سيداتي وسادتي: إذا ذكر المتنبي فلا يثير ذكره في قلبنا صورة أعظم عصر من عصور تاريخ حلب، وصورة أمجاد سورية الحمدانية فحسب، وإن يكن ذلك من الأسباب التي تحببه إلى نفوسنا، فلا بد لنا من القول إن المتنبي لا ينتمي إلى مدينة واحدة ولا إلى عصر واحد بل أنه يدوي صداه في خلال عصور الشعر العربي وخلال نواحي الشعور الأدبي المترامية الأطراف، فقد ذهب شاعر الكوفة العالم العربي نماذج من الشعر خالدة، وضروباً من التعبير صافية ورفعة لا تطال، وفناً أنوفاً دقيقاً، وهدفاً شريفاً، وتشاؤماً عالياً؛ وجميع هذه الصفات المتغلغلة في أعماق نفسه تتفق مع أعرق مميزات الفكر الأدبية العربية، تلك الفكرة الطامحة إلى المعالي، الهائمة بالشرف، المغرمة بما عز وكرم من المعاني، الساعية وراء خير المثل العليا، تلك الفكرة التي تطلب في الشعر (حالة نادرة) كما قال في ذلك شاعرنا الفرنسي (مالارمه)
هذا ما أهل المتنبي أن يكون شاعر الأمة العربية؛ وهذا ما حدا بكم جميعاً للاعتراف له بهذا اللقب. إن الأمة العربية ترى في المتنبي بعض ميولها الجوهرية، وبعض شواعرها الثابتة، فيلذ لي والحالة هذه أن أحيي في هذا الحفل، إلى جانب السلطات العليا ورجال العلم في سوريا، ممثلي الدول المجاورة، والشعراء والكتاب والعلماء من جميع البلدان التي يرن فيها صوت لغتكم الجميلة، وأن أحي مندوبي المجامع العلمية ومؤسسات الثقافة العالية التي تحافظ في جميع البلاد الغربية على تقاليدها الروحية المشتركة، ولهذا أيضاً رغبت في أن أرحب بكم، وفي أن أحمل إليكم في هذا المهرجان حيث للفكرة والأدب المحل الأرفع، عربون عطف المفوضية العليا على هذا المهرجان واهتمامها به، وكذلك عطف الجمهورية الفرنسوية؛ من يشك في الفائدة التي تجنى من هذه الأحتفالات، إنها توثق عرى التضامن المكين، والتقارب الجوهري؛ وتدل على أن فوق المصالح الأنانية التي تفرق بين الناس وتبعدهم بعضهم عن بعض عبقرية لا يزال في وسعها أن تجمع بين ذوي النوايا السليمة جميعاً خلواً من كل ما يكدر صفاءه سيداتي وسادتي: إني لأجد لذة عظيمة في إعلان افتتاح المهرجان الذي يحتفل فيه بذكرى مرور ألف سنة على وفاة الشاعر المتنبي
