الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 157الرجوع إلى "الرسالة"

دانتى والكوميدية الالهية

Share

حينما بعثت رسالة الغفران لشاعرنا العظيم أبى العلاء كثر  الجدل بين الأدباء حول الأصل الذى استقى منه دانتى ألليجيرى  صوره الرائعة التى حشدها فى كوميديته، وكاد الجميع يجزمون  أن ذلك الأصل هو رسالة الغفران، وأيدهم فى ذلك مستشرقون  كثيرون حتى كادت المسألة تعتبر مفروغاً منها وأن دانتى إن هو  إلا عالة على أبى العلاء. . . ثم قام أديب مسيحي فاضل فنقل  الموضوع إلى ميدان آخر إذ حاول أن يثبت أن دانتي لم يقلد  أبا العلاء وإنما هو قلد   (رؤيا يوحنا اللاهوتى)  الواردة بالإنجيل  وقد يكون هؤلاء وهؤلاء على شىء من الحق فيما ذهبوا إليه من  رأى، وان كنا نحن لا نميل كثيراً إلى رأي أصحاب أبى العلاء  - لأننا برغم براهينهم الكثيرة التى أدلوا بها - نشك فى سرعة  تنقل الثقافة العربية من شرق البحر الأبيض المتوسط إلى وسطه  وغربه بهذا القدر الذي يبالغون في وصفه لا سيما في أسود فترات  العصور الوسطى: ثم نحن لا نرى كبير شبه بين آل Infferoo فى كوميدية دانتى وبين جحيم أبى العلاء، ويكاد هذا الشبه ينعدم  فيما يتعلق بالـpurgatorlo فى دانتى والبعث فى أبى العلاء. . . أما   paradiso دانتى فهى شىء وفردوس أبى العلاء شىء آخر. . .  ونحن نعترف أن ثقافة العرب كانت تجرف أوروبا خصوصاً من  جهة الأندلس ثم من جهة صقلية، ولكن الذي نشك فيه هو  انتقال أدب أبى العلاء إلى إيطاليا لدرجة أن يؤثر في أدبائها إلى  هذا الحد وفى زمنه كانت طرق المواصلات محفوفة فيه بأكبر  المخاطر، ذلك إلى غلاء وسائل الثقافة حينئذ وأهمها الكتب  التى كانت تكتب كلها باليد، ونحن نرجح أن دانتى تأثر إلى حد  بعيد بالمصادر الدينية   (وأهمها الإنجيل والقرآن)  والمصادر اليونانية  وأهمها   (الإلياذة والأوديسة)  ثم بملحمة مواطنه العظيم    (فرجيل)  الأنييد

فمن رؤيا يوحنا اللاهوتى ومن الأوصاف البارعة للجحيم  وطبقاتها وصنوف المجرمين الواردين عليها المذكورة فى كثير من  سور القرآن قد اقتبس دانتى خياله الذي نسق به جحيمه  (Inferno).ولا ننس أن احتكاك أوروبا بالمسلمين فى الحروب  الصليبية كان يغشى الثقافة الإسلامية في هذه الفترة أوانئذ، وخير  ألوان هذه الثقافة ما فى كتاب الله، أما تأثره بالإلياذة والأوديسة  والأنيد فهو أقوى وأظهر، وقد درسنا هذه الملاحم جميعاً وأنعمنا  النظر فى الـ (Divina Commedia)فكان يدهشنا أن يترس دانتى   خطى الشاعرين الخالدين هوميروس وفرجيل ويأخذ عنهما كل  ما ورد فى الأساطير القديمة من أوصاف   (هيز)  وما يحيط بها  من أنهار تفوح بالحمم وما تعج به من سعالي وثعابين وسنتورات  وتنانين. . . وكان دانتى يمزج فى كوميديته ألواناً من الفكر  اليونانى لا تخفى على الملم بأدب الإغريق. أما فى المطهر والفردوس  فما نحسب أن دانتى كان مقتدياً بلون ما من أدب السلف، ولعل  ذلك هو السبب فى فتور هذين الجزءين من الكوميدية

هذه كلمة خاطفة نؤثر عليها فصلاً طويلاً نقارن فيه بين هؤلاء  الشعراء الخالدين(1)

روجر بيكون   (١٢١٠ - ١٢٩٣)

بل لعل هذا الكتاب هو أحسنها جميعاً. وقد لا نجد مؤلفاً محققاً  مثل تايلور انصف الرجل المفكر المسكين روجر بيكون الذى يعتبر  أول رائد من رواد الحضارة الحديثة التي ننعم بها، والتى تتضاءل  بجانبها أزهى الحضارات القديمة. وأغرب ما يروق القارئ من  روجر بيكون أنه لم يكن يعيش في العصر الذى وجد فيه، بل  هو كان لذلك العصر بجسمه وآلامه فقط، أما بروحه وعقله فقد  كان يعيش معنا ويفكر تفكيرنا، ويشغله من مستقبل الإنسانية

ما يشغلنا. ولقد كان بيكون عدواً لدوداً لمعسكرين يعتبر كل  منهما نقيض الآخر. . كان عدوا للكنيسة التي تفرض سلطانها  وتزمتها على العقول فرضاً، وكان يوصى الناس ويحضهم على عدم  الخضوع لغيرها والتحلل من ربقتها فى تفكيرهم، ومن هنا ما لقيه  بيكون من السجن والنفى والتشريد وألوان العذاب التى تتحيفه  من حين إلى آخر. . ثم هو كان عدواً لآرسطو وفلسفته: "التى  كانت كتبها فى نظره جديرة بالتحريق لأنها مضيعة للزمن،  وتحصيل للخطأ، وتكثيف للجهل!"   وربما كان روجر معذوراً فى  هذه النظرة السوداء إلى آرسطو الذى كانت كل تراجمه خطأ فى خطأ  فى تلك العصور؛ ولكن روجر بيكون كان يرى فى فلسفة آرسطو  شقشقة طويلة لا تؤدي الثمرة المشتهاة التى كان ينشدها هو فى  العلوم عن طريق التجربة، ومن هنا أيضاً حبه العظيم وإعجابه  الذى لا يحد بالعرب وبالثقافة العربية فى الطب والكيمياء، وعلم  الأقرباذين وعلم المعادن؛ وربما كانت عداوية لأرسطو نتيجة  انكبابه على دراسة العلوم العربية التى كان المعمل وحده ميدانها  ربما كانت عداوته لأرسطو نتيجة انكبابه على دراسة العلوم العربية التي كان المعمل وحده ميدانه

والمضحك أن الكنيسة، ومن ورائها الشعب الساذج الذى  لا عقل له، كانت تعتبر بيكون دجالاً مشعوذاً يجيد صنوفاً كثيرة  من السحر . وكان الجميع يعدونه مجنوناً حين كان يتنبأ عن إمكان  صنع سفينة تسير بالبخار  "بدون شراع أو مجاديف"  أو قاطرة  أو سيارة " لا يجرها حصان أو زوج من الثيران "  أو طائرة " ترتفع فى الجو بجناحين من المعدن يضربان الهواء كما يصنع  الطائر " ...

اشترك في نشرتنا البريدية