الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 573الرجوع إلى "الرسالة"

حول مذهب وحدة الوجود

Share

ليس أيسر على الناس من أن يقرفوا الفلاسفة والمفكرين  بالكفر والإلحاد، فإن من دأب العامة أن تتمرد على كل ضرب  من ضروب الامتياز؛ وهؤلاء قد تفردوا بالامتياز العقلي، فلابد  أن يكونوا موضعاً لاتهام العامة. ويظهر أن الناس أسخياء في

منح لقب (الإلحاد) سخاءً ما بعده سخاء، فإن واحداً من  المفكرين لم ينج من هذا اللقب الذي لا يكلف الناس كثيراً!  وقد كان أصحاب القول بوحدة الوجود - من بين سائر  المفكرين - أكثرهم تعرضاً لهذا الاتهام، فحكم على الفيلسوف  الإيطالي جيوردانو برونو Giordano Bruno بالحرق، وحكم  على الفيلسوف اليهودي أسبينوزا B. Spinoza بالطرد من  الكنيسة اليهودية، وكفر غيرهما ممن قال بوحدة الوجود  كابن عربي في الإسلام، وسكوت إربجين Scot Erigene في  المسيحية. ولكن على الرغم من هذا الطعن الشديد الذي لقيه  مذهب وحدة الوجود، فقد استمر الفلاسفة والمفكرون  ينظرون إلى وحدة الوجود على أنها أعلى صورة من صور    (الواحدية) monisme وذهب نفر منهم إلى حد أبعد. فأعلن    (أن وحدة الوجود هي النظرية الكونية الوحيدة التي لابد أن  يأخذ بها العالم المحدث)(١)

بيد أن ثمة فريقاً آخر من الفلاسفة قد نظر إلى (وحدة  الوجود) ، على أنها تتضمن إنكاراً لوجود الله، فذهب شوبنهور  - مثلاً - إلى أن   (مذهب وحدة الوجود ليس إلا صورة  مهذبة لمذهب الإلحاد، لأن حقيقة مذهب وحدة الوجود تنحصر  في أنه يهدم التعارض الثنائي الموجود بين الله والكون، وأنه يقرر  أن الكون موجود بفضل قواه الباطنة الخاصة به. فالمبدأ الذي  يقول به أصحاب وحدة الوجود من أن الله والكون شئ واحد،  إنما هو وسيلة مهذبة للاستغناء عن الله، أو تعطيل عمله) . وعلى  الرغم من هذا النقد، فإن مذهب وحدة الوجود يعتبر من أمعن  المذاهب الفلسفية توحيداً وتنزيهاً. وليس من الصحيح ما يقوله  شوبنهور من أن هذا المذهب يتضمن إنكاراً لوجود الله،  atheisme بل الصحيح أنه يتضمن إنكاراً لوجود العالم  acosmisme وحسبنا أن نرجع إلى كتاب (فصوص الحكم)   لابن عربي، حتى نتحقق من صحة هذا الحكم، فإن هذا المفكر  الإسلامي قد انتهى إلى القول بأن (العالم متوهم ماله وجود  حقيقي) ، لأنه ليس ثمة غير حقيقة واحدة لا تتكثر ولا تتغير،  وهذه الحقيقة الواحدة هي الله أو (الحق) ؛ وهو قد أظهرنا  في مواضع كثيرة من هذا الكتاب، على أن الله هو عين  الوجود (فما ثم إلا الله الواجب الوجود، الواحد بذاته. . .  منه وإليه يرجع الأمر كله) ، فمن التعسف إذن أن نصف

مذهب وحدة الوجود بأنه إفك ينطوي على كثير من الأراجيف  (كما ذهب إلى ذلك أحد الكتاب في (الرسالة ) ) ، ومن قلة  الإنصاف أن نحكم على الفلسفة، باسم الدين، حكما هذا قدره  من الخطأ والمجازفة والتعسف

اشترك في نشرتنا البريدية