموين - فيما بعد - بالطريقة العلمية القائمة علي الإحصاءات وحصر العوامل التي يحتمل أن تكون مؤثرة فيها ، وتحليلها التحليل العلمي الدقيق ، والاهتداء إلي العوامل الفعالة بالتجارب العملية الوافية ، ثم نصل في كل حالة إلى العلاج الشافي .

سنغزو البيت والسوق والمصنع والحفل والديوان وكل ناحية من نواحي المجتمع بالروح العلمي ، ونختزل الجهود المبددة والقوى الضائعة ، وتوجهها جميعا التوجيه العلمي الذي يكفل أن تنتج كلها أفضل إنتاج

إننا سائرون في الدرب الموصل ، والأمر أمر وقت وصبر ، والغلبية للعلم أخيرا .

وقد مبالغا في تفاؤلي ، ولكن نجاح المؤتمر أكبر ما يقوي في نفسي الأمل ، ويبعث في روح التفاؤل الصادق

تجلت في المؤتمر بعض الظواهر الطبية التي تؤيد هذا الروح أبلغ تأييد

الظاهرة الأولى - تلافي بحوث الباحثين جميعا عند ضرورة تغيير ما نحن عليه في مدار سنا من بعد عن الحياة الواقعية ، واشتغالنا بغير مسائلها الهامة ولقد تجلى شعور المؤتمر في الحماسة الفائقة التي قابل بها الدكتور زكى بك وهو يصور بعد ما بين علم المدرسة وعلىم البيت والسوق

الظاهرة الثانية - إحاطة الباحثين بجميع نواحي

مشكلة تدريس العلوم من حيث مناهج الدراسة وطرائفها والنشاط المدرسي الحر الذي يعاونها ، وتحديدهم الوسائل العملية التي تتبع في كل حالة

الظاهرة الثالثة - اشتراك العنصر النسائي في أبحاث المؤتمر اشتراكا دل على أن المرأة التي كانت كما مهملا في حياتنا الاجتماعية اصبحت عنصرا فعالا يساهم بنصيب قوي في درس مشاكلنا ، ويعنى بما يعني به الرجل من الشؤون الجدية في الحياة

الظاهرة الرابعة - اهتمام الرأي العام بالمباحث العلمية ، فقد اشترك في المناقشات بعض من لا يشتغلون بالعلم ، وبدا تأثرهم العظيم بما دار فيه من أبحاث .

الظاهرة الخامسة - روح الاخاء العلمي الصادق الذي ألف بين المجتمعين في أخوة خالصة ، وربط بينهم رباط ود وثيق ، تجلي في حفلاته الاجتماعية ، ودل على أن وحدة الهدف والاخلاص للعلم والاندماج تحت لوائه الطاهر من أقوي الروابط

ولو لم يكن المؤتمر من ثمرة إلا هذه لكان مبررا لضرورة عقد مثل هذا المؤتمر . وكفي بالؤتمر نجاحا ان يكون قد مهد الطريق لأمثاله ، وساعد على تكوين رأي عام علمى يؤمن بالغاية السامية التي يسعى لها ، والقي ضوءا على بعض جوانب الحياة المدرسية ، وفتح العيون على الاتجاه الصحيح الذي يجب أن نتجه إليه .

وبعد فلرابطة التربية الحديثة المصرية ، وارئيسها الفاضل الدكتور كردانى بك ، الذي كان له اكبر الفضل في تنظيم هذا المؤتمر وبلوغه مابلغة من نجاح اكبر تهانينا .

اشترك في نشرتنا البريدية