الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 39الرجوع إلى "الثقافة"

دراسات عن قادة الفكر فى الإسلام :، بحوث فيزيقية من "رسائل إخوان الصفاء"

Share

نتحدث فى مقال اليوم عن درجة الصوت والعوامل التى تؤثر فى درجات الأنغام التى تصدرها الأوتار والأعمدة الهوائية المهتزة ، معتمدين على المصدر نفسه .

ودرجة الصوت :

درجة الصوت هى تلك الخاصية التى تمز بها الأذن بين النغمات الصوتية المختلفة الحادة منها والغليظة ، فيقال للنغمات الحادة مرتفعة الدرجة ، وللنغمات الغليظة منخفضة الدرجة ؛ فصرير الصراصر ، وزقزقة العصافير ، وزقاء الديكة ، كلها أصوات حادة الدرجة رفيعة ؛ ونقيق الضفادع ، ونهيق الحمر ، ونعيق الغربان ، كلها أصوات غليظة الدرجة جشاء .

ولكل صوت موسيقى درجة تتوقف على عدد الذبذبات التى يصدرها الجسم للصوت فى الثانية ، وهذا العدد من الذبذبات يعرف " بالتردد " ، ويمكن إثبات ذلك عمليا بتجربة بسيطة ، فان أنت أخذت مجلة مسننة وثبتها فى آلة تدور هذه العجلة ، ثم وضعت أمام أسنان العجلة قطعة من الورق المقوى المتين ، وأدرت العجلة ببطء ، ثم زدت فى سرعة إدارة العجلة تدريجيا ، فانك تسمع أولا طرقات خفيفة متتالية ؛ ثم تسمع بعد ذلك ، (أى بعد زيادة سرعة الدوران) نغمة موسيقية منخفضة لا تلبث أن ترتفع درجتها كما زادت سرعة إدارة العجلة . والاهتزازات المنتظمة المتتالية التى تحدث فى قطعة

الورق المقوى متى كان عددها مناسبا تحدث نعمة موسيقية ترتفع درجتها بازدياد عدد ذبذباتها فى الثانية ، أو بعبارة أخرى كلما زاد ترددها .

ويوضح " إخوان الصفاء " فى رسائلهم نتائج التجربة السابقة ، فيقولون : " . . . وأما السريع والبطئ من الأصوات بإضافة بعضها إلى بعض ، فهي التى تكون أزمان سكونات ما بين نقراتها قصيرة بالإضافة إلى غيرها ، والمثال فى ذلك كوذينات (أى مداق) القصارين (١) ومطارق الحدادين ، فإنها سريعة بالإضافة إلى أصوات دق الرزازين والجصاصين ، وهى بطيئة بالإضافة إليها ، وأما بالإضافة إلى أصوات مجاذيف الملاحين فهى سريعة ، وعلى هذا المثال تعتبر سرعة الأصوات وبطؤها بإضافة بعضها إلى بعض " . ( ج ١ ص ١٤١ س ٨ ) .

اهتزاز الأوتار ودرجة النغمة :

يستخدم الصوتومتر (٢) لبيان تأثير كل من طول الوتر وغلظه وشدة توتره وكثافة مادته على النغمة التى يصدرها ؛ ونحن نكتفى بذكر العوامل التى عرض لها " إخوان الصفاء " من هذه العوامل الأربعة فى رسائلهم :

العامل الأول - طول الوتر :

إذا شد وتر على صوتومتر بواسطة أثقال ثابتة تعلق فى طرفه الخالص حتى يعطى نغمة درجتها مناسبة إذا حرك كله دفعة واحدة ، ثم حركت قنطرة الصوتومتر ، بحيث بقصر طول الجزء المهتز من الوتر تارة ، ويطول تارة أخرى ، فيلاحظ أن درجة النغمة فى حالة تقصير الوتر حادة مرتفعة

وفى حالة إطالته غليظة منخفضة .

ويقول " إخوان الصفاء " في ذلك : " ... ومن وجه آخر أيضا ، فإن صوت كل وتر مطلقا غليظ بالإضافة إلى مزمومه - أى مزموم كان - فعلى هذا القياس تعتبر حدة الأصوات وغلظها بإضافة بعضها إلى بعض " (ج ١ ص ١٤١ س ١٦) .

العامل الثانى - قطر الوتر (غلظة) :

إذا علق فى الوتر المذكور ثقل مناسب وجذب ولوحظت درجة نغمته التى يصدرها ، ثم وضع بدل هذا الوتر آخر من مادته ويساويه طولا ، ولكنه أغلظ منه ، وعلق فيه الثقل نفسه ثم جذب ، يلاحظ انخفاض درجة النغمة التى يصدرها هذا الوتر عن سابقتها التى يصدرها الوتر الأول ؛ وإذا استبدل بهذا الوتر وتر آخر أدق منه ويساويه فى الطول أيضا وعلق فيه الثقل نفسه وجذب ، يلاحظ أن النغمة التى يصدرها هذا الوتر مرتفعة الدرجة عن درجة النغمة التى يصدرها الوتر الأول .

