الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 615الرجوع إلى "الثقافة"

خواطر

Share

- ٧ - كان الأدب أرستقراطيا ، لا يهتم إلا بحياة الملوك والأمراء ؟ فإذا اهتم بحياة الفقراء فليسرهم ويضحكهم . وفي هذا العصر نتج الأدب الكلاسيكي الرفيع مثل السيمفونية الريفية وقصص شكسبير ونحو ذلك ، ثم سار الأدب ديمقراطيا يهتم بكوخ الفقراء ، كما يهتم بقصور الأمراء ، ونتج عن ذلك الأدب الخفيف الذي يناسب جمهور المثقفين ، ثم صار الأدب شعبيا يعني بما يسر العمال والفلاحين ، ونزل الأدباء إلى مستوي الشعوب ، ورأينا برنارد شو وهـ . ج . ولر وامثالهما يعرضون أدبهم على الشاشة البيضاء ، ويختارون الموضوعات التي تسر العمال والفلاحين ، أكثر مما يهتمون بما يسر الأمراء والعظماء ؛ فكان الأدب أخف ، وكان أكثر اتساعا وأقل عمقا ، روعي فيه ما يسر ويضحك أكثر مما يراعي فيه غذاء العقل وتربية الخلق ، ولا ندري إلي أين المصير

وكان الكتاب هو الذي يغذي عقول القراء وحده . فسارت تسليه مجانيه الإذاعات والسينمات والصحف والمجلات ؛ وكان الأدب لا يؤلف إلا للطبقات الرفيعة في أسلوبه وموضوعاته ؟ فاصبح يراعى فيه الشعب في أسلويه وموضوعاته ، وانحط رواج الكتب ، وقلت الرغة فيها بعد أن كانت أداة الأدب الوحيدة

وكان المؤرخ لا يؤرخ إلا أعمال الملوك والأمراء وقل أن يتعرض لحالة الشعب ؛ فعنى بالحروب يشنها الملوك والأمراء ، وبالمباني الصخبة يقيمها الملوك والعظماء . ويسجل كل صغيرة في حياة الملوك والأمراء حتى في لهوهم ، ولكننا قلما رأينا شيئا في بؤس الشعب أو رخائه ، في صحته أو مرضه - وحالته الاجتماعية ساءت أو حسنت - ثم أصبح التاريخ ديمقراطيا يعني فيه بحالة الشعب ، كما يعنى فيه بأخبار الملوك ، ثم صار شعبا في أسلوبه وموضوعاته . أكبر عنايته بالحالة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية للشعوب ،

وقلما يتعرض للملوك والأمراء . ولا تدري أيضا إلى أين المصير

وقل مثل ذلك في الشعر وسائر الفنون ، وقد كان يراد منها إدخال السرور على الملوك والأمراء وكان الشاعر لا يزدهر إلا إذا قصدهم وتغني بمدحهم وشعر بما يرضيهم وإذا نبغ نابعة من سائر الفنانين ، فإنما ينبغ في قصورهم ولا يشتهر إلا إذا نال حظوتهم ، ولذلك نبغ شعراء بغداد أكثر مما نبغ شعراء الأقطار الأخرى ، واشتهر مغنو بغداد أيام الخلفاء اكثر مما اشتهروا في الأقطار الأخرى .

ثم صار الشعر وسائر الفنون ديمقراطية يغني الشاعر لنفسه ، ولا يغني لخليفة ولا ملك ، وضعف شعر المديح وتخلف عن شعر الغزل وما إليه ، ثم صار الشعر وسائر الفنون شعبية تعنى بحالة الشعب في غناه وبؤسه ، والظلم يقع عليه ، أكثر مما يعني بالمديح والغزل ثم لا ندري كذلك إلى أين المصير ؛

٨  منذ أشهر قليلة اعتدت كوريا الشمالية على كوريا الجنوبية بحجة تمدينها وإخضاع المدائن كلها تت نظام واحد عادل ، وكوريا في أقصى الأرض ، فقامت أمريكا ، وضحت بجنودها وأرسلت دباباتها وطائراتها وفنكت بمثات الآلاف من الناس وعرضت مئات آلاف أخرى للموت من رجالها ، وعاونها في ذلك حلفاؤها ، لادعاء تحقيق العدالة

ومنذ سنين كان نحو تسعمائة ألف عربي مستقرين في بلادهم فهاجمهم اليهود من الداخل والخارج ، وشردوهم كل مشرد ، وهم في وسط العالم لا في أقصاه ، وموقف اليهود من العرب أسوأ جدا من موقف كوريا الشمالية من كوريا الجنوبية ، فساعدهم الأمريكيون وحلفاؤهم بكل ما استطاعوا من مال وعتاد ، ثم قررت هيئة الأمم في سنة ١٩٤٨ رسم الحدود بين اليهود والعرب ، وكان النقب من نصيب مصر . وفي سنة ١٩٤٩ قررت هيئة الأمم رجوع اللاجئين العرب

إلى مساكنهم الأصلية . وفي ديسمبر ١٩٤٩ قررت هيئة الأمم تدويل القدس ؛ وشئ من هذه الأمور الثلاثة لم ينفذه اليهود كما قررته هيئة الأمم المحترمة ؛ فلم يعيدوا اللاجئين إلى بلادهم ، بل بالعكس شردوا من في النقب من العرب ، واستولوا على الحدود المصرية ولم يريدوا تدويل القدس كما قررت هيئة الأمم كل هذا وأمريكا لا تحرك ساكنا ، ولم ترد أن تنفذ قراراتها المحترمة ، بل ولا تنظر نظرا شزرا إلى اليهود ، فأين العدالة ؟ وأبن تنفيذ القرارات ، ولماذا غضبت وسخطت وعرضت العالم كله لحرب دامية بسبب كوريا ولم تحرك أى ساكن لفلسطين . فهل فلسطين أبعد عن العالم من كوريا ؟ أم حركة الكوريين الشماليين أقسى من حركة اليهود في فلسطين ؟ لا شئ من ذلك ، وإنما نظرت الولايات المتحدة في كل ذلك إلى شخصها لا إلى العدالة مجردة ،

فخافت أن تنتقل الحرب من كوربا إلي الحرب في ألمانيا إلي الحرب في الصين واليابان والهند ، وأن تتوسع الشيوعية تدرجا بعد كوربا ، فأرادت أن تجرب حظها في كوريا لتمنع هذا التوسع ولو أدى ذلك إلى خسارة مئات آلاف من الجنود ، ومقدار كبير من العتاد ، ولو أدى ذلك إلى حرب عالمية ثالثة ؛ وليس هذا هو الشأن في فلسطين . فالأمر ليس عدالة ، وإنما هو نظر إلى المصلحة الشخصية ، ولأول مر : أدرك العرب مع غفلتهم أن دعوي العدالة أثناء الحروب ونصرة الأمم الضعيفة واحترام رغبة الأقليات ، كلمات جوفاء تقال إما خداعا للشعوب المظلومة وذرا للرماد ، وإما أنهم يقولون ما يقولون في أوقات الشدة ثم ينسونه في أوقات الرخاء . وويل للإنسان من علو الإنسان !

اشترك في نشرتنا البريدية