ويقول " إخوان الصفاء " فى هذا المعنى : " وأما الحاد والغليظ من الأصوات بإضافة بعضها إلى بعض فهى كأصوات نقرات الزير وحدته بالإضافة إلى نقرات المثنى والمثنى إلى المثلث والثلث إلى اليم ، فإنها تكون حادة ؛ فأما بالعكس فإن صوت اليم بالإضافة إلى المثلث والمثلث إلى المثنى ، والمثنى إلى الزير غليظة " (ج ١ ص ١٤١  س ١٣ ) .

أما الزير والمثنى والمثلث واليم فهي أسماء للأربعة الأوتار في العود ، ويخبرنا " إخوان الصفاء " عن النسب بين أقطارها فيقولون عند وصفهم للعود : " .... ثم يتخذ أربعة أوتار بعضها أغلظ من بعض على النسبة الفضلى ، وهو أن يكون غلظ اليم مثل غلظ المثلث ومثل ثلثه ، وغلظ المثلث مثل غلظ المثنى ومثل ثلثه ، وغلظ المثنى مثل غلظ الزير ومثل ثلثه ... " (ج ١ ص ١٤٩ س ٦) .

وفي موضع آخر من رسائلهم يقولون في هذا المعنى : (... وأما الدقيق والغليظ من الأصوات فبإضافة بعضها إلي بعض كاصوات نقمة الزبر بإضافتها إلي نفسة التيم ونثمة المثني إلي المثلث ؛ وأما بالعكس فإن صوت اليم بالإضافة إلى المثلث غليظ ، وتدلك المثلث إلي النبي ، والمني إلي الزير ، ومن وجه آخر فإن صوت كل وتر عليظ الإضافة إلي ما دونه اي وتركان " ) ج ٣ ص ١٤٥ س ٢٢ (

وفي موضع آخر يقولون أيضا : " . . وإن كانت ( أي الاوتار ) متساوية في الطول والحزق ( أي شدة التوتر ) مختلفة في الغلظ كانت أصوات الغليظ أغلظ ، وأصوات الدقيق أحد " ( ج ١ ص ١٤٢ ص ٦ ) .

العامل الثالث - شدة التوتر :

إذا شد وتر الصوتومتر شدا مناسبا وجذب ، ثم لو حظت الدرجة التي يصدرها في هذه الحالة ، فإذا زيد مقدار توتره بإضافة اتقال اخري فوق الاتقال السابقة ثم جذب ، يلاحظ أن درجة النغمة التي يصدرها في الحالة الثانية أحد من درجة النغمة التي يصدرها في الحالة الأولى . وإذا عكست التجربة بأن يقلل مقدار التوتر ، وذلك برفع بعض الاتقال التي علقت بطرفه الخالص ، فإنه يشاهد أن درجة النغمة في هذه الحالة منخفضة عنها في الحالة الأولى .

وفي هذا المعنى يقول " إخوان الصفاء " : " ... وإن كانت ( أي الأوتار )متساوية في الطول والغلظ مختلفة في الحزق ( أي شدة التوتر ) كانت أصوات المحزوقة حاد . و اصوات المسترخية غليظة " ( ج ١ ص ١٤٢ س ٧ ).

أما العامل الرابع وهو كثافة مادة الوتر فلم أعثر لأخوان الصفاء على قول لهم فيه ، فكانوا يفرضون اتحاد الاوتار في المادة فيتخذونها من مادة واحدة ، ولذلك لم

يرد ذكر للعامل الرابع المذكور عند عرضهم قوانين اهتزاز الأوتار .

وهم يعرضون لحالة خاصة في اهتزاز الأوتار وهي تساوي الاوتار في الطول والغلظ والحزق ؛ فقد اثبتت التجارب أن الآوتار ( المتخذة من مادة واحدة ) في مثل هذه الحالة تصدر نغمات متحدة الدرجة ، وفي ذلك يقول " إخوان الصفاء ":

" ... إن أصوات الأونار المتساوية الغلظ والطول والحزق إذا نفرت نفرة واحدة كانت متساوية " ( ج ١ ص ١٤٣ س ٥ ) .

ثم يطبق (( إخوان الصفاء )) هذه القوانين على أصوات الحيوانات ذوات الاجنحة ، لما بين الاجنحة والأونار من أوجه الشبه ، فيقولون في ذلك :"... وأما اصوات الحيوان التي ليست لها رئة كالزنابير واجحراد والصرصر وما شاكلها فإنها تحرك الهواء بجناحين لهما سرعة وخفة ، فيحدث من ذلك اصوات مختلفة ، كما يحدث من تحريك أوتار العبدان ، وتكون فتونها واختلاف أنواعها بحسب نطاقة أجنحتها وغلظها وطولها وقصرها وسرعة تحريكها لها . ) ج ١ ص ١٤٠ س ١ (

اهتزاز الأعمدة الهوائية ودرجة النفخة :

من الآلات الموسيقية ما يتوقف عملها على اهتزازات الأعمدة الهوائية فيها ، كالشبابات والدابات والمزامير والبوقات ، وتتوقف درجة النغمة التي تصدرها هذه الآلات ذوات الأعمدة الهوائية على طول الأنبوبة واتساعها وقوة تيار الهواء المندفع فيها .

وفي الشبابات والنابات وغيرها من الآلات ذوات الاعمدة الهوائية يمكن إحداث النغمات المختلفة بتغيير طول عمود الهواء الفعال المهتز بسد الثقوب الموجودة على طول

الأنبوبة ( في حالة الناي وما يشبهه من الآلات ) وفتحها بوساطة الأصابع ، وكذلك بزيادة قوة النفخ ، فيصدر الناي مثلا نغمته الاساسية وهي اغلظ نغماته عندما تبلغ قوة اللفخ ادني حد لاحداث الصوت ، وتكون كل ثقوبه في هذه الحالة مقفلة.

وعندما تكون ثقوب الناي مقفلة يصدر الناي نغمة تشبه أنبوبة مفتوحة الطرفين ، وعندما تكون الثقوب مفتوحة كلها يكون طول عمود الهواء المهتز هو المسافة بين طرف النفخ والثقب الأعلى القريب من هذا الطرف ، ويصدر الناي في هذه الحالة النغمة الاساسية المناظرة لهذا الطول ؛ وعلى ذلك يمكن الحصول علي النغمات المختلفة الدرجة بأن يسد من الثقوب ما يجعل الحصول عليها ممكنا ، وهذا يتطلب مهارة خاصة ، وكذلك يمكن الاستعانة بتغيير قوة النفخ للحصول على النغمات المختلفة المطلوبة .

وقد عرض " إخوان الصفاء " في رسائلهم لاحداث النغمات المختلفة في الالات ذوات الأعمدة الهوائية ، فهم يقولون : " . . . الأصوات من جهة الكمية نوعان : متصلة ومنفصلة ، فالمنفصلة هي التي بين ازمان حركاتها في النقرات زمان سكون محسوس مثل نقرات الاوتار وإيقاع القضبان .

" وأما المتصلة من الأصوات مثل أصوات المزامير والنايات والدواليب ونحو ذلك . . .

" والأصوات المنفصلة تنقسم نوعين حادة وغليظة ؛ فما كان من النايات والمزامير اوسع تجويفا وثقبا كان صوته أغلظ ، وما كان أضيق تجويفا وثقبا كان صوته أحد .

" ومن جهة اخري أيضا ما كان من الثقوب إلي موضع النفخ أقرب كانت نغمته أحد ، وما كان أبعد كان أغلظ .

" وهكذا تنقسم الأصوات المتصلة أيضا على هذا المثال غليظة وحادة " . ( ج ٣ ص ١٤٦ س ١١ ) .

ويقولون في هذا المعنى في موضع آخر : " ! . . وأما فنون اصوات الالات المتخذة للتصويت كالطبول والبوقات والدبادب ، والدفوف ، والسرناى ( المزمار البلدي ) والمزامير والعيدان وما شاكلها ، فهي بحسب اشكالها وجواهرها التى هي متخذة منها ، و كبرها وصغرها وطولها وقصرها وسعة أجوافها ، وضيق فمها ، ورقة اوتارها وغلظها ، وبحسب فنون تحريك المحركين لها والمصوتين بها . . . " ( ج ١ ص ١٤٠ س ١٠ ) .

ويقولون في هذا المعنى أيضا في موضع آخر  : " . . وأما اصوات الحيوانات ذوات الرئة واختلاف انواعها وفنون نغماتها ، فهي بحسب طول اعناقها وقصرها وسمة حلاقيمها وتركيب حناجرها ، وشدة استنشاقها الهواء ، وقوة إرسال أنفاسها من أفواهها ومناخرها " . ( ج ١ ص ١٣٩ س ٢١ ).

نكتفي بهذا القدر الآن ، وسنتحدث في المقال التالي عن التأليف النغمي في الموسيقى ، وعن اثر الموسيقى في النفس .

اشترك في نشرتنا البريدية